"اللجنة الدستورية".. سنة أخرى على طريق تصفية الثورة السورية

"اللجنة الدستورية".. سنة أخرى على طريق تصفية الثورة السورية
أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا "ستيفان ديمستورا" في آخر إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي (20) كانون الأول عام 2018، قبل أن يترك منصبه مطلع عام 2019، عن الفشل مجدداً في تشكيل اللجنة الدستورية، بعد مرور عام كامل على بيان مؤتمر "سوتشي"، الذي خرج بتوافق على إنشاء لجنة دستورية تضم أعضاء من نظام الأسد وأطياف واسعة من المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.

وجاء في بيان "سوتشي"، الذي عقد في روسيا بداية عام 2018، أن المشاركين اتفقوا على تشكيل لجنة دستورية من ممثلين عن نظام الأسد والمعارضة لإصلاح الدستور وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254.

ورغم موافقة روسيا على شرط الأمم المتحدة  للاشتراك في المؤتمر والمتمثل بحصر مهمة تشكيل "اللجنة الدستورية" وتحديد مرجعيتها وآلية عملها وأعضائها بـمبعوثها إلى سوريا "دي ميستورا"، وعملية جنيف، إلا أن المؤتمر شهد مقاطعة واسعة آنذاك من أبرز قوى الثورة والمعارضة السورية.

وخلال سنة كاملة أصبح مسار "سوتشي" ولجنته الدستورية، الشغل الشاغل لكل القوى المحلية والدولية في سوريا، حيث استطاعت روسيا أن تقفز بشكل انتقائي على قرار جنيف عام 2012، والقرار 2254 عام 2015، مختصرة بذلك العملية السياسة والحل في سوريا، بمسألة الدستور ومستبعدة ما تحدثت عنه القرارات الدولية السابقة، حول حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات وعدالة انتقالية وغير ذلك.

المحور الروسي واللجنة الدستورية

نجح الروس في فرض مسارهم على الحل الأممي في جنيف، فبعد القرارت الدولية التي نصت على البدء من هيئة الحكم الانتقالية ثم صياغة الدستور، قلب الطرح الروسي المعادلة لتتبنى الأمم المتحدة عبر "دي ميستورا" طرح اللجنة الدستورية التي أصبحت بداية أو ربما نهاية العملية السياسية ومسار الحديث الدولي حول سوريا.

وبدأت الخطوة الروسية من "سوتشي"، حيث عقد الروس فيه ما أسموه "مؤتمر الحوار الوطني السوري" في 30/1/2018، بمشاركة 1600 شخصية سورية الغالبية العظمى منهم محسوبون على نظام الأسد والروس.

واستطاعت روسيا أن تجعل من مسار أستانا بدوله الثلاث، (روسيا، تركيا، إيران) بعد "سوتشي" وصياً على جنيف، حيث كانت مسؤولية روسيا تقديم أسماء ممثلي نظام الأسد بينما كانت مسؤولية تركيا تقديم أسماء ممثلي المعارضة من أجل تشكيل اللجنة الدستورية.

ولم يكتف الروس بالقفز على العملية السياسية واختصارها باللجنة الدستورية، إلا أنهم حاولوا أيضا -بحسب مصادر تركية- أن تكون الحصة الأكبر من القائمة الثالثة في اللجنة من نصيب أسماء مقربة من نظام الأسد على حساب المعارضة.

وهذا ما أكده "دي ميستورا" نفسه، في إحاطته الأخيرة عندما عبر عن شكوكه في شرعية عدد من المرشحين في اللجنة الدستورية من القائمة الثالثة التي اقترحتها روسيا وتركيا وإيران وتضم 50 شخصا.

وقال عن القائمة الثالثة: "لسنا متأكدين من أنهم يستوفون المعايير الضرورية للمصداقية والتوازن، لذا يجب القيام بعمل إضافي".

وتتألف اللجنة الدستورية بحسب بيان "سوتشي" قبل نحو عام، الذي وافقت عليه جميع الأطراف بما فيها الأمم المتحدة، من ثلاثة قوائم تضم (150) شخصا سوريا؛ لنظام الأسد خمسون اسما منها، تشرف روسيا وإيران على اختيارهم، ولقوى الثورة والمعارضة مثلها، ويتم اختيارها بالتنسيق مع تركيا، وأما القائمة الثالثة، فهي قائمة المجتمع المدني (الترجيح)، ويتم اختيارها بإشراف الأمم المتحدة، ممثلة بمبعوثها الأممي إلى سوريا" ستيفان دي مستورا".

وينص البيان أيضا على أن مهمة هذه اللجنة بعد تشكيلها صياغة "دستور" جديد لسوريا، أو تعديله بحسب ما تتفق عليه اللجنة، ومن ثم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية طبقا للدستور الجديد وبإشراف الأمم المتحدة، وقد ترك بيان "سوتشي"، الباب مفتوحا لترشح " بشار الأسد" إلى الرئاسة من جديد، عندما لم يأت على ذكر دوره بشكل خاص في مستقبل سوريا.

حل عسكري بقالب سياسي 

ويعتقد العديد من الباحثين والمطلعين أن كلا من روسيا و"نظام الأسد" وبدرجات متفاوتة يستخدمان ورقة المفاوضات السياسية، لإغراق الساحة السورية بالجزئيات وكسب الوقت على الأرض، وهو ما حدث فعلا، حيث استكمل نظام الأسد والروس مهمتهما العسكرية بإسقاط كامل جيوب "قوى الثورة المعارضة" في الوسط والجنوب، لتبقى إدلب ومناطق النفوذ التركي في الشمال فقط.

وفي هذا الصدد أرجع الدكتور (محمد خير الوزير) مدير عام المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، عدم تشكيل اللجنة الدستورية وممارسة أعمالها، التي من المفترض أن تمهد لحل سياسي شامل في سوريا، إلى مماطلة نظام الأسد بالدرجة الأولى، فهو غير مستعد لتقديم أي تنازل سياسي مهما كان صغيرا، طالما أنّه يتغطى بالحليف الروسي كدولة عظمى ولديه أوراق عديدة يساوم عليها مع اللاعب الأمريكي والبريطاني، وفي مقدمتها "الإرهاب".

وهو يرى أيضا - بخلاف ما يُروج له في الأروقة السياسية للأمم المتحدة والمعارضة- أن اللجنة الدستورية لا يمكن أن تكون مدخلا للحل في سوريا وذلك لأن أصل المشكلة سلطوي استبدادي وأن الدستور لا يكتب خارج البلاد وفي وقت الحروب، فالاتفاق يكون أولا على وقف الحرب وبعد ذلك يمكن الحديث عن الأشياء الأخرى.

وأما الكاتب والباحث التركي (فراس رضوان أوغلو) فبرغم اعتقاده أن روسيا لا تتهرب من استحقاق مؤتمر "سوتشي" ولجنته الدستورية، لكنها – من وجهة نظره - تسعى بكل تأكيد إلى تعزيز انتصارها على الأرض لتفرض ما تريده سياسيا، وهذا ما لم يتحقق لها بشكل كامل حتى الآن، فهي لديها التزامات مع تركيا- الداعمة للمعارضة- ولا تستطيع أن تتجاوزها بسهولة.

ويتوقع (أوغلو) أن هناك مشكلة حقيقية أخرى تواجه تشكيل اللجنة الدستورية، وهي كيف سيتم تمثيل المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، الواقعة تحت النفوذ الأمريكي ضمن اللجنة، فلا يمكن أن تقبل تركيا بـ"الوحدات الكردية"، ممثلة ضمن اللجنة، ما يعني أن الدستور والمسألة السياسية ستبقى معلقة حتى يتم حسم هذه القضية بشكل واضح. 

دور تركيا كطرف ضامن

ومع نهاية عام 2016، وانسداد أفق الحل السياسي في جنيف، اتجه الملف السوري برمته إلى مسار آخر عرف بمسار أستانا، الذي بدأ عام 2017، كمسار عسكري مواز للمسار السياسي في جنيف، بضمان دول ثلاث (روسيا، وإيران وتركيا)، ثمّ مالبث أن تحول إلى مسار سياسي بضغط من الروس عبر عقد مؤتمر "سوتشي"، بداية عام 2018، حيث اختصر عملية الحل السياسي في سوريا بمسألة تشكيل اللجنة الدستورية وصياغة دستور جديد للبلاد.

وبعد أن أصحبت تركيا طرفا ضامنا للمسارين العسكري والسياسي في سوريا من جانب قوى الثورة والمعارضة، في مقابل دولتين إحداهما عضو دائم في مجلس الأمن من جانب نظام الأسد، فقد خفضت من سقف طموحاتها في سوريا، وباتت أكثر قبولا بالحلول الواقعية، وهو ما يلمّح إليه أيضا الباحث التركي (رضوان أوغلو).

وفي هذا الصدد يقول: "من الأفضل لتركيا أن لا يكون نظام الأسد على رأس الحكم في سوريا، لكنها تفكر الآن بحلول أكثر واقعية، بحيث تقبل بوجود الجميع ضمن الحل السياسي، مع ضمان أن يكون لها نفوذ في أي حكومة سورية مقبلة كي لا تُستخدم ورقة "حزب العمال الكردستاني" ضدها مرة أخرى".  

ويضيف الباحث التركي، أن لتركيا حدودا واسعة مع سوريا، ولذلك فإنها جادة أكثر من روسيا وأمريكا وإيران بإيجاد حل سياسي حقيقي ينهي الحرب في سوريا، ويأخذ في حسبانه المصالح التركية، وإلا فهي ستظل مضطرة للتدخل الخشن من أجل حماية مصالحها.

صاحب الكلمة الفصل

وفي 18 كانون أول الجاري فتحت قاعات جنيف أبوابها من جديد للملف السوري، فدخلها الثلاثي المعروف بـ"رعاة أستانة" (وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران)، ومعهم المبعوث الأممي إلى سوريا "دي مستورا "، وخرجوا منها باتفاق على عقد أول جلسة للجنة الدستورية السورية مطلع العام المقبل، برعاية أممية، بعد أن ضُرب موعد قريب لبحث الموضوع؛ ليصل المسار الطويل لتشكيل اللجنة الدستورية إلى مرحلة مفصلية بعد أن اعترضته عقبات كثيرة.

ويتفق الباحثان التركي (أوغلو) والسوري (الوزير) على أن أي عملية سياسية شاملة وحقيقية في سورية، أو حتى تشكيل لجنة دستورية مطلع العام المقبل، كما أعلنت الدول الثلاثة الضامنة من جنيف، ستبقى في إطار المماطلة من قبل الروس ونظام الأسد، إلى أن يتم حسم الموقف من صاحب الكلمة الفصل وهو اللاعب الأمريكي.

وما يؤكد الطرح الذي ذهب إليه الباحثان هو أن الحراك السياسي الذي شهده الشهر الأخير من هذا العام بشأن اللجنة الدستورية، كان أهم من الحراك على مدار سنة كاملة، وذلك عقب تصريح واحد أدلى به المبعوث الأمريكي الخاص إلى سورية (جيمس جيفري)، حيث دعا في مؤتمر صحفي في الثالث من كانون أول الجاري، إلى إنهاء عمليتي "أستانا وسوتشي" للتسوية السورية، إن لم يتم تشكيل اللجنة الدستورية السورية في نفس الشهر.

وضمن هذا الواقع الدولي المحيط في سوريا، وخاصة بعد إعلان أمريكا انسحابها المفاجئ من شمال شرق سوريا، يرى متابعون ومحللون أن اللجنة الدستورية ستكون مجرد عقدة أخرى لتمرير الوقت، وأن تحصيل المكاسب العسكرية والميدانية على الأرض وتثبيتها بعوامل محلية، هو الضامن الوحيد لنصيب كل طرف من الأطراف من الكعكة السياسية السورية في المستقبل.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات