لماذا انصرف الاهتمام التركي إلى شرق الفرات قبل السيطرة على منبج؟

لماذا انصرف الاهتمام التركي إلى شرق الفرات قبل السيطرة على منبج؟
أثار إعلان الرئيس التركي عن قرب بدء بلاده عملية عسكرية في مناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة ميليشيا "قسد" التي تشكل (الوحدات الكردية – ب ي د) عمودها الفقري، التساؤلات حول سر القفز التركي إلى شرق الفرات بالرغم من عدم انتهاء السيطرة على مدينة منبج (كبرى مدن الريف الحلبي). 

ولا يعتبر تركيز الاهتمام التركي على شرق الفرات جديداً، فقد تعاقبت تصريحات الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) منذ أشهر عدة للتأكيد على دخول شرق الفرات، والتي أوضح في أحد تصريحاته السابقة أنهم "لن يضيعوا الوقت في منبج" والاستكانة لما سموها "المماطلة والخداع الأمريكي" بما يخص تنفيذ خارطة الطريق بخصوص منبج.

شرق الفرات يسقط منبج

ويبدو أن تصميم أنقرة على دخول شرق الفرات، حتى وإن كان قبل منبج يحقق عدة أهداف استراتيجية، وفقاً للصحفي عدنان كنان، فمجرد التوغل داخل الأراضي السورية شرق الفرات وقطع شبكات الطرق الرئيسية من الحسكة مروراً بالرقة إلى حلب فإن منبج تعتبر ساقطة بحكم الأمر الواقع.

الملاحظ أن الطريق الرئيسية بين الحسكة وحلب (الحسكة – تل تمر – عين عيسى – منبج إلى حلب) يسير بموازاة الحدود التركية بعمق 30 – 40 كم تقريباً، وهذه المنطقة – بحسب كنان - تجمع شبكات الطرق الرئيسية بين البلدات والمدن في المنطقة، والتي بمجرد السيطرة عليها سيتم محاصرة عين العرب وعزل منبج، خصوصاً أن جسر "قره قوزاك" الذي يربط ضفتي نهر الفرات على الطريق المذكور يعتبر المنفذ الرئيسي بين شرق الفرات وغربه إلى منبج.

لماذا تل أبيض ورأس العين؟

تعتبر تل أبيض (شمال الرقة 90كم) إحدى أكبر مدن الشمال السوري (شرقي الفرات) وغالبية سكانها من العرب بنسبة 90 بالمئة بينما تتوزع النسب المتبقية بين التركمان والأكراد والأرمن، إضافة إلى أنها تحتوي على أكبر بوابة حدودية في عموم شرق الفرات (تم افتتاحها عام 2004) كما تحتوي المنطقة على شبكة الطرق الرئيسية الواصلة بين الرقة والحسكة وحلب وعين العرب ومنبج.

وبحسب الصحفي، فإن تركيا تعلم الطبيعة الجغرافية المفتوحة والمنبسطة للمنطقة والممتدة من عين العرب غرباً إلى رأس العين شرقاً (المنطقة المراد السيطرة عليها) الأمر الذي يسهل عملية السيطرة عليها على خلاف عفرين الجبلية.

وعدا عن ذلك، فإن المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض لا تحتوي على كثافة سكانية كبيرة، حيث تفصل بين كل قرية وبلدة مساحات واسعة يمكن استغلالها في تسريع عملية السيطرة والتوغل لتقطيع أوصال المنطقة، وهي المنطقة التي من المرجّح أن تبدأ تركيا توغلها فيها، وهذا ما يمكن أن يفسر إزالة الساتر الترابي على الحدود قبالة هذه المناطق وحشد القوات داخل الأراضي التركية المقابلة.

استثمار انتهاكات "الوحدات الكردية"

في مطلع شهر آب الفائت، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريراً أكدت فيه أن ميليشيا "قسد" تجند الأطفال النازحين ضمن صفوفها وزجهم في الأعمال القتالية.

وقالت القائمة بأعمال مديرة قسم الطوارئ في المنظمة (بريانكا موتابارثي) حينها، إن ميليشيا "قسد" تستغل حاجة العائلات النازحة في مخيماتٍ تسيطر عليها لإجبارهم على تجنيد الأطفال والفتيات ضمن صفوفها، ما يعّد خرقاً للقانون الدولي.

وتؤكد تقارير صحفية وحقوقية أن الميليشيا هجّرت آلاف المدنيين من قراهم وبلداتهم لا سيما في ريفي الحسكة الجنوبي والغربي (رأس العين ومحيطها) عدا عن تهجير أهالي عشرات القرى في ريف الرقة الشمالي (بلدة سلوك ومحيط تل أبيض).

ومن خلال هذه الانتهاكات، وفقاً للصحفي عبد العزيز خليفة، فإن الأرضية الشعبية للمعركة تشكل عاملاً رئيسياً في قلب الموازين ضد "قسد" وتسريع عملية السيطرة، لا سيما أن المنطقة معروفة بطبيعتها العشائرية، عدا عمّا بدأ يرد من أنباء عن انشقاقات في صفوف الميليشيا بمجرد الإعلان عن قرب العملية التركية، وهو ما يبدو أن الأتراك يعملون عليه من خلال العمليات الاستخباراتية مع منخرطين في صفوف "قسد".

ويرى (الخليفة) وهو أحد أبناء قبيلة (البكارة) المعارضين لنظام الأسد والمهجرين على يد ميليشيا "الوحدات الكردية" أنه يمكن لتركيا أن تستمثر هذه "الورقة الشعبية" ضد داعمي الوحدات الكردية من حيث أن العميلة المرتقبة ستكون أحد أسباب تثبيت الاستقرار في المنطقة والذي لم تسطتع "الوحدات الكردية" استثمارها فيه، بسبب تهجيرها مئات آلاف السوريين إلى تركيا.

مشهد ضبابي

وبالرغم من تصدر الإعلان التركي المشهد الإعلامي، إلا أن التكهنات حول سيناريوهات العملية المرتقبة ما زالت غامضة، وتقتصر الرؤى على توصيف العملية بأنها ستكون "محدودة" وتستهدف أهداف بعينها قبل التوغل في المنطقة.

وزاد انتشار وتداخل القوى الأجنبية التابعة للتحالف الدولي شرق الفرات لا سيما الأمريكية من ضبابية المشهد، وبالتالي الحؤول دون تصور معين لطبيعة المعركة، سواء كانت تقليدية أم كما توافقت كثير من الآراء بأنها ستكون انتقائية وموجهة ضد أهداف معينة ومحدودة، بما يحقق الأهداف ويبعد الاصطدام بالقوى الأجنبية سالفة الذكر.

كما أن طبيعة المنطقة الجغرافية والاجتماعية قد تلعب الدور الأبرز في اختيار السيناريو لسير المعركة، على خلاف العمليات السابقة التي قامت بها تركيا غرب الفرات (درع الفرات وغصن الزيتون) لا سيما أن شرق الفرات معروفة بطبيعتها الجغرافية المفتوحة وتنوع سكانها، عدا عن اختلاف الكثافة السكانية بين منطقة وأخرى.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات