رحيل حاتم علي: أبدع (التغريبة) واكتشف موهبته حين ضل الآخرون!

رحيل حاتم علي: أبدع (التغريبة) واكتشف موهبته حين ضل الآخرون!
فُجع الوسط الفني السوري والعربي بخبر رحيل المخرج حاتم علي الذي توفي صباح اليوم الثلاثاء في مصر، إثر أزمة قلبية مفاجئة.. وكان حاتم علي يعمل في الآونة الأخيرة على إنجاز مسلسل تموله قناة (إم بي سي) عن حرب السفر برلك، كنوع من تصفية الحسابات السعودية مع تركيا العثمانية، كما كان يعمل على مشروع فيلم سينمائي عن (الزير سالم) مع الكاتب زياد عدوان النجل الأكبر للأديب ممدوح عدوان الذي كتب مسلسل (الزير سالم) الذي أخرجه حاتم علي عام 2000.  

ولد حاتم بن أحمد محمد علي في الثاني من حزيران / يونيو عام 1962، في إحدى قرى الجولان السوري.  درس التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وتخرج ضمن الدفعة السادسة عام 1986 التي ضمت غسان مسعود وماهر صليبي والممثلة دلع الرحبي التي ستغدو زوجته لاحقا.. وتحقق حضورا مميزا في الكتابة الدرامية والتمثيل المسرحي مبتعدة عن كاميرات التلفزيون. 

بدأ حاتم علي مشواره الفني في التلفزيون مع المخرج هيثم حقي، الذي أعطاه دورا مهما في مسلسل (دائرة النار) الذي كتبه ممدوح عدوان عن نص لهاني السعدي وأنتج عام  1988، ثم توالى حضوره في مسلسلات (الرجل الأخير) مع المخرج محمد عزيزية عام 1989 وتمثيلية (الكابوس) إخراج مأمون البني 1989 ومسلسل (الزاحفون) إخراج طلحت حمدي عام 1990 و(الخشخاش) إخراج بسام الملا 1991 كما قدمه المخرج علاء الدين كوكش في عدد من أعماله كالجزء الثاني من (أبو كامل) عام 1993 و(أمانة في أعناقكم) 1998 و(الرجل سين) 2000 كما كانت له مشاركة وحيدة مع نجدت أنزور في مسلسل (الجوارح) عام 1994.

ساهم حاتم علي في الكتابة الدرامية في مجموعة من تمثيليات السهرة في التسعينيات، بالتوازي مع بحثه عن مساحة حضور في ساحة الأداء التمثيلي، وربما كانت بدايته ككاتب قصة في مجموعته الأولى (موت مدرس التاريخ العجوز) ثم (ما حدث وما لم يحدث) وككاتب مسرحي شارك زيناتي قدسية في كتابة ثلاثة نصوص مسرحية بعنوان (الحصار) عام 1990 ملهمة له دراميا.. إلا أن نص مسلسل (القلاع) المقتبس عن شكسبير، والذي أخرجه مأمون البني عام 1998 أبرز ما كتب من نصوص، رغم أنه أسيء فهمه وبدا كأنه نوع من الفانتازيا التاريخية في زمن كانت هذه الموجة تثير استياء واستهجان المهتمين بتأصيل الدراما وترسيخ حضورها ودورها بعيدا عن التهويمات الخيالية والإسقاطات الساذجة التي كانت تناسب مستوى تفكير مخرج من وزن نجدت أنزور!

سرعان ما اكتشف حاتم علي أن موهبته الحقيقية ليست في التمثيل الذي لن يبلغ فيه مرحلة البطولات المطلقة ولن ينافس فيه زملاء أكثر حضورا منه، ولا في التأليف الدرامي بل في الإخراج.. ومن حسن حظ الدراما السورية أن حاتم تمكن من اكتشاف موهبته الحقيقية حين ضل الآخرون..  وهكذا استطاع أن يخرج سهرة درامية عام 1995 قبل أن يحصل عام 1996 على فرصة إخراج مسلسل قصير في ثلاث حلقات، بعنوان (أمينة الصندوق) اقتبسه إبراهيم ياخور عن قصة للأديب الروسي فالنتين راسبوتين دون أن يلفت النظر لموهبته الإخراجية.. إلا أن مسلسل (سفر) عام 1998 لفت النظر إليه كمخرج عمل على تقديم أجواء متميزة للمرحلة التاريخية التي تناولها المسلسل، لتتوالى الفرص الإخراجية الكبيرة بعد ذلك وكان أضخمها عام 2000 مسلسل (الزير سالم)

لم يحقق حاتم علي نجاحا يذكر كمخرج كوميدي لا حين تعاون مع ياسر العظمة في سلسلة (مرايا) عام 1997 ولا حين تعاون مع دريد لحام الذي أخرج له مسلسل (عائلتي وأنا) عام 2000 لكنه تميز  في الدراما الاجتماعية بلا شك كما في مسلسل (أحلام كبيرة) ومسلسل (الفصول الأربعة) بجزأيه،  كما لمع  في الدراما التاريخية كما في مسلسل (صلاح الدين الأيوبي) الذي كبته وليد سيف عام 2001 والذي أثمر عن التعاون بينه وبين حاتم علي لاحقا في عدد من المسلسلات الهامة أبرزها الرباعية الأندلسية التي افتتحها بمسلسل (صقر قريش) عام 2002 وأنهاها بمسلسل (ملوك الطوائف) عام 2005 ثم مسلسل (الملك فاروق) عام 2007 في حين جاء مسلسل (التغريبة الفلسطينية) تأليف د. وليد سيف، كواحد من أهم أعمال هذا المخرج الذي كان يأخذ عليه بعض النقاد برودة معالجته.. لكن مسلسل (التغريبة الفلسطينية) قدم انطباعا مغايراً، حاراً وتراجيدياً ومشحونا بنبرة الصدق الواقعي.. ليتربع على قمة المسلسلات التي تناولت القضية الفلسطينية بلا منازع. 

لكن مسيرة حاتم علي لم تخلُ من إخفاقات في تحقيق المطامح الفنية، حين تلتبس بالمطامح المالية، كما في المسلسل البدوي (صراع على الرمال) الذي قال حاتم أثناء تصويره إنه سيجدد من خلاله الدراما البدوية ويخلصها من نمطيتها، فإذا به يقدم مسلسلا استعراضيا باذخاً مستوحىً  من أشعار الشيخ محمد بن راشد ليس أكثر.. كما أن مسلسله (عمر) الذي أنتجته إم بي سي عام 2012 أخفق في جعل شخصية يجلها مئات ملايين المسلمين في العالم الإسلامي موضع احتفاء واهتمام في دراما بدت حائرة في مقاربتها، تفتقد الإيمان الحقيقي بالمسار التاريخي لبطلها.. وإن قدم أداء إخراجيا مبهرا.

أخرج حاتم علي عددا من الأفلام السينمائية أولها اقتبسه من مسلسل (أحلام كبيرة) عام 2005 بعنوان (عشاق) وثانيها (سيلينا) المقتبس عن مسرحية هالة والملك للأخوين رحباني والذي لعب بطولته دريد لحام، وأنتجه نادر أتاسي ثالثها بعنوان (الليل الطويل) كتبه المخرج هيثم حقي، تناول قضية الاعتقال السياسي في سوريا، ونال تنويها خاصاً عن فيلم "الليل الطويل" من مهرجان روتردام للفيلم العربي (2009).. وقيل إنه يحضر لفيلم بعنوان (محمد علي باشا) وفيلم عن (الزير سالم) لكن يد الموت اختطفته قبل أن يجرب حظه في السينما بأفضل مما قدمه في تجربة فيلم (الليل الطويل).. و(سيلينا) الذي لم يحقق نجاحا يذكر. 

برحيل حاتم علي الذي ختم حياته الفنية بمسلسل (أوركيدا).. تفقد الدراما السورية بلا شك مخرجا مهماً استطاع أن يحقق حضورا عربيا لافتا، وأن يقدم أعمالا هامة، وأن يطور في لغة الإخراج التلفزيوني، مسترشدا ببوصلة درامية واعية ومدركة.. وثقافة فنية وحياتية حقيقية.. ولعل مسلسل (العراب) يقدم صورة عن الآفاق التي بلغها في مرحلة نضجه،  وربما كانت المرارة الحقيقية أن حاتم علي الذي أبدع (التغريبة الفلسطينية) وقدم للقضية الفلسطينية عملا خالداً.. صمت أمام التغريبة السورية، ولم يسعَ لأن يقدم ما يليق بها فنياً،  رغم أن ما عاشه السوريون من مأساة، وعدد من هُجّروا من أبناء الشعب السوري.. ومن هُدمت بيوتهم ومزقت أجساد أبنائهم بالبراميل والكيماوي والقصف الجوي، يفوق ما عاشه الشعب الفلسطيني الشقيق خلال مسيرته الأليمة والطويلة  في سبيل قضيته العادلة.

التعليقات (2)

    ابو الورد الحمصي

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    مسلسل عمر لم يقل نجاحا عن التغريبة او عن الزير سالم

    ابراهيم

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    باختصار شبيح
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات