مصير سوريا بين قمتي طهران الثلاثية وسوتشي الثنائية

مصير سوريا بين قمتي طهران الثلاثية وسوتشي الثنائية
ثمة طائرة روسية تحمل 15 ضابطا روسيا، أسقطتها إسرائيل لكن بصواريخ سورية (هي روسية أصلا)، حسب الرواية الرسمية الروسية التي رأت أن الغارة الإسرائيلية على مواقع للنظام في الساحل السوري، قرب قاعدة حميميم،هي التي تسببت بالحادث المذكور.

بيد أن هذا التفسير يختلف عن ثلاثة سيناريوهات للحدث الحاصل، أولاها أننا إزاء خطأ تقني أو بشري. وثانيها أن ثمة رسالة من إيران تعترض فيها على اتفاق إدلب، بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في غيابها. وثالثها أن الأمر يتضمن رسالة أميركية، تفيد بأن على روسيا يجب أن تفهم حجمها أو حدود توكيلها في الصراع السوري.

عموماً، وبغض النظر عن تلك التكهنات، فإن هذه الحادثة في حد ذاتها ليست فريدة في نوعها، من حيث الموقع الجغرافي، وطبيعة الهدف، والأطراف المعنية، إذ سبق لإسرائيل أن شنّت غارة جوية في ذات المنطقة قبل خمسة أعوام (5 يوليو 2013)، استهدفت مرابض صواريخ متطورة مضادة للسفن، ما يعني أن هذه المنطقة تأتي ضمن ما تعتبره إسرائيل بمثابة بنك أهداف بالنسبة لها؛ هذا أولا.

ثانيا، كانت إسرائيل بين فترة وأخرى، طوال العقود الماضية، تقوم بشن غارات جوية أو هجمات صاروخية ضد قواعد ومطارات عسكرية سورية، أو ضد قوافل إمداد بالسلاح، وقد ازدادت مع بداية الصراع السوري وتدخل إيران فيه، ثم بلغت أوجها، كما شهدنا، منذ بداية هذا العام، وحتى في شهر سبتمبر الجاري، فقد شهدنا هجمات متوالية أيام 2 و4 و16 سبتمبر ضربت مواقع في العديد من المناطق، ضمنها مطار دمشق ذاته. ومثلا فإن الطيران الإسرائيلي قصف أكثر من 200 موقع على أراضي سوريا خلال الـ18 شهرا الماضية، وأطلق 800 صاروخ عليها.

ثالثا، ليست تلك هي المرة الأولى التي تسقط فيها طائرة روسية، بنتيجة الصراع السوري، ففي نوفمبر 2015 سقطت طائرة عسكرية روسية بمضادات طيران تركية، وفي فبراير 2018 تم إسقاط طائرة عسكرية أخرى قرب سراقب بصاروخ أرض- جو، كما راجت أنباء عن تدمير جزئي لسبع طائرات عسكرية روسية في مطار حميميم بواسطة طائرات بدون طيار أو بالقصف بصواريخ الهاون أواخر العام الماضي، في حادثة جرى التعتيم عليها، وفي 3 مارس 2018، تحطمت طائرة ركاب على متنها 39 راكبا من العسكريين في مطار حميميم لأسباب فنية.

أما بخصوص تحليل هذا الحدث من حيث التوقيت السياسي، لتزامنه مع الاتفاق التركي – الروسي حول إدلب، فمن الصعب التكهن بطبيعة أغراضه، إذ يمكن اعتباره ضمن السياق ذاته للهجمات الإسرائيلية على قواعد عسكرية سورية، أو على قواعد تتبع لإيران أو لميليشياتها المسلحة، وضمن ذلك شحنات السلاح إلى حزب الله في لبنان، أو يمكن فهمه باعتباره رسالة موجهة إلى روسيا، عبر إسرائيل، للضغط عليها، بعد أن ظنت أنها المقررة بشأن تقرير مصير سوريا.

في التفسير الأول، فقد شهدنا أن إسرائيل كثفت ضرباتها العسكرية ضد أهداف في سوريا منذ مطلع هذا العام، كان أقواها في شهر فبراير الماضي مثلا، حيث أعلنت إسرائيل، وقتها، شنها هجمات استهدفت مواقع “إيرانية وأخرى تابعة للنظام”، وفي شهر أبريل، استهدفت قاعدة عسكرية تابعة للنظام في محافظة حمص، وفي شهر مايو، قامت بعدة هجمات مدمرة، أقواها يوم 10 مايو، استهدفت معظم القواعد التابعة لإيران في مجمل الأراضي السورية، مع التذكير أن ما حصل، يوم 17 سبتمبر إنما هو الهجوم الإسرائيلي الرابع من نوعه هذا الشهر، الذي كانت استهدفت فيه إسرائيل مواقع عسكرية في كل من ريفي حماه وحمص وكذلك طرطوس ومطار دمشق.

أما التفسير الثاني، فهو يكتسب وجاهته من كون ما حصل ليس سابقة فريدة من نوعها، إذ تم استهداف طائرة عسكرية روسية سابقا، في فبراير الماضي، كما ذكرنا، وهي رسالة عسكرية كانت مقرونة وقتها برسائل سياسية، إذ أتت بعد إصدار وزراء خارجية مجموعة الدولة المعنية بالصراع السوري (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية والأردن)، ما سمي وقتها “اللاورقة” التي تحدد أسس حل الصراع، على أساس بيان جنيف 1 والقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وذلك في مواجهة سعي روسيا عقد مؤتمر سوتشي، أوائل هذا العام، في ما فهم منه أنه نوع من الضغط على روسيا، وإفهامها أن توكيلها بحل الصراع السوري له حدود معينة ينبغي أن تلتزم بها. لذا يمكن ببساطة إجراء مقارنة بين ما حصل قبل عدة أشهر وما يحصل الآن إذ أن الدول ذاتها (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا مع السعودية ومصر والأردن)، أعربت في اجتماع لموفدين عنها في جنيف عن خطة جديدة لحل الصراع السوري، لا تختلف كثيرا عما جاء في “اللاورقة” السابقة، كما أن هذه الدول أعلنت معارضتها لأي هجمة عسكرية للنظام على إدلب، واستعدادها لردة فعل عملية في حال استخدم النظام السلاح الكيماوي.

على ذلك فإن المؤتمر الصحافي الذي جمع بين الرئيسين بوتين وأردوغان في سوتشي (يوم 17 سبتمبر)، أي بعد عشرة أيام من اجتماع طهران الذي كان جمعهما مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، والذي أبدى فيها بوتين تنازلا لم يقدمه في طهران، بدا نتاجا للضغوط الدولية، والأميركية خاصة، التي بذلت على روسيا، كما كان نتاجا للتصميم التركي، الذي ما كان يمكن أن يكون على هذه الدرجة لولا تبلور موقف دولي ضاغط مثلته مجموعة الدول السبع، وإلا فما الذي تغير في الفترة من 7 سبتمبر (موعد القمة الثلاثية في طهران) و17 سبتمبر موعد القمة الثنائية في سوتشي؟ ولماذا رضخ بوتين للاتفاق في سوتشي، في حين كان رفض ذلك في قمة طهران؟

قصارى القول، وبصرف النظر عن التكهنات بشأن ما إذا كانت حادثة إسقاط الطائرة، هي نتيجة تقاطع نيران عفوي، أو نتيجة ترتيب سياسي يخدم أغراض معينة، من ضمنها إعراب إيران عن رفضها للاتفاق عمليا، رغم أنها عبرت عن قبولها به إعلاميا، بواقع سقوط الطائرة بصاروخ سوري، فإن هذه الحادثة كشفت أن منظومة الدفاع الجوي الروسي التي لطالما تغنى بها بوتين، في محاولاته ترويج السلاح الروسي، لم تجد شيئا، وأنها أقل من أن تفعل شيئا إزاء منظومات سلاح حديثة ومتطورة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات