زيارة "البشير" إلى دمشق.. ابتزاز سياسي أم بداية لتأهيل "الأسد" عربيا؟

زيارة "البشير" إلى دمشق.. ابتزاز سياسي أم بداية لتأهيل "الأسد" عربيا؟
تصدرت زيارة الرئيس السوداني (عمر البشير)، إلى نظام الأسد في دمشق يوم (الأحد)، 16 كانون أول الجاري المشهد الإعلامي والسياسي المحلي والعربي، وحتى الدولي بدرجة أقل، كما فتحت باب التكهنات والتحليلات على مصراعيه، حول طبيعة الزيارة وما ورائها وتوقيتها، على اعتبار أنها أول زيارة لرئيس عربي إلى دمشق، منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011.

رسائل سياسية بدوافع اقتصادية

وتؤكد مصادر صحفية وسياسية سودانية وعربية، أنه لا يمكن معرفة السبب الرئيس من وراء زيارة (البشير) إلى سوريا دون الاطلاع على الوضع الداخلي للسودان بشكل عام والاقتصادي منه بشكل خاص.

فالسودان يعيش منذ أكثر من سنة أزمات اقتصادية خانقة، رغم رفع العقوبات الأمريكية عليه جزئياً في الفترة الأخيرة، ومن هذه الأزمات؛ أزمة عدم توفر العملة الأجنبية وتهريبها للخارج، وأزمة وقود شديدة عطلت الحياة وعمليات النقل والشحن وأضعفت القدرة على الحركة، وأزمة كبيرة في الطحين وارتفاع قيمته أضعاف ما كان عليه، إضافة إلى أزمات أخرى.

وهذه الأزمات، كما يقول الكاتب والصحفي السوداني (خالد الأعسر) هي من دفعت الرئيس السوداني إلى زيارة دمشق، وليست أوامر خارجية كما يعتقد البعض.

ويوافق الأكاديمي والمحلل السياسي الأستاذ في العلاقات الدولية في جامعة باريس (خطار أبو دياب) على ما ذهب إليه الكاتب والصحفي السوداني، مضيفا في لقاء متلفز له على "الأورينت" أن الرئيس السوداني بزيارته للأسد يريد أن يوصل رسالة إلى دول الخليج مفادها أنه، "إذا لم تدعموني وتنقذوا اقتصاد السودان من الانهيار فإني سألجأ إلى المحور الإيراني".

وأما عن توقيت الزيارة وطبيعتها، فيعتقد الكاتب والصحفي السوداني أن الرئيس (البشير) يبحث عن استثمارات عسكرية له في سوريا، خاصة إذا ما توصل اليمنيون إلى اتفاق سلام، وانتهت مهمة التحالف العربي بقيادة السعودية هناك، والذي تشارك فيه السودان بحوالي 15 ألف جندي.

وربما تتمثل هذه الاستثمارات باستغلال السودان لما يجري في شمال شرق سوريا، وتهيئة الأجواء لقواته للمشاركة في نقاط مراقبة على الحدود مع تركيا كحل يرضي جميع الأطراف ويطمئنها، بحسب رأي الكاتب والصحفي السوداني.

ويُرجح البعض صوابية هذا التوجه مستشهدا بالتصريح الذي نقلته وكالة الأناضول التركية عن الرئيس السوداني، أمس (الثلاثاء)، أي بعد يوم وليلة فقط من عودته من دمشق، حيث قال" إن بلاده على استعداد دائم لبذل ما بوسعها للإسهام في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وصيانة الأمن العربي القومي".

روسيا.. وتأهيل الأسد عربيا

وفي المقابل يعتقد كتاب وباحثون سوريون أن زيارة الرئيس السوداني إلى سوريا جاءت بأوامر روسية، وبمباركة عدد من الدول العربية والخليجية منها على وجه الخصوص.

ويسوق الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام النقيب (رشيد حوراني) قرينتين للتدليل على وقوف روسيا وراء زيارة البشير ومحاولة إعادة تأهيله عبر البوابة العربية، أولهما البيان الصادر عن موسكو التي أعربت من خلاله عن أملها في أن تسهم زيارة الرئيس السوداني إلى دمشق، بإعادة العلاقات بشكل كامل بين سوريا والبلدان العربية، وعودتها إلى الجامعة العربية.

وأما القرينة الثانية فهي أن الطائرة التي أوصلت البشير إلى دمشق هي طائرة روسية وتحمل العلم الروسي.

وفي هذا المجال يضيف (حوراني) في حديثه "لأورينت" أن بعض الدول العربية، وبالأخص خليجية منها، أرادت بعث رسائل إلى "بشار الأسد" حول رغبتهم بإعادة العلاقات الطبيعية معه، وكان "البشير" هو الوسيط الأنسب لهذه المهمة، خاصة وأن السودان لم يقاطع سوريا كبقية العرب، وظل محتفظًا بعلاقات طبيعية مع دمشق ولم يتم إغلاق السفارتين في البلدين أبدا.

ويتفق الكاتب والمحلل السياسي (عبد الرحمن عبّارة) مع (حوراني) في أن روسيا هي من تقف وراء زيارة البشير إلى دمشق ولقاءه الأسد، إلا أنه يختلف معه قليلا في أهداف الزيارة، (فـعبّارة) يرى أن روسيا تريد إيصال رسالة إلى أمريكا ودول الخليج، بأن الأمن مستتب في سوريا وأن الأسد رئيس شرعي، وعليهم أن يعيدوا حساباتهم بشأن الشروط التي وضعوها على "نظام الأسد" لإعادة إعمار سوريا.

وكانت دول أصدقاء سوريا، أو ما بات يعرف بالمجموعة المصغرة بشأنها، وتضم كل من (أمريكا وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن)، وضعت في منتصف أيلول الفائت  شروطا للمساهمة في إعادة الإعمار والاستقرار في سوريا، أبرزها، أن تجري في سوريا عملية سياسية برعاية الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن 2254، وأن تفضي إلى إصلاحات دستورية وانتخابات بإشراف الأمم المتحد أيضًا.

واقعية سياسية

أكدت جميع التصريحات الرسمية التي خرجت من السودان عقب زيارة (البشير) إلى دمشق، ومنها تصريح السفير السوداني لدى سوريا، (خالد محمد أحمد) أن الزيارة نابعة من مصلحة سودانية خالصة، وهي تنطلق من واقعية سياسية رسمتها المتغيرات الميدانية على الأرض ولا يمكن تجاهلها.

ويذهب كثيرون إلى ترجيح  ذلك، دون نفي اتفاق هذه الخطوة مع المصالح الروسية والإيرانية، وسعيهما الحثيث لشرعنة نظام الأسد عربيا.

 ويستند من يرجح أسباب الزيارة للواقعية السياسية السودانية،  إلى أن المجموعة المصغرة مازالت تصر على شروطها بشأن ألية الحل السياسي في سوريا، لا بل أنها ذهبت أبعد من ذلك، عبر تهديد أمريكا مؤخرا ممثلة بمبعوثها الخاص إلى سوريا (جيمس جيفري) بإفشال مساري "أستانا وسوتشي" اللذان ترعاهما (روسيا وإيران وتركيا)، في حال عدم تشكيل اللجنة الدستورية السورية في موعدها المحدد وبإشراف الأمم المتحدة.

وفي هذا الصدد يقول الأكاديمي والمحلل السياسي (خطار أبو دياب)" لا يستطيع (البشير) ولا أي أحد آخر تأهيل أو "شرعنة" الأسد، طالما أن شعبه هو من أفقده هذه الشرعية، وأما زيارته إلى دمشق فما هي إلا رقصة من رقصات العصا السودانية الشهيرة التي يتقنها (البشير)، وذلك للهروب من أزماته الداخلية". 

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات