خيارات إيران المحدودة تدفعها للمغامرة

خيارات إيران المحدودة تدفعها للمغامرة
تجددت الهجمات على المنشآت النفطية في منطقة الخليج أول أمس وذلك باستهداف ناقلتي نفط قادمتين من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. يأتي ذلك بعد نحو شهر فقط على حدوث هجمات مشابهة استهدفت أربع سفن تجارية، بينها ناقلتا نفط سعوديتان، قرب ميناء الفجيرة في دولة الإمارات. وتلا ذلك الهجوم استهداف محطتي ضخ للنفط شرقي المملكة العربية السعودية بطائرات مسيرة.

يبدو الهجوم الجديد أكثر خطورة من سابقيه بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بناقلتي النفط والتي استدعت إجلاء الطواقم العاملة عليهما. ويشير تواصل الهجمات إلى أن إيران قد حسمت أمرها بخصوص إستراتيجية الرد على إعادة فرض العقوبات الاقتصادية عليها من قبل الولايات المتحدة ومنعها من تصدير النفط، بحيث تبنت سياسة الهجمات المستمرة والمتصاعدة الوتيرة على المنشآت النفطية في المنطقة بما يهدد إمدادات النفط إلى العالم. وبقدر ما تبدو تلك الإستراتيجية فعالة، إذ يمر عبر مضيق هرمز خمس استهلاك النفط العالمي، تنطوي على خطر تشديد عزلة إيران من جهة، وتسريع إنشاء جبهة عالمية مضادة لها سوف تشكل الغطاء الدولي الضروري لأي تصعيد عسكري غربي في المستقبل من جهة أخرى.

لا يوجد شك في أن إيران تدرك خطورة ما تقوم به من أعمال تخريب تستهدف زعزعة استقرار سوق النفط واحتمال أن ترتد عليها تلك الإستراتيجية. إذ يبدو الحذر الإيراني من تباعد الهجمات وتصاعد حدتها بصورة تدريجية تتجنب ردًّا دوليا مباشرا. كما يبدو حذر طهران من خلال النفي التام لتورطها في تنفيذ الهجمات، وإبداء الرغبة في التعاون على الكشف عن المنفذين.

وبالتزامن مع تخطيط الهجوم على ناقلتي النفط، خططت إيران لتجنب الوقوع صيدا سهلا عند البحث عن الفاعلين، فقامت بإجلاء الطواقم العاملة على ناقلتي النفط المستهدفتين، في مسرحية يبدو أنها معدة سلفًا. كما حرصت على أن يتزامن الهجوم مع زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران.

زودت تلك الوقائع حلفاءها بالأسلحة المناسبة للدفاع عنها في المحافل الدولية. وهو ما حدث، بالفعل، من خلال ردة فعل روسيا التي عبرت عن قلقها من الهجمات الأخيرة داعية إلى عدم التسرع في تحميل إيران المسؤولية. كما استخدم وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، زيارة رئيس الوزراء الياباني لوصف الهجوم بأنه “مريب” والتشكيك في توقيته.

كما دفعت تلك الوقائع المراقبين السياسيين ووسائل الإعلام الغربية إلى طرح سؤال حول مصلحة إيران في تنفيذ تلك الهجمات واحتمال أن تغامر بحرب في المنطقة ستكون هي المتضرر الأكبر فيها. الحقيقة أن الأمر لا يتعلق بمصلحة مباشرة لإيران وإنما بخياراتها المحدودة. بالنسبة إلى طهران قد لا تنجح تلك الهجمات في تحقيق مبتغاها، لا بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية. ولكن البديل عنها هو الوقوف مكتوفة الأيدي أمام العقوبات الأميركية، وهو أمر غير ممكن على الإطلاق.

لا يمكن لإيران أن تتحمل التبعات الاقتصادية والاجتماعية لمنعها من تصدير النفط. ويمكن ملاحظة تلك الآثار المدمرة من خلال تتبع أداء الاقتصاد الإيراني خلال السنوات الماضية وتأثره الكبير بالعقوبات الاقتصادية من جهة، وبالاتفاق النووي من جهة أخرى. فقبل توقيع الاتفاق في العام 2015، دفعت العقوبات الاقتصادية الدولية الاقتصاد الإيراني إلى التراجع بصورة تدريجية، وصولًا إلى تحقيقه نموًّا سلبيا في العام الذي سبق التوصل إلى الاتفاق النووي. بعد تنفيذ الاتفاق ورفع العقوبات الاقتصادية، تحسن أداء الاقتصاد وحقق معدلات نمو قياسية بلغت 12 في المئة في العام 2016.

مع إعادة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فرض العقوبات العام الماضي، انتهت فترة الانتعاش الاقتصادي القصيرة، ودخل اقتصاد البلاد في حالة ركود حاد، محققا نموّا سلبيا بلغ أربعة في المئة في العام 2018، حسب صندوق النقد الدولي.

لكن الأسوأ لم يحصل بعد، إذ تشير توقعات صندوق النقد إلى أن الاقتصاد الإيراني سينكمش بأكثر من ستة في المئة هذا العام. حتى إن تلك التقديرات جاءت قبل القرار الأميركي الأخير بإنهاء الإعفاءات الممنوحة لبعض الدول لشراء النفط الإيراني. باختصار من الواضح أن الاقتصاد الإيراني، الذي يمر بفترة ركود قاسية جدا وغير مسبوقة في تاريخ البلاد، يتجه إلى الأسوأ.

هكذا، لا يمكن للنظام الإيراني الاستكانة للوضع الحالي وهو ما يضعه أمام حلين اثنين. الأول هو العودة إلى طاولة المفاوضات مع الجانب الأميركي والموافقة على اتفاق نووي جديد لن يكون ممكنا هذه المرة إلا بالتخلي التام عن البرنامج النووي. أمر يبدو مستبعدا إذ تعتبر الطغمة الحاكمة برنامجها النووي الضمانة الإستراتيجية الوحيدة لبقائها في الحكم وعدم الإطاحة بها في المستقبل.

يتبقى لها خيار وحيد هو تبني إستراتيجية التصعيد التدريجي للعمليات العسكرية ضد المنشآت النفطية في المنطقة وانتظار انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الحالي. ما من شك في أن هذه الإستراتيجية تنطوي على مغامرة كبيرة، ولكنها الإستراتيجية الوحيدة المتبقية في جعبة النظام الإيراني.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات