كيف أنقذ مبارك حافظ الأسد من ورطته مع تركيا وفشل بتوريث ابنه؟

كيف أنقذ مبارك حافظ الأسد من ورطته مع تركيا وفشل بتوريث ابنه؟
أعادت وفاة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، الذي أمضى قرابة ثلاثين عاماً في الحكم، للأذهان حوادث مفصلية حفلت بها حياته، منها المبادرة الشهيرة لترطيب الأجواء بين سوريا وتركيا، والتي انتهت بالتواصل لاتفاق أضنة عام 1998، أنقذ آنذاك حافظ الأسد من ورطته مع أنقرة، والثانية محاولات مبارك توريث نجله "جمال"، على طريقة حافظ الأسد، والتي كانت أبرز الأسباب التي أدت إلى اندلاع ثورة شعبية في البلاد أطاحت بمبارك خلال أقل من أسبوعين.

اتفاق أضنة

لعبت الضغوط التركية المباشرة على سوريا، دوراً رئيساً في انجاز اتفاق أضنة، بعد التهديد مرتين باجتياح البلاد، بسبب دعم مقاتلي تنظيم "حزب العمال الكردستاني"، في الأولى على يد رئيس الوزراء التركي الراحل عدنان مندريس، عام 1958، والتي تدخلت عدة أطراف لمنع المواجهة، وفي الثانية بعد ذلك بأربعين سنة، وللسبب نفسه تقريباً، إذ هددت أنقرة بغزو الأراضي السورية بذريعة دعم الأسد الأب للتنظيم، وإيواء زعيمه عبد الله أوجلان. آنذاك نفى حافظ الأسد أن يكون أوجلان في سوريا، لكن منذ أن غادر تركيا في عام 1980، لجأ إلى سوريا.

ووصلت الضغوط  التركية على نظام حافظ الأسد، إلى ذروتها في عام 1998، ويقول وسيط اطلع على مسار هذه الأزمة، حسب ما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط"، أن مبارك كان قد انتقل إلى دمشق حاملاً التحذير التركي. وقيل إنه التقى حافظ الأسد باسم القيادة التركية ليطالبه بتسليم أوجلان، فكان رد الأسد أن أوجلان ليس في سوريا، ليعود الجانب التركي فيزود مبارك بصورة لأوجلان خارجا من منزله في دمشق، ثم تظهر الحشود التركية على الحدود مع سوريا، ويقال إن القوات التركية قد دخلت بالفعل جزءا من الأراضي السورية انطلاقا من نقطة غازي عنتاب الحدودية.

عندها اتخذ الأسد الأب قرارا بالتضحية بأوجلان، (الذي يقضي حالياً حكماً بالسجن المؤبد في تركيا)، لصالح تحسين العلاقة مع تركيا التي رأى فيها سندا مهما لخليفته بشار الذي كان يتهيأ للحكم. غادر أوجلان إلى روسيا، لكنه سرعان ما أعيد إلى أوروبا، فحلّ في إيطاليا ضيفا على الحكومة التي يتمتع فيها الشيوعيون بنفوذ قوي، ثم إلى اليونان التي كانت تحظى بعلاقات مميزة مع روسيا، قبل أن يغادر إلى أفريقيا نتيجة الضغط التركي والمطالبة بتسليمه. وأخيرا استطاعت الاستخبارات التركية القبض عليه في مطار نيروبي في عملية لا يزال يكتنفها الغموض.

وانتهت الاجتماعات التي عقدت في وقت لاحق، وبوساطة مصرية وإيرانية، إلى اتفاق أضنة الشهير الذي نظم العلاقة بين الطرفين. وينص هذا الاتفاق في الجزء السري منه على حق تركيا في ملاحقة "الإرهابيين" داخل الأراضي السورية وحتى مسافة 5 كيلومترات، ويقال إن هذا الاتفاق نص أيضا على وقف المطالبة السورية بإقليم هاتاي الحدودي التركي الذي تسكنه غالبية ناطقة بالعربية، وكانت سوريا تعده حتى ذلك الحين "أرضا محتلة".

وقد توج هذا التحرك بزيارة مبارك إلى أنقرة في أكتوبر (تشرين الأول) 1998 على رأس وفد أمني وسياسي كبير للاجتماع مع الرئيس التركي سليمان ديميريل، ورئيس وزرائه بولاند إيجويد، حاملا معه موافقة حافظ الأسد على المطالب التركية كلها، بما في ذلك تنازل الأسد عن مطالبتها بلواء إسكندرون (إقليم هاتاي)، وانتهت زيارة مبارك إلى أنقرة بصياغة مسودة للاتفاقية مع 4 ملاحق سرية يقال إن من بينها حق التوغل، والتنازل عن المطالبة باللواء.

واجتمع الوفدان؛ السوري برئاسة اللواء عدنان بدر حسن، والتركي برئاسة السفير أوعور زيال، في يومي 19 و20 من شهر أكتوبر من عام 1998، ووقعا على الاتفاقية التي لم يتطرق لها إعلام الأسد الأب والابن.

وضمّ الاتفاق 4 ملاحق تضمّنت المطالب التركية والتعهدات. كما نصّ على احتفاظ تركيا بممارسة حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس، وفي المطالبة بـ"تعويض عادل" عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها لـ"حزب العمال الكردستاني" فورًا.

 محاولة توريث جمال

يرى سياسيون أن مبارك كانت لديه نية لتوريث الحكم إلى نجله جمال مبارك، بطريقة مشابهة لتوريث حافظ السلطة لابنه بشار، حيث كان يسعى مبارك إلى أن يلعب ابنه دوراً سياسياً عبر تسلمه منصبا عاليا في قيادة الحزب الحاكم، إلا أن الثورة المصرية أطاحت به وبأحلامه بالتوريث.

وهنا يقول وزير الخارجية المصري السابق "أحمد أبو الغيط"، أن محاولات توريث "جمال مبارك"، كانت من أبرز الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة التي أطاحت بمبارك.

وذكرت صحيفة "الأخبار" المصرية، نقلاً عن "أبو الغيط" قوله، إن سلطات جمال مبارك‮ ‬في إدارة شؤون مصر أثناء حكم أبيه كانت‮ ‬مرعبة‮. وأضاف "أبو الغيط": "كانت لجمال اليد العليا في جميع القرارات المتعلقة بالسياسة الداخلية".

وشكّل يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011، الحدث الأبرز في حياة مبارك، حيث شهدت مصر سلسة مظاهرات حاشدة امتدت أياما وبلغت أوجها يوم 28 يناير/كانون الثاني الذي سمي بجمعة الغضب وانتهى بفرض حظر التجول ونزول الجيش إلى شوارع القاهرة ومدن عدة.

وظهر مبارك على شاشة التلفزيون في ساعة متأخرة ليعلن حل الحكومة، وفي 29 يناير/ كانون الثاني 2011 أقدم مبارك على إجراء ظل يرفضه ثلاثة عقود وهو تعيين نائب له فاختار مدير المخابرات اللواء عمر سليمان للمنصب كما كلف وزير الطيران في الحكومة المقالة أحمد شفيق بتشكيل الحكومة.

رغم أنه تحدث أكثر من مرة عن نيته التنحي عن الحكم لكنه لم يشأ التخلي عن الرئاسة متحدياً مطالب المتظاهرين. لكن في يوم 11 فبراير/ شباط أعلن نائبه عن تخلي مبارك عن منصبه وتكليف المجلس العسكري بإدارة شؤون البلاد.

وبعد شهرين من تنحيه تم التحقيق مع مبارك في مكان إقامته بمدينة شرم الشيخ باتهامات تتعلق بقتل متظاهرين، واستغلال النفوذ ونهب المال العام. وبعد قرار إحالته للمحاكمة ومعه نجلاه ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من معاونيه ظل مبارك يتلقى العلاج في المستشفيات العسكرية.

وظهر راقدا على سرير طبي أثناء حضوره جلسات محاكمته. وفي الثاني من يونيو  2012، قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة مبارك بالسجن المؤبد لمسؤوليته عن قتل المتظاهرين وهي العقوبة ذاتها التي نالها وزير داخليته بينما برأت المحكمة المعاونين الستة لكن جرت تبرئة مبارك لاحقاً من هذه التهمة.

وقضت المحكمة أيضا بانقضاء المدة في الدعوى المقامة ضد مبارك ونجليه بتهم استغلال النفوذ ونهب المال العام.

وخرجت مظاهرات غاضبة بعد النطق بالحكم احتجاجا على هذه الأحكام التي اعتبرها المحتجون أحكاما مخففة. ونقل مبارك إلى مستشفى سجن طره حيث كان يقضي عقوبته، ليعلن التلفزيون المصري الرسمي، اليوم الثلاثاء، وفاة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، بعد أن شهدت حالتة الصحية تدهوراً في الأيام القليلة الماضية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات