مع نهاية 2018.. عصابات الخطف تعبث بأمن الشمال السوري والمعنيون بحفظه يردّون

مع نهاية 2018.. عصابات الخطف تعبث بأمن الشمال السوري والمعنيون بحفظه يردّون
 شهد عام 2018 تزايداً في عمليات الخطف مقابل الفدية بالإضافة إلى عمليات السلب في معظم مناطق الشمال السوري، حتى باتت هذه الظاهرة تقض مضاجع المدنيين هناك وسط حملات واسعة نفذتها الأجهزة الأمنية التابعة للفصائل وأخرى لـ "هيئة تحرير الشام" والشرطة الحرة على مدار العام لكن دون أن تُحاصر هذه الظاهرة وتقضي عليها كما يطالب الأهالي. 

فمنذ أن بدأ العام المنصرم لا تكاد تمضي مدة من الزمن حتى  تعج وسائل التواصل الاجتماعي بتسجيلات مصورة تُظهر شخصاً تم خطفه وهو يطالب ذويه بدفع فدية لإنقاذه، وماتلبث أن تنتهي قصته حتى يظهر شخص جديد بقصة سرقة جديدة. 

ولعل من الملاحظ أن معظم الذين تم خطفهم هم من ميسوري الحال، كما بدا جلياً ومن خلال عملية رصد قام بها ناشطون في إدلب أن لهذه المحافظة  كانت الحصة الأكبر من تلك العمليات ما انعكس سلباً على حياة الناس وشعورهم بعدم الأمان حتى أن بعضهم قرر العزوف عن العمل.

ومع نهاية 2018 أبت المحافظة المكتظة بالمدنيين (نازحون وأهل المنطقة) إلا أن تعبر عن رفضها لهذا الواقع حيث أعلن أصحاب محال الصرافة دخولهم في إضراب مفتوح حتى تحل العقدة الأمنية ويتمكنوا من العيش بشكل يحفظ لهم أمانهم وأموالهم.

إحصائية 2018

قال مكتب "شؤون الجرحى والمفقودين" (يغطي الشمال السوري ويعمل في الداخل) إنه وثّق خلال عام 2018 فقدان 872 مفقوداً بينهم 20 مختطفاً 3 منهم تم تحريرهم مقابل فدية مالية.

وأكد المكتب لأورينت نت أن هذه الحالات وقعت في مناطق متفرقة من الشمال السوري، مشيراً إلى أنها استهدفت بالدرجة الأولى الكوادر الطبية وأصحاب الأموال. ولفت إلى أن أغلب حالات الفقدان تحدث عبر إيقاف الأشخاص على الحواجز دون تبليغ الأهل عن الجهة التي يوجد فيها المفقود مستثنياً الشرطة الحرة من ذلك.

ضحية يتحدث لأورينت

كان من أبرز حالات السلب التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي وأثارت ردود فعل غاضبة هي الحادثة التي تعرّض لها الصراف (مصعب العسكر) وشقيقه الذي قُتل أثناء توجههما إلى العمل في اليوم الأول من شهر آب 2018 حين اعترضتهما عصابة سلب في منطقة جوزف بريف إدلب وأطلقت النار عليهما وسرقة ما يملكون من أموال وذهب. يقول (مصعب) إن "7 مسلحين تمكنوا من إنهاء حياة أخي وسرقة ما نملك من أموال"، وتساءل قائلاً "هل كل هذا العدد من الفصائل في إدلب لا يستطيع ضبط الأمن فيها؟".

قرر (مصعب) الابتعاد عن المنطقة التي كان يعيشها فيها باتجاه قرية بالقرب من سراقب، مؤكداً أن العديد من أصدقائه في المهنة قرروا التوقف عن العمل لإبعاد الأنظار عنهم حيث يعتقدون -وهو معهم- أن أصحاب الأموال والأطباء باتوا الهدف الأول لعصابات الخطف والسلب.

وفي تفاصيل ما بعد الحادثة أكد لأورينت أن 5 من أفراد العصابة تم إلقاء القبض عليهم في حين تمكن السادس من الهرب لكنه فشل بعد أن أُلقي القبض عليه -محاولاً دخول تركيا- من قبل أحد الفصائل الذي بدوره أخذ المال من السارق ورفض إعادته لـ (مصعب)، وفق قوله.

أطراف مسؤولة عن حفظ الأمن

توجهت أورينت نت إلى كل من "هيئة تحرير الشام" (لها نفوذ كبير في إدلب وريفها) والشرطة الحرة بمجموعة من الأسئلة للوقوف على على هذه الظاهرة وماهي أسبابها وسبل التغلّب عليها لتوفير الأمان لأصحاب الأموال بالدرجة الأولى. والتقى الطرفان في ردهما على أن السلاح وعدم وجود جهاز أمني واحد يشكلان الركيزة الأولى لانتشار ظاهرة السلب والخطف. حيث رأت "تحرير الشام" أن تجارة السلاح تعد سبباً يخدم تلك العصابات في حين قالت الشرطة الحرة إن انتشاره هو مدخل لارتكاب الانتهاكات ومنها السرقة.

ماذا فعلت "تحرير الشام"؟

(عبيدة الصالح) الناطق باسم الجهاز الأمني لـ "هيئة تحرير الشام" أكد لأورينت نت أنهم قاموا بعدة خطوات للحد من هذه الظاهرة أهمها تشكيل خلية أزمة مكونة من عدة مختصين وإعداد تقارير عن كافة حالات الخطف التي تمت لدراستها ومتابعتها والسعي لتوسيع شبكة الكاميرات في الشوارع والطرقات الرئيسية.

وأوضح أنهم تابعوا عدد من حالات الخطف التي حصلت في الآونة الأخيرة وتوصلوا إلى بعض الخلايا التي تتبع لتنظيم "داعش" اتخذت من بلدة مصيبين مأوى لها لخطف الناس وابتزازهم وقال في هذا الصدد "قمنا بحملة على كافة أوكارهم بعد رصدها، وتمكننا من اعتقال بعض الشخصيات، ولايزال التحقيق معه جار حتى الوصول الى باقي الأفراد”.

ولفت إلى أن بعض الخلايا منظمة وهناك تنسيق في ما بينها وقد استطاعوا إلقاء القبض على اثنتين من هذه الخلايا التي تعمل بشكل منظم ومدروس إحداها تجاوز عدد أعضائها الـ 16 عضواً، بحسب قوله.

ورأى (الصالح) أن الكوادر الطبية وأصحاب رؤوس الأموال من أهم الطاقات الموجودة في الشمال. وقال "لا بد لنا ولغيرنا من تأمين الراحة والأمان لهم ومساعدتهم "، مؤكداً أنهم قاموا في الأشهر الأخيرة بتحرير بعض الإعلاميين والأطباء من أيدي العصابات التي خطفتهم كم في سراقب وكفريحمول.

واستنكر الأخبار التي تتحدث عن أن إدلب أصبحت مرتعاً للخطف والسرقة، وقال "لو سلطنا الضوء على مناطق الدرع والغصن في إشارة إلى ريف حلب) وكذلك مناطق النظام، لوجدنا أن معدل هذه العمليات هناك أكبر بكثير، ولكن الأضواء كلها مسلطة على إدلب لتصويرها للآخرين أنها غير آمنة، وأن الحياة فيها لم تعد ممكنة وهذا الكلام عار عن الصحة".

وفي إطار الحلول للحد من الخطف والسرقة أشار إلى ضرورة وجود جهاز أمني واحد يضبط الأمن وآلية العمل في الحواجز ويقوم بالكثير من المهام التي من دورها ضبط المناطق المحررة بكافة فعالياتها، وفق تعبيره.

وعدد (الصالح) خطوات قال إنهم يقومون بعملها لتحقيق نسبة أمان في المناطق المحررة،كـ ضبط تجارة السلاح والذخائر وضبط المكاتب العقارية في بعض المناطق (من بيع وشراء واستئجار ونحوه) وملاحقة خلايا تنظيم "داعش" وضبط الشريط الحدودي مع تركيا ومراقبة محلات التزوير ومنع استصدار هويات وشهادات وبطاقات مزورة.

أساليب الشرطة الحرة

تقول الشطرة الحرة إنها تركز على الطريقة المانعة في العمل الشرطي أكثر بكثير من الطريقة القامعة التي هي استجابات لحوادث وقعت بالفعل من خلال نشر الدوريات على مدار الساعة ضمن نطاق العمل ومن خلال تشكيل لجان عمل مجتمعية تُبقيها على اتصال بمكونات المجتمع على مدار الساعة. وأكدت نجاحها في كثير من الأوقات في منع وقوع الكثير من هذه العمليات وبالكشف على فاعليها بعد وقوعها وإلقاء القبض على أفراد العصابة.

وقالت قيادة الشرطة الحرة في إدلب وريفها لأورينت إن "العامل الرئيسي الذي يقف وراء حالات الخطف هو عدم وجود إدارة موحدة للمناطق المحررة تتبع لنظام قانوني وقضائي موحد يدعمه جهاز شرطي منتشر على كافة الأراضي يعمل بدعم قوة عسكرية موحدة بالإضافة إلى انتشار السلاح بشكل منفلت وغير منضبط مع العسكر والمدنيين والعوام وسهولة الوصول إليه من قبل الجميع". 

ورأت أن حالة الفقر الشديد والبطالة التي يعاني منها الكثير من الشبان في تلك المناطق تساعد على تلك العمليات. وأردفت "عمليات الخطف تساعد في تمويل أجندات فصائل متشددة لتقوية صفوفها وإحكام سيطرتها على أماكن معينة".

وبحسب مراسلي أورينت فإن نسبة عمليات الخطف لا تتشابه بين ريف حلب ومحافظة إدلب ففي الأولى تأتي النسبة متدنية بالمقارنة مع الثانية، وفي هذا الإطار قالت الشرطة الحرة إن "في ريف حلب هناك قوتان رئيسيتان هما الجبهة الوطنية للتحرير (فصيل نور الدين الزنكي)  وهيئة تحرير الشام. ونستطيع القول إن في مناطق تواجد الزنكي توجد وبشكل مصغر إدارة واحدة ونظام قضائي ونظام شرطي على عكس مناطق ريف إدلب التي تنتشر فيها العشرات من الفصائل من  مختلف المشارب والإيديولوجيات".

وتؤكد الشرطة وجود أمور تُعيق عملها منها العمل مع "هيئة تحرير الشام" لأنها وفق قولها "تملك مشروعاً مختلفاً عن مشروع  الشرطة الحرة".

أسباب جوهرية

في حديث مع أورينت نت أكد القاضي (خالد شهاب الدين) أن عدم وجود إدارة مدنية واحدة لإدارة الشمال المحرر وتعدد الجهات الفصائلية المسؤولة عن المنطقة الواحدة والتناحر وعدم التنسيق بين الفصائل والجهات المسؤولة عن إدارة كل منطقة والعمل العشوائي سمح بظهور خلايا الخطف والقتل والسرقة. وشدد على أن غياب مؤسستي القضاء والشرطة وعدم فاعليتهما والاعتماد على الأمنيات التي تنقصها الخبرة في مكافحة الجريمة والسعي للكشف عن المخططين لها قبل وقوعها.

وحمّل (شهاب الدين) المسؤولية بالدرجة الأولى إلى الفصائل المقاتلة فهي وفق قوله مسؤولة عن إدارة المناطق وحفظ أمنها وخاصة أن موضوع الخطف مستمر وقد طال الزمن عليه وامتد دون أن تحدث حملة مشتركة بين الفصائل لقمع هذه الظاهرة الإجرامية. 

ولفت إلى غياب التلازم بين القضاء والشرطة التي يقع على عاتقها تنفيذ القرارات القضائية وكذلك مكافحة الجريمة. وشدد في ختام حديثه، على ضرورة وجود قضاء حقيقي وجهاز شرطة متمرس لمكافحة الجريمة كما لابد من حملة حقيقية للكشف عن الملثمين الذين يرتكبون تلك الأفعال.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات