عدم تثبيت عقود الزواج في الشمال السوري.. أبرز الآثار والحلول

عدم تثبيت عقود الزواج في الشمال السوري.. أبرز الآثار والحلول
بات تثبيت عقد الزواج أمراً غير سهل بالنسبة لكثير من الشباب والبنات في الشمال السوري المحرر، في ظل غياب جهة مسؤولة ومعترف بها، وتتضاعف هذه المشكلة بعد أنجاب الأطفال، إذ لا يستطيع الآباء تسجيلهم بسجلات وقيود نظامية وهذا الأمر لا يمكنهم من الحصول على أوراقهم الثبوتية في حال طلبها لأي جهة كانت.

وتعاني بعض النساء في إدلب من مصاعب كبيرة في الحصول على حقوقهن القانونية كالإرث وحضانة الأطفال والنفقة وغيرها وذلك بعد طلاقها أو وفاة زوجها، بسبب عدم تثبيت عقود الزواج قانونياً، وارتفاع تكلفة توكيل المحامين، ما يسبب بكثير من المشكلات الاجتماعية بين العائلات والأزواج.

عدم تثبيت عقد الزواج

تقول الأرملة أم محمد من محافظة إدلب لـ "أورينت نت"، إن زوجها توفي وبعد وفاته طالبت أهالي زوجها بالنفقة لها ولأطفالها اليتامى، مضيفة أنها لاقت رفضاً قطعياً من عائلة زوجها الذين حرموها وأطفالها من النفقة بعد وفاة زوجها بالرغم من أوضاعهم المادية الجيدة، وهي غير قادرة على أنّ توكل محامياً يطالب بحقوقها المشروعة لأنّها لا تملك ثمن الدعوة، مرجعة سبب ذلك إلى عدم تثبيت زواجها بطريقة قانونية بسبب عدم وجود جهة رسمية معترف بها حسب تعبيرها.

في حين تؤكد مريم من إدلب أيضاً وهي مطلقة، عدم إقدامها على تثبيت زواجها في المحكمة بسبب صعوبة ذلك ونزوح عائلتها، مشيرةً إلى عدم تلقيها أي حقوق من زوجها بعد انفصالهما، وعدم قدرتها على المطالبة بحقوقها، بسبب سوء الأوضاع والحرب والنزوح.

وأما حال خديجة فهو لا يختلف عن حال الكثير من النساء المطلقات أو الأرامل، إذ لم تترك وسيلة قانونية إلا ولجأت إليها من أجل أن تحصل على ميراث زوجها، بعد أن أقدمت عائلته على حرمانها وأطفالها من حقها في الميراث.

بدوره، يوضح الشاب محمد الإبراهيم من سكان إدلب، أنه مضى على زواجه أكثر من سنة ولم يتمكن من تثبيت زواجه لدى أي جهة، فهو لا يستطيع الذهاب إلى مناطق النظام وليس لديه من يقوم بذلك هناك، ويبحث عن جهة معترف بها لتسجيل زواجه لكنها غير متوفرة، مضيفاً أن هذا الأمر أصبح يعاني منه كثيراً خصوصاً أنه مقبل على استقبال أول أطفاله، وهو بحاجة إلى تسجيله نظامياً لكي يتمكن من التعليم.

الزواج العرفي

يعتبر عقد الزواج العرفي من الأساليب المنتشرة كثيراً في مجتمعنا السوري ولا سيما المجتمعات الريفية، ولكن دائما كان يتم اللجوء للمحاكم الشرعية لتثبيت هذه الواقعة عند حصول الولادات وذلك من أجل تسجيل المواليد الجدد في سجلات النفوس والأحوال المدنية بحسب ما أوضحه المحامي والخبير السياسي والقانوني فهد القاضي لـ "أورينت نت.

وتابع القاضي أنه مع افتقاد المناطق المحررة للدوائر الحكومية المعترف بها قانونياً والتي تقوم بهذه المهمة، فإن إثبات تلك العلاقات الزوجية التي نشأت من خلال عقود زواج عرفية أصبحت تعاني من مشكلات كبيرة جداً خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة عند وفاة الزوج أو حصول واقعة الطلاق أو تثبيت ولادة المواليد الجدد رغم أن كثيرا من المنظمات والأفراد المهتمين بهذه القضية قد بذلوا جهودا كبيرة لتنظيم هذا الجانب المهم من حياة الناس والمجتمعات إلا أن تلك الجهود حتى الآن لم ترتقِ إلى المستوى المطلوب الذي يضمن حقوق الزوجة من ناحية المهر والنفقة وأيضاً حقوق الأولاد في النسب.

آثاره على المرأة والطفل

توضح المحامية رهف العلي لـ أورينت نت أنّ عدم تثبيت الزواج في المحكمة يؤثر سلبياً على حقوق المرأة والطفل ويعيق حصولها على حقوقها، فضلاً عن التكاليف الكبيرة والفترة الزمنية الطويلة التي يحتاجها تثبيت الزواج وتحصيل الحقوق، ما يدفع الكثير من النساء للتخلي عن رفع الدعوى أصلاً، مبينة أنّه بالنسبة للأطفال فعدم تثبيت الزواج قد يؤدي إلى ضياع حقهم في نفقة الحضانة، بالإضافة إلى أنه يؤخر ويحرم الطفل من حقه في التعليم.

في حين يقول المحامي فهد القاضي، إن تأثير عدم تثبيت عقد الزواج للأباء يخلق الكثير من المشكلات للأطفال كما أنه في حال وفاة الأب بوقت مبكر فإنه يخشى من ضياع النسب كما يخشى أيضاً من أن يصبح الطفل بعد أن يتجاوز مرحلة الطفولة من المكتومين وهذه الحالة بالتالي لا تمكنه من دخول المدارس ومن ثم الجامعات وبالتالي فإن مشكلات عدم تسجيل الزواج بشكل أصولي وبناء مؤسسة الزواج بشكل خاطئ أو مختل له عواقب وخيمه على المجتمع بشكل عام وعلى الفرد بشكل خاص.

في حالات الطلاق والوفاة

يبين المحامي فهد القاضي لـ أورينت نت أن هناك الكثير من العلاقات الزوجية غير موثقة أصولاً لدى جهة رسمية في الشمال السوري وعند الطلاق أو الوفاة فإننا نلاحظ أن غالبية تلك الوقائع يهضم بها حق الزوجة نتيجة غياب الجهات الرسمية القانونية والتنفيذية التي تقود المجتمع، إلا القليل من الحالات التي تحصل فيها الزوجة على حقوقها بشكل مباشر وبدون أي مشكلات وهذا عندما يكون أهل الزوج وأقرباؤه من الناس المتفهمين ومن الذين يخشون الله بالقول والفعل. 

الحلول والنصائح

في ظل الظروف الراهنة وكثرة حالات الطلاق والوفاة في محافظة إدلب وعدم وجود مؤسسات قانونية وقضائية معترف بها رسمياً، فإن المحامي فهد القاضي ينصح أولياء الأمور بأن يبتعدوا عن تزويج بناتهم أو من لهم حق الولاية عليهم بالسر وأن يبادروا إلى إشهار هذه العلاقة وتوثيقها عند مؤسسة أو منظمة قانونية متوفرة في المنطقة، وأن يحتفظوا بنسخة أصلية عن وثيقة الزواج العرفي بعد أن يكونوا قد تحروا عن الزوج وعن أهله بشكل دقيق، وأن يبادروا إلى توثيقها فوراً عندما تسمح الظروف بذلك مستقبلاً، وعدم الاستهتار والإهمال بهذا الجانب المهم للزوجين، مضيفاً أنه يجب تصوير واقعة عقد القران بوساطة كاميرا والاحتفاظ بالفيديو لضمان حق الزوجة وأطفالها في المستقبل. 

ويشير المحامي ربما يُحل موضوع تحصيل حق المرأة عشائرياً في حال كان الزوجين غير مثبتين عقد الزواج أو من قبل بعض وجهاء المنطقة حيث تلجأ الزوجة أو أهلها إليهم وتتم المصالحة على مبلغ زهيد من المال لا يعادل إلا جزءاً يسيراً من حقوقها المالية المنبثقة عن عقد الزواج العرفي. 

في حين تبين المحامية رهف العلي أن على الأهالي في حال زواج أحد بناتهم الاعتماد على شهود موثقين جداً لحفظ حقوق المرأة والأطفال في حال وجود مشاكل زوجية مستقبلية وفي حال الطلاق أو الوفاة.

شروط وسن الزواج

هناك شرطان أساسان لا ثالث لهما في التقدم للزواج شرعاً وقانوناً أولهما شرط صحة وهو  الإيجاب والقبول وتحديد المهر والشهود، وثانيهما والذي هو شرط إثبات وهو تثبيت واقعة الزواج في السجلات الحكومية الرسمية والتي يجد الكثير من الشباب السوريين صعوبة في عملها في المناطق المحررة، لذلك يكتفي الكثير منهم بعقد عرفي أو ما يسمى "بكتاب شيخ" فقط دون التطرق لتثبيت عقد الزواج لدى جهة رسمية.

أما بالنسبة لسن الزواج للبنات فالشرع لا ينص على سن معين وإنما يشترط أن تكون الفتاة قادرة على الزواج ومعيار ذلك جسمها وبنيتها الخارجية، أما قانونياً فإنه ينص على أن تبلغ الفتاة من العمر سن الـ 18 عاماً.

وتعد المرأة والأطفال أكثر الأطراف تضرراً فبظل الظروف الراهنة، فهم بحاجة لقضاء ومحاكم تثبت حقوقهم وتسهل الحصول عليها، وفي الوقت نفسه فإن الكثير من الشباب غير قادرين على الذهاب لمناطق ميليشيا أسد لحل هذه المشكلة.

التعليقات (1)

    الاء

    ·منذ 3 سنوات 11 شهر
    برافو تقرير عم يحاكي معاناة كتير من نساء
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات