ما مستقبل إدلب بعد التفاهمات الدولية الأخيرة؟

ما مستقبل إدلب بعد التفاهمات الدولية الأخيرة؟
خرجت القمة الثلاثية التي جمعت زعماء تركيا وروسيا وايران في أنقرة ببيان ختامي، وصفه مراقبون بـ"المُبهم" فيما يخصّ مستقبل ادلب، كوْن ملف هذه المحافظة من أكثر الملفات تعقيداً وأهميةً والذي ينتظره الكثيرون، ومع ضبابية هذا المستقبل، ينتظر ما يُقارب أربعة ملايين مدنيّ مصيرهم، الذي بات يترنّح بين استمرار المعارك تارةً والهدوء الحذر تارةً أخرى.

وبينما وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" ادّعى أن الحرب في سوريا قد انتهت؛ إلا أن رئيسه "فلاديمير بوتين" صرّح خلال قمة أنقرة الثلاثية، أن بلاده ستدعم نظام أسد عسكرياً للسيطرة على كامل إدلب وعودتها لما أسماه "سيادة الدولة".

 

وبحسب مراقبين، فإن التضارب بهذه التصريحات طال الزعماء الثلاثة في القمة حول مصير إدلب، وذهب آخرون إلى أن هذا المصير مرهون بالظروف الدولية والإقليمية، وكذلك القوى على الأرض المتغيّرة يومياً، مما يجعل مستقبل إدلب قابلاً للتغيير لحظيّاً دون تفاهمات ثابتة.

اتفاق تهدئة مَشروط

وكشفت مصادر تركية خاصة (رفضت ذكر اسمها) لأورينت نت، أن "مجموعة العمل المشتركة التركية الروسية اتفقت بوقت سابق على وقف إطلاق النار في ادلب؛ لكن القمة الثلاثية لم تُعلن ذلك، بسبب بعض الخلافات التي أُحيلت للمجموعة لتدارسها وحلها في حال تم التوافق على بنود اتفاق التهدئة الجديد، ولكن هذه التهدئة ستكون مشروطة بعدة بنود على فصائل المعارضة والجانب التركي الالتزام بها ضمن مدة غير مُعلنة؛ وإلا ستعود العمليات العسكرية للمنطقة". 

وفي نفس السياق، قال المحلل السياسي التركي، رضوان سيد أوغلو، لأورينت نت: "سيكون هناك اتفاق تهدئة في محافظة إدلب وما حولها، وذلك حسب اتفاق سوتشي السابق ولكن بصيغة جديدة، ولذلك تم الإعلان مبدئياً عن وقف العمليات العسكرية والبدء بالحل السياسي عبر اللجنة الدستورية؛ ولكن قد تعود العمليات العسكرية مجدداً طالما الجانب الروسي يجد الحجج والأعذار".

من جانبه، كشف القيادي في "الجيش الحر"، مصطفى سيجري، تفاصيل هذا الاتفاق، وأوضحها لأورينت نت قائلاً "بعد قمة أنقرة تم الاتفاق على وضع عدة بنود لم تُعلن بعد، وهي إنشاء منطقة عازلة بحدود جديدة والبدء بالدوريات المشتركة ضمن مسارات محددة، بالإضافة إلى إبعاد الأسماء والتنظيمات المصنفة على لوائح الإرهاب".

وأوضاف سيجري "كما سيتمّ إدخال الحكومة المؤقتة للمناطق المحررة لتبدأ عملها، بالتزامن مع البدء بعمل اللجنة الدستورية ووضع دستور جديد للبلاد"؛ إلا أنه أشار محذراً إلى أن "عدم تطبيق هذه البنود كلّها أو بعضها سيسمح بعودة المعارك العسكرية من قبل ميليشيا أسد وبمساندة روسية وربما نخسر بلداناً أخرى أشبه بسيناريو خان شيخون وريف حماة مؤخراً".

تأجيل المرحلة العسكرية الثانية

وأما الباحث، وائل علوان، فقد رأى أن التفاهمات والقمم الدولية الأخيرة عملت على تأجيل العمل العسكري مبدئياً، واعتبر خلال حديثه مع أورينت نت، أن "القمة الثلاثية الأخيرة كان فيها اختلاف ظاهر للعيان بين الرؤساء الثلاث، كوْن كل رئيس تحدّث حسب وجهة نظره وحول ما يهمّه من هذا الاجتماع، وأما من ناحية إدلب فكان الاتفاق على تأجيل المرحلة العسكرية الثانية على إدلب".

وأكمل علوان بالقول "حسب المعطيات على الأرض، كان هناك حملة عسكرية جديدة على شرق إدلب وريف حلب الجنوبي؛ لكن التفاهمات الأخيرة بين الدول الثلاث واجتماعات الأتراك والروس عملت على تأجيلها، والتي كان مُتوقعاً حدوثها بعد القمة الرباعية بداية شهر أكتوبر القادم، ولكن إلى متى هذا التأجيل لا أحد يعلم، ولذلك مستقبل إدلب يبقى غير مستقر حتى اللحظة".

وبحسب علوان، فإن "فصائل الثوار والجانب التركي يقع عليه تطبيق أربعة بنود لضمان وقف العمليات العسكرية، بحال صدقت روسيا بوعدها، وهذه البنود تتمثّل بفتح الطرقات الدولية وسحب السلاح الثقيل من المنطقة منزوعة السلاح، وهذين البندين من السهل تطبيقهما؛ لكن البندين الآخرين حتى اللحظة لم يتم التوافق على تطبيقهما، وهما انسحاب الفصائل الراديكالية، كما أسموها، من المنطقة منزوعة السلاح، بالإضافة لتسيير الدوريات المشتركة بتلك المنطقة، وبالتالي قد تعود المعارك ثانيةً بسبب هذه الحجج ولكن بعد فترة من الزمن".

الطرق الدولية وخدعة مؤسسات الدولة

ذكرت بعض التقارير المبنيّة على تصريحات روسية، أن موسكو تسعى للسيطرة على الطرق الدولية عبر العمليات العسكرية المحدودة أو عبر الحلول السياسية والتفاهمات الدولية، خاصة مع الجانب التركي، مشيرةً إلى أن روسيا طرحت فكرة عودة مؤسسات الدولة (نظام الأسد) للبلدات الواقعة ضمن مثلث الطرق الدولية M5 و M4 والتي تشمل ما يُقارب نصف محافظة إدلب الجنوبي.

وفي هذا السياق، قال الخبير العسكري، العميد أحمد رحال، لأورينت نت: "ميليشيا أسد والقوات الروسية يُعدّون العدة للسيطرة على الطرق الدولية وشرق محافظة إدلب والمدن الأربعة (سراقب ومعرة النعمان وأريحا مع جسر الشغور)، وهذا الإعداد استوجب وقف العمليات العسكرية مؤقتاً، وفي حال حصل السيناريو الذي نخشاه، فنحن أمام كارثة كبيرة في إدلب، لأن المناطق التي يُخطط لها الروس ونظام الأسد تُعتبر ثاني أكبر كتلة سكانية في المحافظة".

ووفق ما ذكره العميد رحال، فإنّ "تركيا أبلغت قادة الفصائل أن مصير ادلب مرهون بصمود تلك الفصائل، وبأن الروس يفكّرون بدخول المثلث الواقع بين جسر الشغور ومعرة النعمان إلى سراقب تحت ذريعة الشرطة المشتركة وإعادة تفعيل الدوائر الحكومية، وهذه المنطقة تُشرف على طرقات حلب دمشق وحلب اللاذقية، وبالتالي السيطرة على الطرقات والمنطقة المحيطة بها عسكرياً أو سياسياً، لذلك على الفصائل إعادة ترتيب صفوفها قبل عودة المعارك مستقبلاً تحت أيّة ذريعة".

من جهته، وصف الشيخ عمر حذيفة، الشرعي العام "للجبهة الوطنية للتحرير"، البيان الختامي لقمة أنقرة والاجتماعات السابقة ببـ"المُبهم" ونفس التعابير الفضفاضة، وأضاف حذيفة قائلاً لأورينت نت: "لذلك يُعتبر مصير إدلب مبهماً وغير واضح، ولذلك كفصائل ثوار في محافظة ادلب لا نعوّل كثيراً على مثل هذه الاجتماعات، لأنها مبنية على المصالح المشتركة بين الدول الراعية، ولكن نستفيد من تقاطع مصالحنا مع مصالح إحدى تلك الدول ألا وهي تركيا، وأما باقي الدول فنعتبرها دولاً غازية ومحتلة لبلادنا ويجب الحذر من خداعها".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات