مظاهرات السويداء من منظور العلوية السياسية: الأسد أو نفتت البلد!

مظاهرات السويداء من منظور العلوية السياسية:  الأسد أو نفتت البلد!
في العقلية السياسية العلوية.. القائمة على عصبية طائفية لم تخف على أحد، منذ عمل المفكر ميشيل سورا في ثمانينات القرن العشرين على تحليلها وفضح آليات تشكلها وممارساتها ودفع حياته ثمنا لذلك؛ في هذه العقلية دائما ثمة خطاب ظاهر وخطاب خفي. خطاب داخل الطائفة، وخطاب موجه لكل من هو خارجها.. وخصوصا من السوريين "الآخرين".. فالسوري في نظر العلوي هو "آخر“ مثله مثل الفرنسي أو الإنكليزي أو التركي.  لكن في لحظة الشعور بالخطر، أو الإحساس باختلال عناصر القوة من حول الطائفة أو داخلها.. تنهار التقية العلوية، ويبرز الخطاب الحقيقي ليكشف عن الوجه والوجهة القادمة.. فتسقط عبارات اللحمة الوطنية، وتسقط مشاعر الثقة والطمأنينة بين أخوة الوطن الواحد.. وينطق اللسان الجمعي بالحقيقة التي يحاول أن يداريها، رغم أنه يؤمن ويتمسك بها.

السوري في نظر العلوي هو "آخر“ مثله مثل الفرنسي أو الإنكليزي أو التركي.  لكن في لحظة الشعور بالخطر، أو الإحساس باختلال عناصر القوة من حول الطائفة أو داخلها.. تنهار التقية العلوية، ويبرز الخطاب الحقيقي

حدث هذا عام 1936 عندما قررت فرنسا التخلي عن دولة العلويين... فأرسل أعيانها رسالة إلى الخارجية الفرنسية يرجون فيها ألا تتخلى فرنسا عنهم.. ويكتبون في السياق أدق تعريف لمعقداتهم ورؤيتهم لذاتهم داخل التركيبة الوطنية السورية:  

"بمناسبة المفاوضات الجارية بين فرنسا وسوريا، نتشرف نحن زعماء ووجهاء الطائفة العلوية في سورية أن نلفت نظركم ونظر حزبكم إلى النقاط التالية: إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة، بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس، هو شعب يختلف بمعتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم السني. ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من الداخل. إن الشعب العلوي يرفض أن يلحق بسوريا المسلمة، لأن الدين الإسلامي يعتبر دين الدولة الرسمي، والشعب العلوي، بالنسبة إلى الدين الإسلامي، يعتبر كافراً. لذا نلفت نظركم إلى ما ينتظر العلويين من مصير مخيف وفظيع في حالة إرغامهم على الالتحاق بسوريا عندما تتخلص من مراقبة الانتداب ويصبح في إمكانها أن تطبق القوانين والأنظمة المستمدة من دينها".

•شماعة أمن إسرائيل! 

وحدث هذا حين صرح رامي مخلوف عام 2011 أن أمن سورية من أمن إسرائيل، كاشفا عن الحقيقة التي تقال تلميحا وبين السطور في لحظة الشعور بالخطر، الحقيقة التي يمكن شرحها على النحو الآتي: لا نية لدنيا لنقض تعهد حافظ الأسد بحماية أمن إسرائيل طالما بقينا في الحكم. واذكروا ما أبداه أجدادنا في وثيقة عام 1936 من تعاطف مع "منكوبي اليهود في فلسطين". حسب تعبير الوثيقة إياها.

 ويحدث هذا اليوم عندما ينطق لؤي حسين بلسان حاله الذي يتماهى في الجوهر مع رسائل أجهزة المخابرات التي تمثل مشروعه، ليؤكد لنا أننا واهمين إذا ظننا أن بشار الأسد راحل، فيقول بالحرف: "من يظن أن بشار الأسد راحل فهو واهم أيضا. لا يوجد دولة تغامر باستقرار دمشق. لأن عدم استقرارها يهدد أمن إسرائيل".

إنها العصبية الطائفية التي تستيقظ في لحظة الشعور بالخطر، لترمي كل أقنعة التقية في سلة المهملات وتتحدث بلغة واضحة ناصعة: "عدم استقرار دمشق التي لن يحكمها سوى الأسد يهدد أمن إسرائيل" أو بعبارة أخرى: نعم الأسد قام حكمه على فكرة حماية أمن إسرائيل والصمود والتصدي أكذوبة لا تنطلي إلا على الحمقى أمثالكم!

ينطق لؤي حسين بلسان حاله الذي يتماهى في الجوهر مع رسائل أجهزة المخابرات التي تمثل مشروعه، ليؤكد لنا أننا واهمين إذا ظننا أن بشار الأسد راحل

السؤال الآن.. إذا مات بشار الأسد لأي سبب طبيعي أو إلهي، مثلما مات "حكم إلى الأبد" سابقا بموت حافظ الأسد، ماذا سيكون حال أمن إسرائيل؟! هل ستزول؟ هل سيرمى اليهود في البحر؟ هل ستقول أمريكا: اعذرونا لم نعد نستطيع أن نحمي وجودكم أيها الصهاينة بغياب جاركم المخلص.. اعذرونا فأمنكم أصبح فوق طاقة احتمالنا بغيابه!

بلا شك أن عرب أرتيريا وجيبوتي وجزر القمر قبل الإسرائيليين سيضحكون عندما  يقرؤون هراء لؤي حسين.. ولهم فقط أن يتخيلوا أن بشار الذي يدفعه مرافق بوتين كي يعود إلى الوراء في استعراض قاعدة حميم عندما حضر إليها بوتين، والأسد الذي استدعاه بوتين إلى مقر القوات الروسية عندما زار العاصمة دمشق في كانون الثاني/ يناير من العام الحالي دون أن يكلف نفسه احترام ادنى درجات البروتوكل التي تقتضي لقاءه في القصر الرئاسي.. والأسد الذي تقصف طائرات إسرائيل بلاده كلما جاء على بال جنرال إسرائيلي أن يتسلى بمليشيا إيرانية هنا أو هناك... هذا هو الذي إذا سقط سيكون أمن إسرائيل مهددا! 

•الدول والإمبراطوريات تزول لكن الأسد باق!

يمضى لؤي حسين بعد ذلك ليوجه من خلال صفحته الشخصية على فيسبوك رسائل التهديد والوعيد للأخوة الدروز بسبب اندلاع مظاهرات مطالبة بإسقاط النظام في السويداء. يخاطبهم بوضوح أكثر: 

"سوريا مهددة بالتفتت. وبقاء العاصمة تحت سيطرة بشار الأسد ومجموعته. سوريا مهددة أن يذهب كل واحد منا إلى ديرته. سوريا مهددة أن يستولي على أحيائها وبلداتها الهمج. همج السابق كان خلفهم دول تمولهم، فينفقون بعض المال على الناس. همج اليوم سيأخذون الخوّات من فم الفقير. مَن قال إن الدول لا تزول. فقد زالت امبراطوريات بوسع الأرض. لا شيء يمنع سوريا من الزوال إطلاقا. وتتحول إلى حارات. من يظن أن التقسيم جاهز فهو واهم. إذ أهل كل طائفة وقبيلة سيذبحون بعضهم البعض أولاً حتى يسيطر أحد على الطائفة أو العشيرة ويصبح أميرها. هذه حال جميع من سبقنا حين اعتماد روابط الدم والقربى".

لا براميل الأسد ولا استخدام الكيماوي ولا القصف الجوي ولا تجويع وحصار المدن والمدنيين خلال سنوات، ولا تهجير وتشريد الملايين، ولا استجلاب الإيراني والروسي والمليشيات الطائفية، ولا بيع ثروات سوريا وتأجير موانئها ومطاراتها بعقود طويلة الأجل وبلا أي شروط تذكر، استطاع أن يهدد وحدة سورية، وحدها إذن ثورة السويداء ضد حكم الأسد ستفتت هذا النسيج السوري وستجعل "كل واحد منا يذهب إلى ديرته" ومن يثورون ضد حكم الأسد والاستبداد الطائفي هم همج بالضرورة.. لكن الهمج السنة كانت وراءهم دول تدعهم وتمولهم أي كانوا عملاء مأجورين.. أما همج الدروز فلن يمولهم أحد وسيأخذون الخوات من فم فقيرهم" 

هكذا يرمي لؤي حسين إشراقاته السياسية والتحليلية التي يعترف فيها أن دول وإمبراطوريات بأكملها زالت.. لكن نظام الأسد خارج قوانين الطبيعة ونواميس الدول والإمبراطوريات لن يزول.. وواهم من يظن أنه سيزول، ومن يثورون ضده من الهمج هم الخاسرون لا محالة، وسوريا ستزول بسببهم لا بسبب هذا النظام وجرائمه وآثامه!

•نظام مليشياوي منذ عقود!

في إحدى بوستاته التي نشرت يوم 8/6/2020 أي عشية اندلاع مظاهرات السويداء.. يربط لؤي بين هذه المظاهرات وبين قانون قيصر. وكأنه يرى أن الدروز ما تجرأوا على المطالبة بإسقاط النظام لولا قانون قيصر فيخاطبهم بالقول: 

"لا يمكن لمشروع قيصر أو لغيره إسقاط النظام السوري. فالحصار الاقتصادي يحوّل الأنظمة الاستبدادية إلى ميليشيات. والميليشيا لا تهتم بمرجعية ولا بمستقبل. يكون كل همها توافر السلاح والمال ثمنا للذخائر. ولا تعتبر نفسها مسؤولة عن شيء آخر". هكذا يبدو التهديد واضحا: لا تستقووا بقانون قيصر علينا فالنظام لن يسقط، ولكنه سيتحول إلى مليشيا، والمليشيا لا تعتبر نسفها مسؤولة عن أي شيء غير تشليح الناس والتسلح في مواجهتهم.. وهو لن يكون مسؤولا عن أي قانون وستكون حياتكم معه جحيماً. لكنه يتابع منشوره فيقول: 

"النظام السوري تحول منذ خمس سنوات إلى ميليشيا. أي إن قيصر لن يؤثر فيه. لكن قيصر سيفكك المجتمع السوري أكثر وأكثر، نتيجة المساهمة أكثر في إفقار الناس، ونتيجة المحاميل الشعاراتية التي سيجرفها معه". 

السؤال الذي يطرح نفسه، إذا كان السيد لؤي يقر أن النظام منذ خمس سنوات تحول إلى مليشيا، ما هو شكل المجتمع الذي صار له خمس سنوات تحكمه مليشيا؟ وكيف يمكن أن يكون هذا النظام صمام أمان ضد تفكك المجتمع السوري الذي سيسهم به قانون قيصر.. والنظام منذ خمس سنوات قبل تطبيق القانون قد غدا مليشيا؟! 

يدرك السوريون جيداً.. أن النظام الذي أسسه حافظ الأسد هو في جوهره نظام مليشياوي وظيفي، وإن اتخذ شكل "الدولة المستقرة أمنياً"، التي ورثت مؤسسات ذات سمعة كان السوريون عصاميون ومخلصون في تأسسيها، فجامعة دمشق التي دافعت النخب السورية عن بقائها ولملمت شتاتها حين حاول الانتداب الفرنسي إلغائها، وتبوأت مكانة بارزة بين الجامعات العربية والدولية، حولها حافظ الأسد بجرة قلم إلى مرتع للميلشيا حين سمح للمظليين من أبناء طائفته او الموالين جدا لنظامه، أن يدخلوا كلية الطب خارج المعدلات المطلوبة لأنهم قفزوا بالمظلة، وحين أسس فرع مخابرات داخلها اسمه (الاتحاد الوطني لطلبة سوريا) فأنهى كل حرمة للجامعة يدخلها الأمن متى شاء وعميدها لا يتسطيع أن سأل أصغر ضابط أمن من أو ماذا تريدون؟.. والأمثلة في مواقع أخرى أكثر من أن تحصى؛ فليس هناك قوانين صارمة ناظمة للاستبداد في سوريا الأسد، أي تضع ضوابط لعلاقته مع المجتمع وحدود القمع والمنع فيه،  بل هناك فكر مليشياوي مسلح يقوم على تحقيق أهدافه فوق أي قانون بما في ذلك القانون الذي وضعه الأسد نفسه. أتذكر هنا حديثا لزميل صحفي اعتقل في الثمانينات بعد مجزرة حماه. سأله المحقق: أين تعمل؟ فقال له: في جريدة (البعث) فرد عليه المحقق: "بدي اخرا عليك وعالبعث!"

 في الدول الاستبدادية لا يمكن أن تسمع هذه العبارة داخل أعتى الأجهزة التي تحمي وجود النظام، لأنها تحتاج لحوامل أيديولوجية تفرض احترامها على الناس وكان البعث الحامل الأيديولوجي التي تلطت وراءه البنية الطائفية القابضة على النظام.. أما في نظام المليشيا فيمكن أي تشتم أي شيء وتحتقر أي قيمة ما عدا اسم زعيم هذه المليشيا أو طائفته، إذا كان مؤمنا أنها ركن أساسي من أركان حكمه. 

يدرك السوريون جيداً.. أن النظام الذي أسسه حافظ الأسد هو في جوهره نظام مليشياوي وظيفي، وإن اتخذ شكل "الدولة المستقرة أمنياً"

•دروز سوريا ودروز لبنان! 

وفي ظل هذا النظام المليشاوي كان دروز سورية رهينة لدى النظام، مؤشر مصالحهم مرتبط بعلاقته مع دروز لبنان.. أو مع دروز الجولان المحتل.. يوجههم كلما أراد أن يحصل مكسبا من هنا او هناك، وكلما أراد أن يصفي ثأرا من هنا أو هناك.  ممنوع أن يحزنوا على كمال جنبلاط أو يحيوا ذكرى اغتياله، مع أن النظام ينكر صلته بعملية الاغتيال وحافظ الأسد بنفسه أرسل برقية تعزية لذويه.. وممنوع أن تكون مواقفهم من ابنه فيما بعد إلا حسب المواقف الرسمية للميشيا الحاكمة، لا أنسى عندما وجه وليد جنبلاط نقدا عنيقا لبشار الأسد في فترة ثورة الأرز التي أعقبت إخراج القوات السورية من لبنان، كي جاءت الأوامر للصحفيين السوريين من أبناء الطائفة الدرزية أن يردوا هم على وليد جنبلاط ويشتموه.. فالعقلية المليشياوية الطائفية ترى من الضروري ان يكون الرد طائفيا لا وطنياً، فكتب أحدهم مقالا بعنوان: "اسمع أيها الصغير" وأجريت مقابلات مع دروز آخرين في وسائل إعلام النظام كي يشاركوا في شتم جنبلاط والتبرؤ من درزيته! 

•العقل السياسي المخابراتي! 

يبدو لؤي حسين نموذجا للفكر العلوي السياسي.. الفكر التشبيحي المليء بالتناقضات، الذي يصب أحقاده على الجميع، ويجرم الجميع، ويهدد من تحت الطاولة ومن فوقها.. ثم يتحدث بعد كل ذلك عن مسؤوليتنا عن سوريا، وحاجتها إليها جميعا..!

 على جميع السوريين من كافة المكونات ان يبقوا تحت بسطار هذا الحكم الطائفي المسكون بالعصبية والتمييز ضد كل هذه المكونات.. وإذا فكروا بالثورة ضده.. فهم وحدهم سيتحملون المسؤولية عن تدمير سورية. سوريا التي تبدو ككرة من خيوط الحرير وسط الأشواك.. إذا أردت انتزاعها فإن خيوطها ستتمزق، وأصابعك ستدمى.. وكي تكون وطنيا يجب ان تترك سوريا في مكانها.. وإلا ستدفعها للتفتت!

لا يبدو لؤي حسين ولا آراؤه مهمة في سياق التحليل السياسي للمواقف من الثورة أو الصراع الذي تشهده سورية، فهي آراء انفعالية مكتوبة على شكل رسائل لجمهور الثورة أو المناوئين لنظام الأسد عموما...  ومن الغريب أن لؤي حسين نادرا جدا ما يهتم بمخاطبة الموالين للنظام، أو يوجه رسائله للمؤيدين.. فقد تركهم في رعاية رئيس لو كان في خزينة الدولة مالا لأنفقه لتخفيف أزمتهم المعيشية كما قال في إحدى بوستاته الأخيرة!

وهذه الرسائل لا تعبر بالضرورة عن أفكار أو حلول جوهرية وإنما عن اصطفافات كما معظم ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي... لكن أهمية لؤي حسين الوحيدة هي في تعبيره عن العقل السياسي لأكثرية الطائفة العلوية (مع وجود استثناءات أرقى وأنضج من هذا المستوى بالطبع) فهذا العقل يفهم العملية السياسية والحوار السياسي برمته، باعتبارها رسائل مخابراتية تقوم على ثنائية: التهديد والوعيد. والسؤال الوجودي بالنسبة لها: مين ربك ولاه؟ والخيار الوحيد الذي تضعه أمام أي حوار سياسي يمكن ألا يأتي بالنتائج التي تريدها مسبقا: الأسد أو نحرق البلد. قالوها في وجه الأغلبية السنية في بداية الثورة، وكتبوها على آليات الجيش، واليوم يقولون في وجه الدروز بعد أن انهوا حرق البلد: الأسد أو نفتت البلد، ما دامت السويداء لم تكن في عداد المدن التي دمرت وأحرقت! 

التعليقات (1)

    Ali

    ·منذ 3 سنوات 10 أشهر
    انتم الفتنه
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات