عوامل يجب معرفتها دفعت فصائل (الغوطة - شمالي حمص - الجنوب) لقبول صفقات التسوية

عوامل يجب معرفتها دفعت فصائل (الغوطة - شمالي حمص - الجنوب) لقبول صفقات التسوية
أفرز عام 2018 معطيات جديدة في الملف السوري، غيّرت موازين القوى العسكرية على الأرض بين الفصائل المقاتلة، ونظام الأسد، حيث أسهم مسار أستانا العسكري في دفع فصائل (الغوطة الشرقية، ريف حمص الشمالي، والجنوب السوري) لقبول "صفقات التسوية" مع النظام تحت وصاية من المحتل الروسي، الذي استغل غياب دور الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين في استفراده في تلك المناطق بعد ضبط تحركات الفصائل عبر مسار أستانا. في وقت أكد فيه محللون عسكريون وجود عدة عوامل ميدانية دفعت الفصائل للقبول بالتسويات عبر وكلاء لهم كانوا ينسقون مع النظام والروس خارج سوريا.

دور الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين في "صفقات التسوية"

وحول الحديث عن "صفقات التسوية" التي جرت في (الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، والجنوب السوري) ودور الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين فيها، قال الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، (ساشا العلو)، في تصريح لـ أورينت نت، إن ما حصل في الجنوب السوري يعتبر نتيجة مباشرة لاتفاقات خفض التصعيد، وبأن سقوط مناطق المعارضة نتيجة مباشرة لمسار أستانا، واتفاقات خفض التصعيد التي حيّدت جبهات المعارضة عن القتال وأمّنت للنظام فائضاً من القوة استطاع توجيهه حسب أولوياته، في معارك (البادية، دير الزور، الغوطة الشرقية، ريف حمص الشمالي، جنوب دمشق، وأخيراً في الجنوب السوري).

وأكد (العلو) أنه "على المستوى المحلي فإن هذه الفصائل مثلاً في درعا لم تتحرك لنصرة جبهات أخرى، فلا فصائل درعا تحركت لنصرة الغوطة ولا فصائل ريف حمص تحركت لنصرة الغوطة، ولا الغوطة وفصائل القلمون الشرقي تحركت لنصرة معارك البادية، مما أتاح لنظام الأسد الاستفراد بتلك المناطق وقضمها الواحدة تلو الأخرى".

 وأوضح الباحث أنه "على المستوى الدولي والإقليمي فإن الروس كما استطاعوا استغلال ضعف إدارة أوباما استطاعوا استغلال ضياع بوصلة إدارة ترامب، أو عدم وجود استراتيجية لإدارة ترامب أو عدم التزامها بالاستراتيجية المعلنة التي أعلن عنها وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون".

الدور الروسي بصفقات التسوية

وبما يخص الدور الروسي في "صفقات التسوية" اعتبر الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، "أن الروس استطاعوا استغلال هوامش الخلاف بين الدول الإقليمية الفاعلة، والمنخرطة بالملف السوري ذات المصالح المتضاربة، وخصوصاً الدول الحدودية، وتحديداً (تركيا والأردن)، لذا فإن مصالح هذه الدول الحدودية لا تستطيع التدخل في الملف السوري دون غطاء أمريكي، ومع غياب الغطاء الأمريكي تحول دور تلك الدول من تحصيل مكاسب  في الملف السوري، إلى تخفيف الخسائر، وبالتالي هنا برز الدور الروسي بصفقة، في تقديم مساعدة لهذه الدول على حماية أمنها الإقليمي المتمثل بحمايته من الإرهاب واللاجئين مقابل تنازل هذه الدول عن مسائل أخرى، فعلى سبيل المثال الهواجس التركية في سوريا هي (الوجود الكردي على حدودها، الوجود الإيراني الذي بدأ يطبق على حدودها من سنجار إلى سوريا) وبالتالي  فإن الروس قدموا لأنقرة (الورقة الكردية بشكل كامل ساعدها على دخول عفرين ودخول تل رفعت وتأمين حدودها).

وتابع: "والأردن كذلك ساعده الروس على حرب داعش وعودة اللاجئين بعد سقوط درعا وأيضاً انسحاب الميليشيات الإيرانية، إذاً الصفقة كانت على الشكل التالي: الروس بغياب الغطاء الأمريكي وتراجع فاعلية الدول الحدودية أمّن لهم حماية حدودهم وحصر دورهم في حماية الحدود، مقابل تقديم تلك الدول للروس (ضبط الفصائل عبر مسار أستانا... كلٌ ضبط فصائله ومنعها من التحرك مما ساعد على تطبيق الروس مسار أستانا على المستوى العسكري".

تخطيط مسبق من النظام لجر فصائل الغوطة لقبول التسويات

بدوره شرح العقيد والمحلل العسكري (عبد الله الأسعد) في تصريح لـ أورينت نت، الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي دفعت فصائل الغوطة الشرقية إلى تسليمها للنظام وقبول التسويات، حيث نوه (الأسعد) إلى "أن ما قبل قبول المصالحة، والتسويات في الغوطة كانت هناك دوافع وعوامل قام بها نظام الأسد، منها الاتفاق مع رؤوس داعمة للفصائل في الغوطة الشرقية لإجراء مفاوضات معهم، ومن ثم التعامل مع المكاتب السياسية عن الفصائل والإملاء عليهم بما يريده النظام وإمدادهم بالمال من أجل التصرف بتصرفات أكثر مما هي عليه صلاحياتهم، ومن المفارقات هناك فإن بعض فصائل الغوطة كانت تُدعم من قبل مموّلين موالين لنظام الأسد، وبإيعاز من النظام، حيث كان هؤلاء الممولون هم من يتحكمون بمعارك الفصائل، وهي من خلقت شرخاً بين فصائل الغوطة، إضافة لارتباط بعض شرعيي الفصائل مع النظام".

دور ممثلي المكاتب السياسية لفصائل الغوطة

وبيّن المحلل العسكري كيف لعب ممثلو المكاتب السياسية للفصائل في الخارج في إنجاز بنود التسويات والقبول بها مع المحتل الروسي، بقوله: "جرى التنسيق مع رؤساء المكاتب السياسية الذين يعيشون خارج سوريا، حيث تم التواصل معهم عن طريق القيادة المصرية، والاجتماع في مصر وخاصة جيش الإسلام حيث تم الاتفاق على حضور ممثل جيش الإسلام (محمد علوش) لتلك المفاوضات، وبالتالي بعد الانتهاء من المفاوضات وضع (محمد علوش) في منصب كبير المفاوضين من أجل أن يكون هو صاحب القرار لجيش الإسلام ويكون كلامه نافذاً بخصوص قبول التسويات".

ولفت (الأسعد) إلى أن "قائد جيش الإسلام (عصام بويضاني) تم إغراؤه بالمال وأن المشرف على تسليمه الأموال ورواتب الفصيل هو ممثل المكتب السياسي (محمد علوش) لذلك أصبحت كتلة جيش الإسلام بيد المكتب السياسي، وبالتالي تم الاتفاق مع (أحمد الجربا) رئيس تيار الغد السوري، في مصر من أجل أن يتعامل مع ما تريده منه روسيا عن طريق المخابرات المصرية، وبالفعل تم التنازل بشكل كبير وعندما قامت معركة دمشق التي قام بها (فيلق الرحمن) لم ينخرط جيش الإسلام في نفس المعركة وقال وقتها إنه سيقاتل داعش في القلمون".

وحول الأسباب القريبة التي دفعت الفصائل لتسليم الغوطة، أوضح العقيد أن "الهجمة الروسية مع ميليشيا أسد والميليشيات الإيرانية في أواخر شباط 2018 على مدن الغوطة، وتدمير البنية التحتية للمدن الكبرى مثل حرستا ودوما وميدعا والنشابية، كان له تأثير على الروح المعنوية المقاتلين، لا سيما أن تلك المدن كانت تشكل حاضنة لهم، إضافة إلى أن المسؤولين السياسيين كانوا يضغطون على المقاتلين، حيث كان هناك بالتزامن مع المعركة تنسيق من أجل التسليم من قبل القادة الذين لم يكونوا قادة بل كانوا قادة يحركهم الممولون"، وفق قوله. إضافة إلى الانقسام بين جيش الإسلام وفليق الرحمن كان له دافع كبير في قبول التسويات والمصالحات مع النظام والروس".

دور (أحمد الجربا) في تسليم ريف حمص الشمالي

من جانبه أكد القيادي في الجيش السوري الحر، العقيد الركن (فاتح حسون)، في تصريح لـ أورينت نت، أن "تتبع الخط الزمني لفصائل الجيش الحر في ريف حمص الشمالي منذ بدء التدخل العسكري الروسي يدل على عجز الروس على السيطرة على المنطقة عسكرياً رغم أنها محاصرة وشنت روسيا والنظام والميليشيات الايرانية عليها خمس حملات استخدمت جميع صنوف الأسلحة وحاولت التقدم من مختلف المحاور، وعند يأسها من ذلك بدأت التواصل مع الفصائل عن طريق (أحمد الجربا) الذي نجح في سحب جيش التوحيد والقبول باتفاق القاهرة رغم أن الفصائل رفضت عروضاً لاتفاقيات مماثلة قبل انفراد (الجربا) بجيش التوحيد، وحرصه على استمالة جيش التوحيد بسبب إمساكه لمحور هام وحساس من الناحية العسكرية ومنعه بقية الفصائل الرباط عليه".

وأضاف (حسون) أن "(الجربا) عند توقيعه لاتفاق القاهرة أقدم على مجموعة من الإجراءات لإظهار قدرته على اتخاذ القرار وتحكمه بالمنطقة انطلاقا من موقعه الجغرافي منها على سبيل المثال تشكيل لجنة تفاوض خاصة به، و إصداره بيان عدم الاعتراف بمخرجات أستانا وممثليها من المنطقة واجتماع لجنة المفاوضات التي شكلها جيش التوحيد  باسمه مع الجانب الروسي وردت على ذلك غرفة عمليات ريف حمص الشمالي بفصل جيش التوحيد لمحاولته شق الصف وأنه شكل لجنة تفاوض لا تمثل كافة المناطق المحررة والتفّ على القرارات الثورية لتمرير اتفاق القاهرة بالتفاوض منفرداً مع الجانب الروسي".

مفاوضات منفردة مع نظام الأسد

وتابع: أنه "رغم ذلك أصدر جيش التوحيد بياناً يؤكد فيه المضي باتفاق القاهرة، وخلال فترة التفاوض مع الروس كان يخوض جيش التوحيد ومجلس شورى تلبيسة عبر ممثلين لهما منهم (رغدان الضحيك) وعدة شخصيات أخرى مفاوضات منفردة مع نظام الأسد، وغير معلنة وبشكل سري في مناطق سيطرة نظام الأسد بوساطة (اللواء طلال الناصر) العامل في ميليشيا النظام وبإشراف مباشر روسي، حيث عقدت عدة اجتماعات في فندق السفير في مدينة حمص  لتطبيق اتفاق القاهرة وتسليم المنطقة للنظام، كما تعاون قادته مع الروس لتصفية القادة المعترضين على التسليم. وعندما وضعت الفصائل أمام الأمر الواقع بسبب تصرفات جيش التوحيد وجدوا الخروج أنسب لهم من مواجهة أمور ثلاثة تندرج تحت صفة السيئة وهي، "تسليم جيش التوحيد النظام للمحور الهام عسكريا ووقوع المدنيين تحت رحمة طيران النظام وقناصيه، ومواجهة جيش التوحيد بالقوة النارية وهو لم ترده الفصائل، والخروج وفق ما تم عرضه من قبل الروس بعد ضمانهم لتنفيذ ما طلبوه من جيش التوحيد".

وشدد العقيد الركن على أنه "رغم عدم التوازن في الميزان العسكري بين النظام وحلفائه والفصائل لم تنجح روسيا بإقناع الفصائل التي صمدت في وجهها في خمس حملات، بل فرضت عليهم الأمر الواقع باستمالتها لجيش التوحيد. وخرجت كل الفصائل التي لم يناسبها دخول النظام والروس، باستثناء جيش التوحيد".

العوامل العسكرية التي دفعت فصائل الجنوب للقبول بالتسويات

بدوره اعتبر الصحفي والكاتب سوري (ياسر الرحيل) في تصريح لـ أورينت نت، أن العوامل العسكرية التي دفعت فصائل الجنوب للقبول بالتسويات مع النظام والمحتل الروسي، الأول كان "عاملاً داخلياً، والمتمثل بعدم توحّد الفصائل من قبل، التي كانت تحت منخرطة بالاسم فقط تحت ما كان يسمى "الجبهة الجنوبية".

أما العامل الخارجي وفق (الرحيل) فإنه "تخلي أصدقاء سوريا عن فصائل الجنوب، وأبرزها أمريكا التي أرسلت رسالة للفصائل تؤكد لها عدم مساندتها أو مؤازرتها أو دعمها في المعركة، وبالتالي تخلت أمريكا عن ملف الجنوب لروسيا، ويبدو أن هناك اتفاقاً روسياً أمريكياً مع دول المنطقة لتسليم الجنوب إلى النظام لكن تحت وصاية روسية، لا سيما أن هناك موافقة من الجانب الإسرائيلي الذي يسعى إلى إبعاد ميليشيات حزب الله وإيران من المنطقة بمسافة 60 كم، وهو ما اتضح لاحقاً عندما بدأت الأرتال بالقدوم إلى الجنوب السوري، التي أعطت الضوء الأخضر لبدء الحملة".

وأرجع الكاتب "نزوح عدد كبير من الأهالي آنذاك على الحدود السورية الأردنية ومع الجولان الذين يقدر عددهم بـ 400 ألف، كعامل ضغط على الفصائل بالقبول بأي شيء، وعدم وجود أي ملجأ لهؤلاء النازحين".

ولفت (الرحيل) إلى أن "الوضع في درعا حاليا يشهد حراكاً شعبياً سببه الرئيسي أنه عند توقيع التسوية كانت هناك بنود واتفاقيات بين الروس والفصائل، ومنها إبعاد الميليشيات ومنعها من التغلغل في المدن ومنع النظام من اعتقال الشباب والناشطين وسوق الشباب إلى التجنيد الإجباري، وكذلك اعتقال مخابرات الأسد لقادة الفصائل الذين قبلوا بالتسوية ورفضوا الخروج إلى الشمال السوري".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات