خمسة أسئلة تساعد على فهم الصراع بين أذربيجان وأرمينيا

خمسة أسئلة تساعد على فهم الصراع بين أذربيجان وأرمينيا
أثارت المعارك الدائرة بين دولتي أذربيجان وأرمينيا من عدة أيام، تساؤلات عديدة حول أسباب التصعيد العسكري وأحقية كل طرف بالإقليم المتنازع عليه بين الجارتين، خاصة وأن المعارك حشدت مواقف وتحالفات دولية متباينة على الصعيد الإقليمي والدولي.

ومع تعقيد المشهد المتفاقم في بلاد القوقاز، تعيد الحرب أسئلة عميقة مدفونة في تاريخ الحقبة الماضية، وهي أسئلة من شأنها أن تحدد مستقبل تلك المنطقة.

أين يقع الإقليم المتنازع عليه؟

يقع إقليم ناغورنو كاراباخ في الجزء الغربي لجمهورية أذربيجان، وتقدر مساحته بنحو 4800 كيلو متر مربع، ما يقدر بـ 20% من مساحة أذربيحان، لكن غالبية سكانه من الأرمن، الذين يحظون بدعم من أرمينيا المجاورة، وهو ما دفعهم لمحاولة الانفصال عن أذربيجان والتصميم على إعلان استقلاله عن البلد الأم، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي.

ويبلغ عدد سكان الإقليم 148.1 ألف نسمة بنسبة 95% من الأرمن مقابل أعراق أخرى من باقي سكانه، وفقا لإحصائيات أرمنية رسمية في عام 2016.

وتعود تسمية الإقليم بـ "ناغورنو كاراباخ"، إلى اللغتين الأذرية والروسية، وتعني كلمة "ناغورنو" المرتفعات باللغة الروسية، بينما تعني كملة كاراباخ الحديقة السوداء باللغة الأذرية، لكن سكان الإقليم الأرمن يفضلون الأسم الأرمني القديم للإقليم، وهو أرتساخ.

ويعتبر معظم سكان جمهورية أذربيجان من المسلمين من أصول تركية وفارسية، بينما سكان أرمينيا المجاورة والمحاذية للإقليم المتنازع عليه من المسيحيين الأرمن، وكانت الدولتان الجارتان ضمن دول الاتحاد السوفيتي قبل انهياره.

ما تاريخ الصراع بينهما؟

يعود تاريخ الصراع بين البلدين إلى القرن الماضي، عندما قرر الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين في 1923 ضم الإقليم الذي غالبية قاطنيه من الأرمن في ذلك الوقت، إلى أذربيجان ومنحه حكماً ذاتياً.

ومع اقتراب انهيار الاتحاد السوفيتي، بدأ الصراع تصاعد بين الدولتين الجارتين في 1988، وبدأت القوات الأذربيجانية حرباً شرسة مع انفصالين أرمن وهم سكان الإقليم الداخل ضمن أراضي أذربيجان والمتنازع عليه، إذ أعلن الإقليم استقلاله عن أذربيجان في نهاية 1991 دون أن يحظى باعتراف دولي، حتى من أرمينيا التي تدعم انفصاله.

وخلال تلك الحرب استطاع الانفصاليين الأرمن السيطرة على إقليم كراباخ، إضافة لاحتلال منطقة متاخمة للإقليم ضمن أراضي أذربيجان، بهدف جعلها منطقة منزوعة السلاح بين الإقليم وأذربيجان، وتبلغ مساحتها نحو 8 آلاف كيلومتر مربع أي نحو 20 % من مساحة أذربيجان.

انتهت المواجهات المسلحة بين الانفصاليين وأذربيجان بتوقيع هدنة عام 1994، بعد مقتل نحو 30 ألف شخص في الحرب، إضافة لعشرات آلاف الجرحى ومئات آلاف النازحين ومعظمهم من الأذربيجانيين، لكن الصراع بقي مستمرا دون الوصول لاتفاق سلام دائم منذ ذلك الوقت.

ورغم توقيع الهدنة بين الطرفين، إلا أن الصراع استمر رغم الوساطات الدولية، ليبقى الإقليم في مربع النزاع.

وفي عام 2008 وقعت أرمينيا وأذربيجان اتفاقا ينص على تسوية سلمية للنزاع الطويل، لكن المعارك تواصلت بين الطرفين، وأبرزها كان في آب 2014، وأسفرت عن مقتل عدد من الجنود الأذربيجانيين، وتلاها إسقاط قوات الأخير لمروحية عسكرية أمنية، ما أدى لمقتل أفراد طاقمها الثلاثة، حيث أعلن الجيش الأذربيجاني أن تلك المروحية حاولت مهاجمة مواقع له.

وعادت المواجهات مجدداً في نيسان عام 2016، بعد توتر واتهامات متبادلة بين الجانبين، لتسفر عن 12 قتيلاً من القوات الأذربيجانية و18 قتيلاً من القوات الأرمنية.

وتعتبر أذربيجان أن أرمينيا محتلة لإقليم ناغورنو كاراباخ، وتتوعد دائماً باستعادته بالقوة، التي تتفاخر بها أمام جارتها أرمينيا، حيث تبلغ موازنة دفاع أذربيجان عشرين ضعف الموازنة الكاملة لأرمينيا، والتي بدورها تعلن باستمرار جاهزيتها لصد أي هجوم أذربيجاني، وفق التصريحات الرسمية.

ما أهمية الدولتان؟

تمتاز أذربيجان بموقعها الجغرافي الذي يعتبره الغربيون الفاصل بين الشرق والغرب، لوقوعها على بحر قزوين الذي يعتبر أكبر مسطح مائي مغلق في العالم، بمساحة تقدر بنحو 370 ألف كيلو متر مربع.

وتعتبر منطقة القوقاز محطة عالمية رئيسية لتوريد النفط والغاز إلى دول العالم، وهي تشمل روسيا وتركيا وإيران وأذربيجان وأرمينيا ودول آسيا الوسطى، بحسب تقرير لموقع "أويل براي (Oil price)، واندلاع الحرب في تلك المنطقة يهدد بشكل مباشر أنابيب الغاز الواصلة إلى تركيا من جهة، والواصلة إلى الدول الأوروبية من جهة أخرى.

وتعتبر أذربيجان أيضا ضامنا دوليا لأمن الطاقة في أوروبا، بحسب خبراء دوليين يرونها مركزاً اقتصاديا ولوجستياً مهما في المنطقة، باعتبارها من أكبر المصدرين للغاز في القوقاز بعد روسيا، لوقوعها على بحر قزوين الذي يحوي 20 حقل نفط وغاز و250 قطاعا رسوبيا نفطيا.

أما أرمينيا تعتبر مهمة في المنطقة بسبب التحكم بأنابيب النفط والغاز القادمة من بحر قزوين إلى تركيا وأوروبا، والتي تتقاطع خطوطها في هذه المنطقة

من يساند من؟

منذ الساعات الأولى لاندلاع المعارك بين البلدين، بدأت المواقف الدولي والاتصالات بهدف ضبط الموقف والتوصل إلى تهدئة بينهما، لكن لم يخف اصطفاف بعض الدول إلى جانب أحد الأطراف.

تركيا أعلنت موقفها الرسمي مباشرة عبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي أكد دعم أذربيجان في حربها، كما ألمح وزير الخارجية إلى تقديم دعم عسكري.

ويعتبر الاقتصاد أهم أركان التحالف بين أذربيجان وتركيا، حيث تعتبر أذربيجان ثاني أكبر موردي الغاز لتركيا بعد روسيا، وتقدر الصادرات الأذرية إلى تركيا بقيمة 1.85 مليار دولار، ويبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين 3.3 مليارات دولار.

ويهدد تفاقم نشوب الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، بشكل مباشر النفط الإقليمي الحالي، ومنظومة أنابيب الغاز، إضافة لتضرر تركيا بشكل كبير لاعتمادها بشكل رئيسي على النفط والغاز من منطقة القوقاز.

ويلاحظ تأكيد أنقرة على دعم حليفتها أذربيجان ضد أرمينيا، نتيجة لأهمية العلاقات الثنائية بين البلدين، واعتماد أنقرة على الغاز الأذربيجاني أولا، والسياحة والقطاعات الأخرى، وذلك تجلى بالتصريحات للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ووزيري الدفاع والخارجية، حول تأكيد بلادهم على دعم أذربيجان ضد أي هجوم.

وسبق أن أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار رفض بلاده للاشتباكات الدائرة بين الطرفين، وأكد على أهمية الروابط العرقية مع أذربيجان ودعم أنقرة لها، حيث قال، "إن ألم الترك الأذربيجاني هو ألمنا، نريدك أن تعلم أن أي نوع من الصعوبات التي تشعر بها هناك (في أذربيجان) تشعر بها هنا (في تركيا) بعمق شديد، إن دماء إخواننا الأذربيجانيين لن تبقى بدون انتقام"، بحسب تعبيره.

أما أهمية أرمينيا روسيا تأتي كونها ورقة مهمة في الصراع الدائم بين موسكو والغرب وتركيا حول التحكم بأنابيب النفط والغاز القادمة من بحر قزوين، إلى جانب عمقها المسيحي بين دول مسلمة من أطرافها الثلاثة.

وبحسب وكالة "الأناضول" فإن روسيا أرسلحت شحنات مباشرة من الأسلحة إلى أرمينيا على شكل منحة، وصلت قيمتها إلى ملايين الدولارات، كما نشرت صواريخ اسكندر في أرمينيا بعد معارك 2016.

أما إيران التي تربطها حدود مع أذربيجان وأرمينيا بنفس الوقت، اتخذت موقفاً غامضاً إذ عرضت الوساطة بين البلدين، في حين تعتبر إيران من الداعمين لأرمينيا خوفاً من أي حراك انفصالي للأذربيين على حدودها.

ما موقف المجتمع الدولي؟

في عام 1993 أصدر مجلس الأمن الدولي قرار رقم "822" طالب من خلاله القوات الأرمنية بالانسحاب من المناطق المحتلة في أذربيجان، لكن الأخيرة بقيت في الإقليم دون استجابة للقرار الدولي.

وشكلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا ودول غربية أخرى "مجموعة مينسك" لتكون المفوض الدولي لحل النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، لكن محاولات تلك المجموعة لم تكلل بالنجاح خلال العقود الماضية.

ويتعامل المجتمع الدولي مع إقليم ناغورني على أنه جزء من جمهورية أذربيجان، رغم إعلان سكانه الاستقلال عن أذربيجان، لكنه لا يحظى باعتراف دولي رسمي، لكن روسيا تدعم الإقليم، حيث أن لموسكو قاعدة عسكرية على أراضيه، ضمن تحالف أمني مشترك بين روسيا وأرمينيا.

وفي حزيران عام 2011، عقد الرئيسان الأذربيجاني إلهام علييف والأرميني سيرج سركسيان محادثات برعاية الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف في مدينة قازان الروسية في ذلك الوقت، إلا أن الطرفين لم يتوصلا لتوقيع وثيقة لفض النزاع دون استخدام القوة.

واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الخطاب التركي "المولع بالحرب" يشجع أذربيجان على إعادة غزو الإقليم واصفاً ذلك بأنه "غير مقبول".

كما عبر مجلس الأمن الدولي في جلسة له أمس عن قلقه من الأعمال العسكرية التي وصفها بأنها "واسعة النطاق" وطالب بوقف القتال وتهدئة التوتر والعودة إلى المفاوضات.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات