بين إدلب والحسكة.. ملامح عملية تركية ترسمها "عقدة الطرق" في عين عيسى

بين إدلب والحسكة.. ملامح عملية تركية ترسمها "عقدة الطرق" في عين عيسى
على الطريق الدولي "M4" شمال سوريا يتواصل التصعيد بشكل شبه يومي على حدود منطقة "نبع السلام" الجنوبية بين الجيش التركي و"الجيش الوطني" من جهة وميليشيا "قسد" من جهة ثانية. على وجه التحديد في منطقة عين عيسى شمال الرقة بقصف متبادل بين الطرفين، لا يفصح أي منهما عن الخسائر التي يوقعها.

وتقع نقطة التصعيد (أي عين عيسى) جنوب الطريق الدولي (M 4) بنحو 2 كم، وتشكل نقطة استراتيجية وعقدة طرق بين ثلاث محافظات هي الحسكة والرقة وحلب، كما تحتوي على مخيم للاجئين ومقر للفرقة الـ17 التابعة لميليشيات أسد، عدا عن كونها عقدة للطرق من جهة الشرق باتجاه الحسكة بعد تقاطع الجلبية الواقع على مفترق طرق عين العرب - الحسكة - حلب بعد جسر "قره قوزاق" على نهر الفرات.

والملاحظ لخرائط المنطقة أن عين عيسى تعطي المسيطر عليها التحكم بين المحافظات الثلاث، بحكم أنها عقدة الطرق الرابطة لما قبلها وبعدها من الجهتين الشرقية والغربية، إضافة للجهة الجنوبية (باتجاه الرقة) فيما عدا بعض الطرق الفرعية الصغيرة المتفرعة عن الأوتستراد الدولي إم 4. 

خريطة توضح تموضع عقدة الطرق في عين عيسى والطريق M4

وعلى امتداد الطريق سالف الذكر والواصل بين 5 محافظات سورية تحاذي الحدود التركية هي اللاذقية وإدلب وحلب والرقة والحسكة، تتركز بؤر التصعيد الحالية في نقطتين بإدلب هما: أريحا وجسر الشغور من جهة وعين عيسى في الرقة من جهة ثانية؛ بينما تبقى بعض النقاط مثل منبج شرق حلب وتل رفعت شمالها ساكنة فيما عدا بعض الانتهاكات.

مؤشران سبقا التصعيد في النقطتين المذكورتين (أريحا وجسر الشغور من جهة وعين عيسى من الجهة الثانية) الأول انسحاب النقاط التركية من المناطق التي سيطرت عليها ميليشيات أسد بدعم روسي خلال الحملة الأخيرة على إدلب، والثانية التهديد المستمر على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمضي أنقرة بنفسها لتنفيذ الوعود التي قطعتها كل من موسكو وواشنطن شرق الفرات، عقب شروع الجيش التركي بعملية نبع السلام والتي أسفرت عن إيقافها بشكل مؤقت.

وتقابل كل من أنقرة وموسكو التصعيد على الأرض بين إدلب وريف الرقة الشمالي بهدوء على مستوى التصريحات، فيما عدا بعض التصريحات المؤكدة على أن التنسيق بين الجانبين يسير بثبات.

قسد تتوقع عملية تركية

تشير الأخبار الواصلة من عين عيسى، أن الأخيرة تشهد ازدياداً في التصعيد وقصف متبادل بين ميليشيا قسد والجيش التركي، ما أسفر عن موجة نزوح للسكان من البلدة باتجاه الجنوب إلى محافظة الرقة، وسط أنباء عن قتلى وجرحى من ميليشيا "قسد" وفصائل "الجيش الوطني" المشاركة في العمليات العسكرية في المنطقة.

وكانت "مصادر كردية" أفادت أن القيادة العسكرية التركية والمعارضة المسلحة تبحثان الآن عملية للسيطرة على عين عيسى، وتحقيقاً لهذه الغاية، بدأت تركيا بالفعل في إعادة نشر الأفراد والأسلحة والعربات المدرعة في قاعدتها العسكرية في مردود، وفقاً لما نقلت وكالة "تاس" الروسية.

وبحسب الوكالة، فإن أنقرة تخطط لإطلاق المرحلة الثانية من عملية "نبع السلام"، بهدف توسيع المنطقة الأمنية العازلة في شمال سوريا من عين العرب (كوباني) إلى منبج، حيث قال المتحدث الرسمي باسم ميليشيا "قسد"، كينو جابرييل، إن الجماعات الكردية "سعت لإجراء اتصالات عاجلة مع روسيا والولايات المتحدة في محاولة لوقف القصف التركي والدفاع عن السكان المدنيين" بحسب زعمه.

عوامل تدفع تركيا لشن عملية عسكرية

بحسب الباحث والمحلل السياسي التركي، جيواد غوك، فإن ما يجري في منطقة شرق الفرات لا يشبه ما يجري بإدلب، والسبب من وجهة نظره، أن شرق الفرات "استراتيجياً" أهم للأمن القومي التركي، إضافة لحساسية ما يمثله تواجد قسد في هذه المنطقة للجيش والحكومة التركيين، ولهذا السبب يمكن أن تشن تركيا هناك عملية محدودة في المدى القريب، وقد يتطور الأمر لعملية شاملة، إذا لم تصل أنقرة إلى نتيجة معينة.

غوك استبعد أن يكون هناك رابط في التصعيد بين المنطقتين (إدلب وريف الرقة الشمالي)، لكنه لم يستبعد تخلي تركيا عن بعض المناطق في إدلب مثل نقاط المراقبة، مقابل التركيز على شرق الفرات، و"بالنتيجة تركيا تقتضي مصالحها أن تتحرك في شرق الفرات أكثر من جنوب إدلب" على حد وصفه.

ويمكن أن يشير التصعيد – وفقاً للمحلل السياسي التركي - إلى أن تركيا تريد حسم قضية بعض النقاط مثل عين عيسى خلال الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقبل وصول بايدن "غير الواضح" حتى الآن في سياساته بما يخص المنطقة، مستنداً برأيه على التحركات التركية التي أعقبت الإعلان عن سحب القوات الأمريكية من سوريا والعراق 2019، حيث سارعت تركيا حينها إلى سد الفراغ بشكل أو بآخر.

تفاهمات روسية تركية

من وجهة النظر العسكرية، يؤكد المحلل العسكري، العقيد أحمد الحمادة، أن ميليشيات أسد المتمركزة في عين عيسى لا يمكنها أن تحمي المنطقة رغم وجود قاعدة روسية فيها، كما أن السيطرة على البلدة لا تتطلب من أنقرة وقتاً وحشداً عسكرياً كبيراً، خصوصاً أنها تقع على مسافة بعيدة من طرق إمداد ميليشيات أسد والروس.

وكانت روسيا طلبت من قسد بعد الاتفاق مع تركيا الذي أعقب عملية "نبع السلام" عام 2019، إخلاء المنطقة وتسليمها لميليشيات أسد، إلا أن تمترس قسد بالمنطقة يدفع تركيا إلى مثل هذه الخطوة، خصوصاً أن عين عيسى تقع ضمن التفاهمات الروسية التركية.

وبغض النظر عن المسيطر على المنطقة (قسد) يتوقف قرار شن عملية عسكرية قائم على التفاهمات الروسية التركية، وفقاً للعقيد الحمادة، ويوافقه في الرأي، المحلل التركي، جيواد غوك، الذي لا يتوقع أن يكون هناك صدام بين الجانبين الروسي والتركي بهذا الخصوص، لا سيما أن تركيا تهتم بعدم المساس بالمصالح الروسية في سوريا، وأن العملية التركية إذا ما حصلت ستكون بناءً على "ضوء أخضر روسي".

لماذا عين عيسى؟

يؤكد العقيد الحمادة، أنه وعدا عن كونها قريبة من الحدود التركية، فإن الأهمية التي تتمتع بها البلدة من وجهة النظر العسكرية تكمن في عقدة الطريق، حيث تمنح الغلبة للمسيطر من خلال التحكم بطرق الحسكة والرقة وحلب.

وبمجرد السيطرة على البلدة ستقطع أنقرة الطريق (M4) الواصل بين طرفي سيطرة ميليشيا قسد في الحسكة (شرق نبع السلام) وريف حلب (عين العرب ومنبج) وبالتالي سيتم عزل مدينة عين العرب ووقوعها في حالة شبه حصار بين منطقتين "نبع السلام" من الشرق و"درع الفرات" من الغرب.

وكانت تركيا أعلنت في 9 أكتوبر 2019، عن بدء عملية "نبع السلام" في شمال سوريا، بهدف إنشاء منطقة عازلة بطول 30 كم، الغرض منها تأمين عودة اللاجئين السوريين إليها.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات