سد النهضة.. تحدي السيسي الكبير أم كارثة مصر المقبلة؟

لاتكذبُ لغة ُالجسد .. ولا تتجمل .. وربما هذه الصورة ُلجلسةِ الرئيس ِالمصري أمامَ رئيسِ وزراءِ إثيوبيا تلخّصُ ما انتهت إليه مكانة ُمصر الإقليمية.. مصر المترنحة ُبين حكم ِالعسكرِ الذي يزعمُ أنها كشفت ظهرَها و عرّت كتفَها .. وبين شعبٍ مغيّبٍ مقهورٍ أصابَهُ الوهن .. مهددة ٌ بمنع ِشريان ِالحياةِ عنها .. و بـ "نكسةٍ" جديدة، هكذا يوصفُ سدُ النهضةِ الأثيوبي .. إذ يُخشى أنْ يعيدَ البلادَ التي يشكلُ النيلُ شريانَ معيشتِها إلى مرحلةِ ما قبل السدِ العالي، الهرمِ الرابعِ ومفخرةِ مصر في العصر ِالحديث .. حيث تمضي إثيوبيا نحوَ حلمِها التاريخي بخنق ِمصر .. وسيحددُ كيفية ُ التعاملِ مع هذا الخطرِ مستقبلَ مصر.. بل ووجودَها أيضاً ..

تتناولُ قصة ُأوبرا "عايدة" لـفيردي حرباً بين مصر وإثيوبيا، ينتصرُ فيها المصريون .. في قصةٍ تعودُ إلى الزمنِ الفرعوني .. يحرصُ المصريون على تقديمِها سنوياً.. ويذكّرون بها الحبشة.. لكنَ الإثيوبيينَ يعتقدون أنَ الأزماتِ التي تصيبُ مصر ودرجاتِ الضعفِ العربي تجعلُ التهديداتِ العسكريةَ فارغة ً .. بل تأخذ ُ إثيوبيا زمامَ المبادرةِ و يهددُ رئيسُ وزرائِها آبي أحمد بحشدِ الملايين لمحاربةِ مصر .. غريبٌ هذا الرجل .. ألم ينتزعْ السيسي منه قسماً مغلظاً بألّا يضرَ بمصالح ِمصر .. ولكنها ديبلوماسية ُالتحليفِ التي لايعرفـُها خبراءُ القانونِ و العلاقاتِ الدولية و الديبلوماسية .. ويتساءلُ البعضُ هل وصلْنا إلى هذا الدركِ من السذاجةِ في إدارةِ الصراع .. وما يدعو للأسى أنَ الجيشَ المصري ملتهٍ ببيع ِالخضار ِو تربيةِ الدواجن .. و علماءَ مصر و مثقفيها في السجون ..

 

في كلِ الأحوال .. فإنَ "مصرَ هبة ُالنيل"، مقولة ٌمنسوبة ٌللفراعنة .. الذين عبدوا النيلَ باعتبارهِ إلهاً.. وعبرَ سنواتِ الماضي وبدعم ٍمن الاحتلالِ البريطاني وقتَذاك، مارست القاهرة نفوذَها السياسي على النيل، ليغدوَ "المسُ به مسّاً بالأمنِ القومي ..

واليوم لا تبالغ ُمصر بالقولِ إنها لا تستطيعُ الاستغناءَ عن قطرةِ ماءٍ واحدة من نيلِها .. و المعادلاتُ الحسابيةُ بسيطة: المصريون صاروا اثنينِ وتسعينَ مليوناً.. وهم يزدادون بنسبةِ اثنينِ بالمئة سنوياً.. والعددُ مرشحٌ لبلوغ ِ مئةٍ وثمانينَ مليوناً سنة َألفين وخمسين.. وهذا يتطلبُ واحداً وعشرينَ مليارَ مترٍ مكعبٍ إضافي من الماء.. غيرَ أنَ شحَها سيرفعُ معدلَ البطالة.. وخصوصاً في المناطق ِالزراعية ،ويزيدُ الاختناقَ السكاني والاقتصادي..أضف لذلك أنَ السدَ سيؤثرُ سلباً على الثروةِ السمكيةِ والسياحةِ النيلية .. وإنتاج ِالكهرباء ويسببُ تدهوراً في خصوبةِ أراض ٍزراعية.. وتؤكدُ الدراساتُ التاريخية أنَ الأسرةَ الفرعونية التي بنت الأهراماتِ قبلَ خمسةِ آلافِ عامٍ، انهارَ حكمُها بسببِ الجفافِ الذي أصاب الحبشةَ والسودان.. وقد توقعَ الراحلُ أنور السادات أنَ حروبَ المياهِ ستكونُ هي الظاهرة ُالمميزة للقرن ِالواحدِ والعشرين ..

 اليوم مصر تواجهُ خطواتٍ عملية .. وهي مهددة ٌ أكثرُ من أي ِوقتٍ مضى .. و الأنظارُ تشخصُ إلى الولاياتِ المتحدة التي تتوسط ُ بين مصر و إثيوبيا و السودان .. و أمريكا لا تحتاجُ إلى مشاكلَ إضافيةٍ في الشرق ِالأوسط .. ومصر (في ظاهرِ الأمر) وإثيوبيا (في واقع الأمر) حليفتاها ..تقولُ واشنطن إنها ستبذلُ أقصى ما تستطيعُ لاقناعِهما بالتوصلِ إلى اتفاق .. ويطلبُ ترامب من وزارةِ الخزانةِ  وليس الخارجيةِ الإشرافَ على التوسطِ بينهما .. يبقى الانتظارُ أفضلَ مستشارٍ في ملفٍ حيوي لمنطقةٍ جيوسياسية مهمة ..

 - فأيُ نتيجةٍ منتظرة من مفاوضاتِ واشنطن بشأنِ سد النهضة ؟ هل ستؤدي الرعاية ُالأمريكية لتعزيز ِالموقفِ المصري ؟ أم ستضع ُصعوباتٍ جديدةً تزيدُ عمقَ الأزمة ؟

 - ثم لماذا يكلفُ ترامب وزارةَ الخزانةِ بالتعاملِ مع هكذا ملف ؟ أليست هذه المفاوضاتُ أكبرَ من حساباتِ المال ؟ لماذا لم تُمنحْ وزارةُ الخارجية الدورَ لإدارةِ هكذا ملف ؟ أم أنَ المطلوبَ أنْ تكونَ أوراقُ التفاوض ِبيد , وسوط ُ العقوباتِ الماليةِ باليد الأخرى ؟

 - هل لو كانت مصر بعافيتِها هل كانت لتتجرأ َ إثيوبيا أو غيرُها على بناءِ هذا السد ؟ وماذا عن السودان هل سيكونُ بمنأى عن هذه الأزمة ؟ و بالنهاية إثيوبيا تتحدثُ عن سيادتِها .. ولكنْ هل يهدرُ الحاكمُ العسكري سيادةَ مصر ؟

 - إلِهذا الحد وصل بنا زمنُ الانكساراتِ ونحن نرى تركيا تبني السدودَ على دجلةَ و الفرات ؟ و إيران تسرقُ ما تستطيعُ من مياهِ العراق وتسممُ ما تبقى منها بزيادةِ نسبةِ الملوحة ؟ وإسرائيل تسحبُ مياهَ لبنان و الأردن ؟ و اليوم أثيوبيا ؟ 

 - هل سيموتُ المصريون من العطش .. أم سيموتون على أرضِ أثيوبيا إذا ما مضت بمشروعِها على نهرِ النيل .. كما هدد الساداتُ .. يوماً ما ؟

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات