ما تأثير الجنسية المزدوجة على قرار اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم؟

ما تأثير الجنسية المزدوجة على قرار اللاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم؟
عندما بدأ السوريون بمغادرة بلادهم عام 2011 والسنوات التي تلتها ظنّ غالبيتهم أن رحلتهم مؤقتة وأنهم سيعودون إلى ديارهم في غضون أشهر على الأكثر، ولم يدركوا حينها أن حالة اللجوء سوف تطول لسنوات، وربما سيموت العديد منهم قبل أن يتمكنوا من العودة لديارهم. لا شك أن السبب الرئيس لمأساة اللاجئين السوريين في الشتات الذي منعهم من العودة إلى ديارهم هو الحرب الشعواء التي شنها بشار الأسد وعصابته طيلة السنوات الماضية وتدميره منازلهم ومصادرة أملاكهم إلى جانب البيئة الأمنية الخطرة التي تمنع أي لاجئ من مجرد التفكير بالعودة في ظل استمرار وجود هذه العصابة على رأس السلطة، وهناك عشرات التجارب المأساوية لسوريين عادوا إلى بلادهم وتعرضوا فيما بعد للاعتقال والتغييب القسري.

لاحقاً وفي ظل الأوضاع المأساوية التي عاشها أغلب السوريين في دول الجوار بدأ كثيرون منهم بالتفكير للمضي قدماً في خطوة مكلفة جداً ثمنها الابتعاد أكثر عن بلادهم وربما عدم العودة إليها مرة ثانية، حيث غادر الآلاف منهم إلى أوروبا وأمريكا وكندا ومختلف بلاد العالم، تفرقت العائلة الواحدة إلى عدة دول، وتشتت الحلم بالعودة والاجتماع مرة أخرى مع الأهل والأقارب، ولم يعد يجمعهم سوى وسائل التواصل الاجتماعي يتبادلون من خلالها المشاعر عن بعد في المناسبات المختلفة.

وبعد مرور سنوات دون أي بارقة أمل في حل سياسي ينهي مأساتهم قرر الكثيرون البدء بالتأسيس لحياة جديدة بعد تبخر حلم العودة المبكرة، ونجح كثيرون منهم في شق طريقهم من جديد في مختلف الميادين الاقتصادية والتجارية والتعليمية والمهنية وقرروا الانخراط والاندماج في مجتمعاتهم الجديدة، فبدأوا بالابتعاد رويداً رويداً حتى أن حلم العودة لم يعد يراودهم أو يخطر على بال أحدهم، فأصبحوا يعلّمون أولادهم لغات البلدان المضيفة ويحثونهم على الاندماج مع زملائهم في المدارس ويهملون تعليم لغتهم الأم، فإذا كنت لاجئاً وتفحصت من حولك، خاصة الأجيال التي ولدت خلال العقد الأخير، ستجد أغلبهم لا يعرفون عن بلدهم شيئاً ولا يعرفون حتى كتابة أسمائهم بلغتهم الأم.

في عام 2015 طالب مجلس الأمن الدولي في قراراه الشهير 2254 جميع الأطراف الفاعلة في القضية السورية بالضغط لتأمين بيئة آمنة لعودة اللاجئين السوريين، ونص على ضرورة تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة وفقاً للقانون الدولي، إلا أن الوقائع جاءت على عكس ذلك، حيث أصدرت سلطات النظام القانون رقم (10) سيء الصيت عام 2018، الذي صادر أملاك الآلاف من اللاجئين والنازحين، كما اعتقلت قواته من اضطر للعودة لأسباب قاهرة بسبب الظروف المعيشية الصعبة في بلاد النزوح، أو لأنهم اعتقدوا أن النظام سيفي بوعود العودة الآمنة، إلى جانب حرمان الملايين من السوريين في الخارج من تجديد وثائقهم، وتجديدها فيما بعد بشروط مرهقة وكلفة مالية عالية جداً تفوق طاقتهم، الأمر الذي دفع الكثير من السوريين في بعض الدول إلى السعي لاكتساب حمايتها الثانوية أو جنسيتها للتخلص من الأعباء والمشاكل القانونية التي تواجههم يومياً. 

وتشير المعلومات المتوفرة إلى حصول مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في الشتات على الحماية الدولية أو جنسية البلد المقيمين فيها، وتأتي في مقدمة هذه البلدان تركيا التي منحت جنسيتها لأكثر من 110 آلاف شخص حتى الآن. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يؤثر حصول اللاجئين السوريين على جنسية البلد المضيف على قرار عودتهم إلى سوريا يوما ما؟

بالرغم من أن البعض يرى في عملية التجنس بجنسية الدولة المضيفة خطوة تعبر عن قمة الاندماج في المجتمع المضيف، إلا أنه يمكن اعتبارها آخر مناورة للاجئ قبل أن يفقد حق العودة نهائياً أمام الوضع القانوني الجديد. وهذا لا يعني أن الدولة الجديدة التي اكتسب اللاجئ جنسيتها قد تمنعه من العودة لبلاده الأصلية، لكن التجارب العملية أتثبت أن الغالبية العظمى من اللاجئين لا يعودون إلى ديارهم وبخاصة إذا طال أمد لجوئهم ما بين عقد أو عقدين من الزمن، أو اندمجوا بشكل كامل في بلدانهم الجديدة واكتسبوا جنسيتها. فالجنسية هنا إلى جانب كونها رابطة قانونية تتضمن حقوقاً وواجبات متبادلة بين الشخص والدولة، تعني أيضاً إعادة توجيه الانتماء القانوني والاجتماعي والعاطفي للمجنس تجاه مكان الإقامة الجديد ومنحه الولاء التام مقابل غياب الأمل في العودة للديار الأصلية. لذلك ما يزال هناك اتجاه في الفقه الدولي ينظر إلى اكتساب اللاجئين لجنسية دولة جديدة على أنه تخليهم عن حق العودة إلى ديارهم، وهذا التوجه أثّر بشكل كبير ولمدة طويلة على موقف الفلسطينيين في الشتات خلال القرن الماضي، حيث عارض أغلبيتهم بشدة الحصول على الجنسية الأجنبية لأنها تعني إعادة توطين دائمة. ومع ذلك، فإن حالة عدم الاستقرار التي عاشها هؤلاء إلى جانب الحرمان من العودة خلال العقود السابقة أدت إلى حصول العديد منهم على الجنسية في بلدان أخرى، وبالرغم من ذلك تشير العديد من الدراسات الأكاديمية إلى أن الجنسية الجديدة بالنسبة للفلسطينيين زادت من التأكيد على حقهم في العودة والارتباط بوطنهم الأصلي.

أما السوريون فأغلبهم ينظر إلى الحصول على جنسية جديدة وسيلة للأمان الدائم وطريقة للهروب من حاضر غير مستقر إلى مستقبل أكثر استقراراً، والتخلص من المشاكل القانونية الخاصة بالأوراق الثبوتية والقدرة على السفر والتنقل والانخراط بسوق العمل والتمتع بحماية الدولة الجديدة ومنح مستقبل أفضل لأطفالهم. لكن هذا الوضع القانوني الجديد لا يشير إلى نهاية علاقتهم مع بلادهم الأصلية، فقد يستخدم اللاجئ ما توفره جنسيته الجديدة للتأثير على الوضع في بلاده الأم من خلال مواصلة السعي لتحقيق العدالة وإحقاق الحقوق فيها مستفيداً من تجربة بلاده الجديدة.

وعلى صعيد الحلول الدولية بالنسبة لأولئك الذين نزحوا من ديارهم بسبب الاضطهاد أو الحرب، عادة ما تروج مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين لثلاثة حلول أولها اندماجهم في البلد المضيف من خلال الحصول على جنسيته، والثاني إعادة توطينهم  في بلد ثالث، أما الحل الأخير الذي تفضله المفوضية هو العودة الطوعية للاجئين إلى بلادهم الأصلية، لكن هذا الحل يحتاج لبيئة آمنة ووجود آلية دولية صارمة لضمان احترام حقوق العائدين تكفل عدم التعرض لهم أو اعتقالهم وإعادة حقوقهم كاملة لتجنب عودة عكسية أو موجة جديدة من الهجرة، إضافة إلى ضرورة توفّر دعم دولي مستمر للعائدين طوعياً، وغالباً ما يصبح هذا الحل أكثر تعقيداً عندما ترفض دولتهم الأصلية عودتهم كما هو الحال في سوريا. 

أخيراً، يمكن القول إن العودة حق فردي للاجئ لا يمكن لأي جهة أن تتنازل عنه أو تمنعه عنه، وهذا الحق بات متأصلاً في قواعد القانون الدولي كأحد الحقوق الأساسية للإنسان، لكن في نفس الوقت يجب حماية اللاجئين من المعلومات المغلوطة التي تروجها جهات معينة لإيهامهم بتوفّر شروط العودة الآمنة دون وجود ضمانات حقيقية أو تحقق الشروط الموضوعية التي تحمي حقوقهم بعد عودتهم. وإلى ذلك الحين الذي تتحقق فيه شروط العودة بكرامة يبقى التجنس بجنسية أخرى إلى جانب الجنسية السورية ملاذاً آمناً للاجئين لكن لا يخلو من تبعات تؤثر على قرارهم بالعودة إلى بلادهم بسبب طول أمد الهجرة وحالة التكيف الجديدة التي باتوا تحت وطأتها في البلدان المضيفة.

وتجدر الإشارة إلى أن قانون الجنسية السورية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969 لا يسقط الجنسية السورية عن الذين اكتسبوا جنسية أجنبية ويبقى هؤلاء وأولادهم سوريون بحكم القانون ما لم يتقدموا بشكل مسبق بطلب للتخلي عن جنسيتهم ويصدر مرسوم بالموافقة على ذلك بعد قيامهم بجميع واجباتهم والتزاماتهم تجاه الدولة، وهذا الإجراء من الصعب حصوله بسبب الإجراءات المعقدة المرتبطة بطلب التخلي. لذلك يبقى السوريون الذين اكتسبوا جنسية دولة أجنبية خلال السنوات الماضية أو مستقبلاً يتمتعون بالجنسية السورية ولا يفقدونها لهذا السبب. لكن قد يؤثر اكتساب جنسية أجنبية على مستقبل الأشخاص الذين يرغبون بالانخراط في العمل السياسي لأن أغلب الوظائف العامة والسياسية تشترط عدم امتلاك الشخص جنسية أجنبية إلى جانب الجنسية السورية في حال لم يعدل هذا الشرط مستقبلاً.  

التعليقات (8)

    الوحداني

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    اولة الرائيس بشار احسن رئيس بالدول العربية بس الحربعلى سورية كانت متل الحرب العلمية ال3وانجبرنة علا المهاجرة من اجل حماية ارواحنا واكرر الرئيس العربي السوري بشار حافض الاسد احكم واعدل رئيس عربي ذكره التاريخ واذة حكم يحكم بل حق وشكرا لكم جميعن اقدم لقبي الوحداني ابن سوريا

    عمر

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    https://o-t.tv/Gfz

    Suriye oğlu

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    اللهم اصلح حال بلادنا و بلاد جميع المسلمين

    امل

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    يتحمل المسؤلية المعارضة بسبب عدم استصدار سجل مدني يحمي السوريين من العبث بالقيود وعدم انشاء مدارس لتعلم اللغة والثقافة السورية للاجيال حتي لو تعليم عن بعد وتفرغوا الي الشحادة والسرقة والمتجارة بألالم السوريين

    العگيد

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    xx امك على ام الرئيس السوري

    سوري

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    حاج بقى ما حدا يعلق وسخو على ظهر غيرو كلكون سبب بالهجرة والقتل والسلب الكل مجرمين والكل حرامية

    Kahled

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    الجوء إلى أوربا

    الله كريم

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    حلو عنا نريد نعيش وربي ولادنا
8

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات