أورينت تحيي الذاكرة الوطنية: 100 عام على تأسيس أول برلمان سوري وأول مجمع للغة العربية

أورينت تحيي الذاكرة الوطنية: 100 عام على تأسيس أول برلمان سوري وأول مجمع للغة العربية
يجهل الكثير من السوريين أن أجدادهم قد أنشؤوا قبل مئة عام من اليوم أول هيئة برلمانية سورية منتخبة بعد خروج العثمانيين من البلاد، وهي (المؤتمر السوري) الذي أنشأ في عهد الحكومة العربية الأولى بقيادة الملك فيصل بن الحسين عام 1919 حيث انقعد هذا المؤتمر في حزيران/ يونيو من عام 1919 وخصصت الجلسة الأولى للتعارف وانتخاب رئاسة وسكرتارية المؤتمر.

أول انتخابات نيابية بعد الحرب العالمية الأولى!

يذكر الباحث عمرو الملاح في دراسة ممتازة منشورة له بعنوان: (من ذاكرة الوطن النيابية في عهد الاستقلال العربي الأول 1919-) يذكر 1920 أنه: واتفق زعماء البلاد مع الأمير على إجراء الانتخابات بسرعة اعتقاداً بأن لجنة التحقيق سوف تصل سوريا قريباً ويتعين أن يقابلها مجلس يمثل الشعب بمطالبه. وهكذا، فقد جرت الانتخابات على عجل في المنطقة الشرقية (سوريا الداخلية) حيث كان التشريع العثماني ما يزال سائداً وفقاً لقانون الانتخاب العثماني، على درجتين. وكانت تلك أول انتخابات نيابية تجري في سوريا في أعقاب الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وانهيار الدولة العثمانية، بينما لم تسمح سلطات الاحتلال الفرنسية والبريطانية بإجراء مثل هذه الانتخابات في المنطقتين الغربية والجنوبية على التوالي، فشارك ممثلو هاتين المنطقتين في المؤتمر بمضابط توكيل من الأعيان والزعماء. وكان عدد النواب المنتخبين للمؤتمر (85) نائباً يضاف إليهم (35) من رؤساء العشائر والطوائف الدينية أي (120) عضواً، من بينهم عدد من المندوبين المسيحيين يفوق في نسبة التمثيل عدد السكان المسيحيين في البلاد. بيد أن بعض من تم انتخابه في المنطقة الغربية منعته السلطات الفرنسية من السفر إلى دمشق؛ فكان عدد الذين حضروا جلسة الافتتاح التي عقدت في 3 حزيران من عام 1919 – (69) نائباً منتخباً".

أول مجمع للغة العربية في الوطن العربي!

كما يجهل الكثيرون أيضا أن أجدادهم أنشؤوا قبل مئة عام أيضا، أول مجمع للغة العربية في الوطن العربي، وهو المجمع العلمي العربي الذي صدر قرار تأسيسه في الثامن من حزيران/ يونيو عام 1919 وعقد أولى جلساته في الثلاثين من تموز/ يوليو من العام نفسه.

وتذكر مجلة (المجمع العلمي العربي) في عددها الأول الصادر في كانون الثاني/ يناير عام 1921 أنه: " لما شرعت الحكومة العربية السورية في ترتيب مصالحها وتدوين دواينها، رأت أن من أفضل وسائل الرقي العاملة على إنهاض البلاد أن ينشأ فيها مجمع علمي عربي يقتصر في مساعيه على خدمة العلم واللغة العربية، إذ لا يمكن أن ترقى بلاد من دون علم يُنشر فيها. كما لا يمكن أن يؤثر العلم أثره النافع من دون ان تكون لغة البلاد صالحة لنشره"

بهذه الروح... وهذا الإدراك العميق لأسس النهوض، كان يفكر السوريون في ارتقاء بلادهم، وفي وضع اللبنات التأسيسة التي تسهم في عوامل نهوضها. وقد سمحت الحكومة للمجمع التي عهدت برئاسته لعلامة الشام محمد كرد علي، أن يأخذ تحت إدارته دار الكتب العربية (المكتبة الظاهرية) فيوسعها وينظم شؤونها على نمط تعم بها فائدتها، كما سمحت له أن ينشئ متحفا عربيا يضم إليه ما تفرق في أطراف البلاد من الآثار القديمة والمثل التاريخية والصناعية،  "فيكون مادة للمؤرخين والباحثين والصناع ومحبي الفنون الجميلة، وملقيا في نفوس أبناء الوطن روح الثقة والافتخار بمجد الأسلاف والسير على سننهم" حسب المجلة المذكورة.

لقد ضاعت هذه الذاكرة الوطنية للأسف وسط عقود الجهل والتجهيل التي عاشها السوريون تحت الحكم الشمولي الاستبدادي لعقود طويلة، وصار هذا الإرث الذي يستحق الاحتفاء مادة متداولة للباحثين والمؤرخين والمهتمين فقط، واليوم حين يقدم تلفزيون أورينت احتفاليته الخاصة في الذكرى المئوية لتأسيس أول برلمان سوري، وأول مجمع للغة العربية في الوطن العربي، فإنه يسعى كما كان دائما لإحياء الذاكرة الوطنية، ونقل أحداثها ومحطاتها البارزة من بطون الكتب وسجلات الباحثين والمؤرخين لتكون في متناول جمهور التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي بلغة بصرية مكثفة، جاذبة، قادرة على إيصال الأفكار والمعلومات بتركيز واختزال. 

تستمر هذه الاحتفالية لمدة أسبوع متضمنة العديد من التقارير الإخبارية وفقرات الأنفوغراف، والحلقات الخاصة في برامج الأورينت الثقافية والاجتماعية، والتي يفتتحها برنامج (هنا سورية) بتاريخ اليوم: 17/7/2019 بمحور يناقش الخطوط العامة لمعنى هذه المبادرات التأسيسية الريادية.

كم يحتاج السوريون اليوم لأن يتسلحوا بالمعرفة كي يواجهوا مستقبلا يزداد تعقيدا وقتامة تحت وطأة القتل والتهجير والدمار، لكن حين ننظر إلى الفعالية الحضارية للإنسان السوري الذي تعلم كيف يبدأ من الصفر بنفسه وبمبادراته الخلاقة في بداية كل مرحلة، يعترينا الكثير من الأمل والإيمان، بأننا لسنا عاجزين عن البناء ولن نكون. 

مدير البرامج في تلفزيون أورينت

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات