روسيا تبحث عن هدفين من بوابة السويداء وتصطدم بردود فعل الأهالي

روسيا تبحث عن هدفين من بوابة السويداء وتصطدم بردود فعل الأهالي
ركز الاحتلال الروسي اهتمامه بمحافظة السويداء جنوب سوريا بشكل ملحوظ خلال الآونة الأخيرة، عبر طرحه مبادرات للتسوية لأهالي المنطقة وشبابها، في مسعى روسي لإعادة السويداء لسيطرة حليفه نظام أسد، وفي محاولة لتطمين الجانب الإسرائيلي من التغلغل الإيراني على حدودها، بينما قوبلت تلك المبادرات بالرفض الشعبي القاطع من أهالي المنطقة.

وبرز ذلك الاهتمام من خلال زيارات لوفود عسكرية روسية إلى السويداء، اجتمعت من خلالها برجال الدين وبعض الوجهاء في الأسبوعين الماضيين، حيث طرحت عرضاً لتسوية أوضاع عشرات آلاف الشبان المطلوبين والمتخلفين عن الخدمة في ميليشيا أسد بعد أن فشلت الأخيرة في استمالة المنطقة وتجنيد أبنائها.

وتشير التوقعات بمجملها إلى أن المبادرة الروسية جاءت بالدرجة الأولى لتطبيق الاتفاق الإسرائيلي وتقديم تطمينات لتل أبيب حول مستقبل الوضع الأمني في الجنوب السوري، بسبب المخاوف من الوجود الإيراني، بينما يقابلها توقعات أخرى بأن تلك المبادرة محاولة لإعادة السويداء إلى نظام أسد الذي يحاول إقناع المجتمع الدولي بعودة الاستقرار لمناطق سيطرته.

العرض الروسي

طرح الاحتلال الروسي مبادرة "تسوية" على أهالي السويداء  عبر وفد من الضباط الروس التقى مع الأمير لؤي الأطرش وبعض الوجهاء ورجال الدين في قرية عرى بريف السويداء، الأسبوع الماضي، لطرح مبادرة تهدف لتسوية أوضاع شباب المنطقة الرافضين للانضمام لميليشيا أسد.

وتمثل العرض الروسي في السويداء بتشكيل لجنة خاصة بشباب المنطقة تحت إشراف قاضي الفرد العسكري التابع لميليشيا أسد، لبدء تسوية أوضاعهم وإقناعهم بالقتال في صفوف الميليشيا، في عرض مشابه للتسوية القائمة في محافظة درعا المجاورة التي ترعاها روسيا.

ووفق مصادر محلية لأورينت فإن التسوية التي طرحها الوفد الروسي مؤخرا في السويداء شبيهة بالتسوية في درعا المجاورة، بهدف تسوية أوضاع الشباب الدروز الرافضين للخدمة العسكرية بصفوف ميليشيا أسد، ضمن خيارين محددين، إما الالتحاق ضمن الفيلق الأول أو الوحدات العسكرية الأخرى التابعة لها، بحسب وصفها.

ويعتبر فرع أمن الدولة التابع لميليشيا أسد في السويداء "مهندس التسوية" والراعي الأول للمبادرة الروسية  والذي عمل طول الفترة الماضية على استغلال الأهالي واستقطابهم بألاعيب عديدة للهيمنة على السويداء.

تجنيد الشباب الدروز

ويحاول الاحتلال الروسي بسط نفوذه على السويداء من خلال الاهتمام بالمنطقة ومحاولة تجنيد شبابها لصالح ميليشيا أسد، في المحافظة التي ترفض حكم أسد وتحمّل ميليشياته مسؤولية الفساد والخراب الذي تعانيه منذ سنوات.

 وتضم السويداء أكثر من 40 ألفا من الشبان الرافضين للقتال في صفوف ميليشيا أسد (المنشقين والمطلوبين أمنياً)، وسبق أن رفض مشايخ ووجهاء المنطقة الزج بأبنائهم في المعارك الدائرة في عموم مناطق سوريا. 

كما سبق أن قدم نظام أسد عروضا عديدة وخاصة للسويداء في محاولة لإقناع شبابها بالانخراط في صفوف ميليشياته، وكان أبرزها وفد يمثل "ماهر أسد" شقيق بشار، قبل عامين، لكن تلك العروض قوبلت بالرفض من الوجهاء ومشايخ العقل والذي حملوا أسد وميليشياته مسؤولية الدماء والدمار في سوريا.

وتخضع المنطقة لسيطرة الفصائل المحلية التي تدير شؤونها بإشراف مشايخ الطائفة "مشيخة العقل"، فيما يقتصر وجود ميليشيا أسد على الأفرع الأمنية وبعض الحواجز ، ما دفع الميليشيا لمعاقبة المنطقة عبر تحريك عصابات الخطف والقتل ونشر الرعب في صفوف السكان، إضافة لفتح الأبواب أمام تنظيم داعش للهجوم على المدينة في تموز 2018، وأدى ذلك لمقتل وإصابة المئات من المدنيين، بحسب الاتهامات الرسمية والشعبية.

وتشهد المدينة مظاهرات شعبية بشكل مستمر، تطالب بإسقاط نظام أسد وتطالب بإبعاد المخابرات والميليشيات الإيرانية عن المنطقة، إلى جانب التنديد بالأوضاع المعيشية والفلتان الأمني الذي تقف الميليشيات وراءه والمتمثل بحالات خطف هي الأولى على مستوى مناطق سوريا.

إعادة الهيبة المفقودة

يرى أهالي السويداء أن المبادرة الروسية الأخيرة بحسب مصادر محلية أنها "محاولة لإعادة هيبة الأجهزة الأمنية وخداع الشباب الدورز الرافضين للخدمة العسكرية في صفوف ميليشيا أسد".

ووصفت الشبكات المحلية تلك المبادرة بأنها تهدف إلى "زعزعة استقرار الجبل وإدخاله في متاهة صراع جيد، وخاصة مع الرفض الواسع من الشباب الدروز للخدمة في الجيش، والساخط على سوء واقع قوات الخدمة في الجيش من حيث المعاملة الإنتقامية، وعودة البعض منهم وتحدثهم عن معاملة طائفية بحقهم في بعض القطع العسكرية، دون نسيان الفساد والرشاوى".

وتقول المصادر إن الاجتماع والمبادرة الأخيرة كان برعاية أجهزة المخابرات التابعة لميليشيا أسد وبتوجيه منها، والتي قدمت نفسها أمام الوفد الروسي على أنها الممثلة الشرعية على أهالي السويداء والمنيبة عنهم بإيجاد حل للتسوية في المنطقة.

وأوضحت المصادرلأورينت نت، أنه "بتوجيهات أمنية تم استبعاد الشخصيات الفاعلة والوطنية في السويداء من مشايخ العقل والوجهاء الاجتماعيين والقوى السياسية والمدنية"، إلى جانب خداع بعض الشخصيات الأخرى المعروفة بنزاهتها حول هدف الزيارة والاجتماع.

كما أبدت الشخصيات الفاعلة استياءها من فحوى الاجتماع والطرح الروسي حول بحث مسار الصلح بين اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس التابع لروسيا وبين أهالي السويداء.

مخابرات أسد تحرك الخيوط

من جهة أخرى نقلت شبكات إعلامية محلية عن مصادر مقربة من الروس أن القوات الروسية ليس لديها مشروع حالي يخص السويداء من فرض تسوية على شبان المدينة أو حتى إنشاء لواء عسكري يتبع للفيلق الخامس على غرار نموذج محافظة درعا المجاورة، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن الطروحات الأخرى يتم بثها عبر الأجهزة الأمنية التابعة لميليشيا أسد لاستخدام أبناء المحافظة كأدوات لها.

وبحسب المصادر فإن مخابرات أسد تسعى لتحقيق إنجازات وظيفية على حساب أهالي المنطقة ومستقبلهم، والمتمثلة بحالة الفوضى ضد الأهالي ودعم ميليشيات تابعة أو رديفة لها مثل "حزب الله" اللبناني.

التزام روسي لصالح إسرائيل

غير أن التزام الروس باتفاقية سابقة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدود إسرائيل بمسافة 80 كيلو متراً،  يفرض على الاحتلال الروسي محاولة استمالة السويداء لصالحهم بما يعزز وجودهم هناك، ويقف في وجه التمدد الإيراني في ذات الوقت تطميناً للمخاوف الإسرائيلية.

الناشط السياسي والمحامي بسام العيسمي يقول لأورينت نت: إن هناك صراعا إيرانيا روسيا في السويداء بسبب محاولة إيران خلط الأوراق في المنطقة بينما تحاول روسيا الالتزام باستحقاقاتها المحلية والإقليمية، في إشارة إلى التزاماتها مع الجانب الإسرائيلي.

ويوضح العيسمي: أن "السويداء تركت بين صراع روسيا والنظام وإيران وغيرها من مجموعات الخطف والقتل ، حيث حطوا المدينة بين فكي كماشة بمعنى حمايتكم أو تكونوا في مواجهة داعش والمجموعات الأخرى".

ويشير إلى أنه من الممكن أن يقدر الروس على استمالة البعض وتجنيد الكثير من شباب السويداء بسبب الأوضاع الحالية من الفقر والفوضى التي تفرضها ميليشيا أسد على المنطقة، وفق قوله.

ورقة ابتزاز

من جهة أخرى يعتبر الصحفي حافظ قرقوط أن الوجود الروسي في السويداء مرتبط برغبتهم بالإمساك بعدة أوراق للتفاوض أو للابتزاز السياسي، حيث يقول: إن "السويداء منطقة لا تتمتع بأهمية اقتصادية للروس الذين يسيل لعابهم على المال، هم يريدون ترسيخ وجودهم هناك وفي المنطقة الجنوبية عموما لأجل تقديم خدمات أمنية لإسرائيل في الجنوب كي تقدم لهم دعما في ملفات أخرى وخاصة بعلاقاتهم مع واشنطن".

كما يرى قرقوط في حديث لأروينت نت أن روسيا تحاول إيهام المجتمع الدولي باستتباب الأمن في مناطق سيطرة ميليشيا أسد من جهة، وتحاول تعويض النقص الحاصل في صفوف الميليشيا من أبناء السويداء الرافضين للخدمة من جهة أخرى.

ويتوقع الكاتب الصحفي، أن روسيا ستفشل في تلك المحاولات كما فشلت سابقا خاصة مع وجود العقلية الأمنية لنظام أسد وميليشياته وإلى جانب الانهيار الاقتصادي وعجز الحليفين عن تغطية مشاريعهم داخل سوريا وخاصة تجنيد المرتزقة.

غير أن التنافس الروسي الإيراني في المنطقة الجنوبية ومحاولة استقطاب أبنائها، يدفع الروس لمحاولة الاستحواذ على السويداء وإعادتها لنفوذهم ويقول قرقوط في هذا الصدد إن "الاحتلالين (الروسي والإيراني) لم يدركا طبيعة المجتمع المحلي بل يرغبا فقط بتحويله لبيادق في ملاعبهما وهي غايات غير نظيفة ولا ترتبط بمصالح سوريا والمجتمع وغايات الروس لا تختلف عن الإيرانيين كونها غايات تخريبية".

ويختم حديثه بقوله: "بالنتيجة كل تحركاتهم فقط لمسك أوراق يفاوضون عليها أمنياً مع دول أخرى وهم يستخدمون المجتمع المحلي كوسيلة".

أهل السويداء: روسيا محتلة

وردا على الطروحات الروسية عبّر عدد من أهالي السويداء عن غضبهم ورفضهم الشديد للمبادرة الأخيرة، حول إقناع الشباب المتخلفين أو الرافضين للخدمة الإجبارية في ميليشيا أسد بالعودة إليها بأشكال وأساليب مختلفة، في استطلاع مصور أجرته صفحة السويداء (ANS) في فيسبوك، هاجم الأهالي المستطلعة آراؤهم المبادرة واعتبروها تهدف إلى بث الفتنة والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

وقال الأهالي في الاستطلاع إن الاستعمار الروسي "ألعن" من الأمريكي، وإن روسيا احتلت سوريا، وهي تريد سوق شباب وأبناء السويداء إلى القتل بتجنيدهم تحت ألوية وميليشيات تابعة لها.

كما شددوا على رفضهم لقتال شباب المحافظة مع أي قوة خارجية - لا روسيا ولاإيران- وعدم الانجرار إلى الاقتتال الداخلي والفتنة التي تمهّد إليها تلك الدول، منددين عبر تساؤلاتهم بنظام أسد، الذي سمح لهم ولغيرهم باحتلال البلاد واستباحة سيادته.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات