كيف برر نظام الملالي اختراق أجهزته الأمنية واغتيال كبير علمائه النوويين؟

كيف برر نظام الملالي اختراق أجهزته الأمنية واغتيال كبير علمائه النوويين؟
ما زالت حادثة قتل العالم النووي الإيراني، محسن فخري زاده، يتردد صداها داخل إيران وخارجها، لا سيما ما أثارته من تساؤلات عن كيفية اغتيال شخصية مهمة مثل فخري زاده، وفشل نظام الملالي في حمايته والاختراق الذي يمثله الاغتيال لهذه الأجهزة.

 

ففي غضون دقائق قليلة قتل محسن فخري زاده - الذي كان في قلب البرنامج النووي السري للبلاد، عقب استهدافه بشكل مباشر على أطراف العاصمة طهران، حيث أشارت التقارير الأولية إلى أن فخري زاده كان يقود سيارته ضمن موكب في أبسارد، على بعد حوالي 60 كيلومتراً من طهران، عندما تعرض لكمين من قبل شاحنة نيسان انفجرت. ثم فتح عدة مسلحين في سيارة دفع رباعي، وآخرون على دراجات نارية النار فقتلوا العالم وجرحوا أحد حراسه الشخصيين على الأقل.

لكن وفقاً لأحدث نسخة من الأحداث التي أوردتها وكالة أنباء "فارس" التابعة لميليشيا "الحرس الثوري" الإيراني، فقد نفذت عملية الاغتيال باستخدام رشاش يتم التحكم فيه عن بعد مثبت على شاحنة نيسان بيك أب ولم يكن هناك مهاجمون على الأرض، وفقاً لموقع "راديو فري يورب - RFE".

وقالت الوكالة، إن فخري زاده (59 عاماً) غادر سيارته المضادة للرصاص بعد سماعه طلقات نارية. ثم تم رشه بالرصاص من الشاحنة الصغيرة التي قيل إنها كانت متوقفة على بعد 150 متراً.

وبحسب تقرير وكالة "فارس"، فقد أصيب بثلاث رصاصات، إحداها قطعت نخاعه الشوكي، وأنه بعد ثوان انفجرت شاحنة نيسان.

نقل فخري زاده على إثرها بطائرة هليكوبتر إلى مستشفى بطهران، لكن محاولات إنعاشه باءت بالفشل. ونجت زوجته التي كانت برفقته أثناء الهجوم.

تساؤلات حول اختراق وكالات استخبارات أجنبية لجهاز الأمن الإيراني

بغض النظر عن التفاصيل - التي يستحيل التحقق منها بسبب الرقابة الإيرانية الصارمة على وسائل الإعلام والنظام الغامض - أرسل الهجوم موجات صادمة عبر البلاد، مما يسلط الضوء على ثغرة أمنية كبيرة.

"لقد استمروا في إخبارنا بمدى قوتهم واستمروا في إصدار إعلانات حول اعتقال الجواسيس لكنهم فشلوا في حماية أهم عالم نووي في البلاد، والذين كانوا يعرفون أنه معرض للخطر"، كما أبلغ مراقب من طهران طلب عدم الكشف عن هويته لـ RFE.

وسرعان ما ألقت السلطات باللوم على إسرائيل، التي يعتقد أيضاً أنها كانت وراء سلسلة من الاغتيالات عبر السنوات الـ13 الماضية لأربعة علماء نوويين على الأقل ومحاولة اغتيال فاشلة لعالم خامس قبل حوالي عقد من الزمان.

ومع ذلك، كان اغتيال فخري زاده صادماً، مما أثار تساؤلات حول اختراق محتمل لوكالات استخبارات أجنبية لجهاز الأمن الإيراني.

جاء الهجوم بعد سلسلة من الحوادث الأخرى التي ألقي باللوم فيها على إسرائيل، بما في ذلك عملية تخريبية في يوليو/ تموز في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض في محافظة أصفهان بوسط البلاد، واغتيال ثاني أكبر زعيم للقاعدة في طهران من قبل الإسرائيليين في آب المنصرم.

في أواخر أبريل 2018، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن وكالة المخابرات الإسرائيلية الموساد قد سرقت "الأرشيف النووي الإيراني السري" من مستودع في طهران، ووصف فخري زاده بأنه عميل رئيسي وأخبر الصحفيين عن فخري زاده قائلاً: "تذكروا هذا الاسم".

يقول راز زيمت، المحلل الإيراني في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) في تل أبيب، إن اغتيال فخري زاده والحوادث الأخيرة الأخرى تشير إلى أن أجهزة الاستخبارات الأجنبية - وخاصة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد - تحتفظ "بقدرات عملياتية واستخباراتية عالية الجودة" في إيران.

وصرّح زيمت لإذاعة أوروبا الحرة: "من غير المرجح أن تكون كل هذه العمليات ممكنة بدون تسلل استخباراتي وعملي عميق ومستمر إلى جهاز الأمن الإيراني"، مضيفاً أن الجهات الفاعلة غير الحكومية، بما في ذلك جماعات المعارضة الإيرانية، تفتقر إلى القدرة على القيام بمثل هذه العمليات.

من جهتها، قالت أريان طباطبائي، الخبيرة في شؤون إيران في صندوق مارشال الألماني ومقره واشنطن، إن الهجوم سلط الضوء على ضعف إيران، وكانت أشارت الخبيرة الإيرانية في مقابلة في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى أن "هذا على الرغم من أن النظام يبذل الكثير من الجهد - أو الموارد والجهود - لامتلاك نظام أمني قوي إلى حد ما".

اقتراح القبض على أساتذة أقل وجواسيس أكثر

اقترح البعض داخل البلاد أن جهاز الأمن الذي قام في السنوات الأخيرة بقمع متزايد ضد دعاة حماية البيئة والأكاديميين ومزدوجي الجنسية، بحاجة إلى تغيير تركيزه.

وقال محمد علي أبطحي، الذي شغل منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي: "يجب أن تعود استراتيجية إيران الأمنية للعثور على جواسيس الموساد والمتسللين".

وأضاف أبطحي، الذي سُجن في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009، على تويتر: "اعثروا على الجواسيس الحقيقيين والمتسللين الإسرائيليين".

وكتب المحامي شراره دهشيري على تويتر: "أنا <أكثر غضباً> من النظام الأمني الذي يعتقل أساتذة الجامعات والمحامين والصحفيين. لكن الذئاب ترتكب اغتيالات في وضح النهار".

بدوره، قال حسين علوي، القائد السابق للقوة البحرية للحرس الثوري الإيراني، إن الهجوم المتطور يشير إلى أن إسرائيل تنفذ عملياتها داخل إيران بناء على "معلومات دقيقة".

وأضاف "بغض النظر عن أهداف إسرائيل في تنفيذ مثل هذه الهجمات، علينا أن نرى نقاط الضعف الموجودة في هيكل الجهاز الأمني، وأن العمليات الإسرائيلية ناجحة على الرغم من احتمال اغتيال أشخاص مثل فخري زاده، الذي زوّد بحراس شخصيين".

طريقة جديدةومتطورة

رفض علي شمخاني، أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي، الانتقادات الموجهة للأجهزة الأمنية، حيث قال للصحفيين في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني، إن "العدو سعى لمدة 20 عاماً دون جدوى <لقتل فخري زاده>".

وأضاف أنه نظراً لتكرار التقارير في العقدين الماضيين عن محاولات محتملة لقتل فخري زاده، فإن مؤامرة اغتياله لم تؤخذ على محمل الجد، وقال: "لقد نجحوا هذه المرة"، لافتاً إلى أن عملية قتل فخري زاده كانت "معقدة للغاية" وأكد تقرير وكالة فارس أنه لم يكن هناك قتلة على الأرض.

وزعم شمخاني أن الأجهزة الأمنية كانت تعلم أن الهجوم قادم، قائلاً: "تلقت أجهزتنا وشبكاتنا الاستخبارية معلومات تفيد بأنه سيتم استهدافه - حتى أنهم كانوا يعرفون أن محاولة <الاغتيال> ستجرى ضده في نفس المكان الذي قتل فيه في النهاية. تم تكثيف حمايته. لكن هذه المرة استخدم العدو طريقة جديدة ومتطورة تماماً".

كما ذكر شمخاني الكيانات التي يعتقد أنها مسؤولة عن القتل: "الشخص الذي صمم العملية معروف لنا. نعرف من هم وما هي خلفيتهم"، دون أن يقدم تفاصيل، مضيفاً "بالتأكيد المنافقون (في إشارة إلى جماعة المعارضة الإيرانية المنفية مجاهدي خلق) كان لهم دور فيها. بالتأكيد العنصر الإجرامي لهذا العمل هو النظام الصهيوني والموساد" بحسب زعمه.

ورفضت منظمة مجاهدي خلق في بيان لها "غضب شمخاني وحقده وأكاذيبه" ضد المنظمة، رغم تصريحها سابقاً لدور في الكشف عن برنامج إيران النووي والمواقع السرية.

ولم تعلق إسرائيل على عملية الاغتيال التي يرى الكثيرون أنها خطوة لتعطيل طهران عن أي جهد لتطوير أسلحة نووية. في حين تدعي إيران أن برنامجها النووي هو لأغراض مدنية.

تهرب إيراني 

في مقابلة مع التلفزيون الحكومي، دافع فريدون عباسي، الذي نجا من محاولة اغتيال في طهران عام 2010، عن أداء جهاز الأمن والمخابرات، قائلاً إنهم نجحوا في منع محاولات اغتيال سابقة ضد فخري زاده وعدة آخرين.

وقال: "قبل اثني عشر عاماً، جاءت فرقة إرهابية من أجله، ومنذ ذلك الحين كان لديه فريق من الحراس الشخصيين كانوا معه خلال <هجوم 28 نوفمبر / تشرين الثاني>".

وأضاف العباسي الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية "لكن العدو يغير أساليب اغتياله".

ويأتي مقتل فخري زاده في الأسابيع الأخيرة من إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي شن حملة "ضغوط قصوى" على إيران دمرت اقتصادها.

وفي يناير، استخدمت الولايات المتحدة هجوماً بطائرة بدون طيار لقتل قاسم سليماني، الذي كان يترأس فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وردت طهران بشن هجوم صاروخي كبير على منشآت أمريكية في العراق.

ولا يزال من غير الواضح كيف ومتى سترد طهران على مقتل فخري زاده.

وكان مسؤولو النظام الإيراني، بمن فيهم الرئيس حسن روحاني، حذروا من أنه لا ينبغي للبلاد أن تقع في فخ إسرائيل، الذي يعتقدون أنه استفزاز طهران لتقويض فرص الدبلوماسية مع الإدارة المستقبلية للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات