ثورة تأخر اندلاعها وتأخر انتصارها.. ونظام تدعمه "أم إبليس" شخصياً

ثورة تأخر اندلاعها وتأخر انتصارها.. ونظام تدعمه "أم إبليس" شخصياً
مشكلتان أساسيّتان مشكلة هذي الثورة، مشكلة تأخّر اندلاعها، ومشكلة تأخّر انتصارها، لكن.. من يعلم؟ فمن مزايا التأخّر الاستواء، وليس المقصود استواء الطعام، بل "الاعتدال والاستقامة"، فالعقول قد تستوي وتعتدل بمرور الوقت، وبمروره الضمائر قد تستقيم وتستوي، وعلى سيرة الطعام.. قل: نحتاج يومين لتنشيف اللبن، فكم نحتاج لتفكيك نظام تدعمه أمّ إبليس شخصياً؟. 

كان أبناء الناس، أي الأوادم الذين عاشوا في هذا البلد الذي اسمه "سوريا"، ثلاثة أقسام فقط، قسم يتعرّض للإذلال والظلم كالمعتقل وأهله والمريض وأهله، قسم يشعر بالإذلال فقط كعنصر الأمن وأهله أو الوزير وأهله، وقسم ربّما بالظلم فقط يشعر، كالفلّاح والطبيب والعامل والمدرّس والنجيب والفريد والغريب والبعيد والقريب وأهاليهم، هكذا.. بلا تمييز، تماماً مثلما يدخل صاحب مزرعة شرّير حقير إلى حظيرة حيواناته، فيذبح دجاجة، ويحلب بقرة، ويشدّ أرنباً من أذنيه، يجزّ صوف كبش، أو يذل كلباً فيطعمه كي لا ينبح في وجهه، كلّما شبع جوّعه، وكلّما جاع أطعمه، الكلاب تحبّ الطعام ولو بمذلّة.. فلا تثور!.

هكذا اعتبرت عصابة أسد أهل سوريا كلهم، والحقيقة أن العكس هو الصحيح، حيوانات حبست الناس في حظيرة!، وما حدث بالنتيجة أنّ الكثير من الناس، أي الأوادم الذين عاشوا في هذا البلد الذي اسمه "سوريا" حافظوا على آدميتهم، لكنّ الكثير منهم أيضاً فضّلوا أن يكونوا حيوانات لدى حيوانات تحبسهم، شيء مثل الاصطفاء اللاطبيعي أو الاصطفاء المعكوس، فماذا يعني أن تكون إنساناً فتقبل أن تتحَيْون؟، هو ذا بئس المصير!. 

مصيبتنا مصيبة عجيبة، فلقد مُنَّ علينا بثورة، لكنّها لم تلامس شغاف قلوب جميع السوريين، وإن قلنا هكذا شأن الثورات، فقدرها أن تكون فرض كفاية، عدنا نفكّر.. "وهل الحرية مسألة تحتمل التفكير أصلا"؟، وإن فكّرنا.. لا فهذا طبيعي بعد خمسين سنة من "العار"، أفلا نفكّر أيضاً: حسناً وماذا بعد؟، وإن لم نفكّر أصلاً وأبداً، فقط تقلّبت أجسادنا وقلّبنا عيوننا وسمعناه سمعاً نبض قلوبنا وبلا أيّ تفكير، ألا يروادنا إحساس خافت بل باهت حتّى: لماذا نحن أحياء؟، ما السبب؟، أمن أجل الوقوف ساعات لتحصيل رغيف ومورد طهي أو مصدر دفء؟، أم من أجل الانتظار شهراً بتمام قمره وعمره وفقره وقهره لقبض ما يعادل ثمن ثلاثة كيلوغرام من لحم ضأن العواس السوري؟، أفضل أنواع لحوم الغنم في العالم كلّه، لكنّه ليس مُتاحاً للسوريين!. 

ليس السؤال: بماذا يفكّر الناس الذين لم يثوروا على هذه العصابة، بل بماذا لا يفكّرون؟، نعم بماذا لا يفكّرون حتّى ما زالوا هكذا جاثمين بلا أدنى انفعال عفوي؟، والله حتّى الذبيحة بعد الذبح تختلج!. 

عن القلوب المجرّدة أتكلّم لا عن العقول، عن مجرّد الإحساس الطبيعي، وليس عن أيّة ومضة عقل أو تفكير، عن غصن عار في مهبّ ريح وليس عن مكّوك فضاء نووي، عن ألم إنساني خالص يا آدميين وليس عن إيديولوجيا معقّدة، وعن فرصة أمل محتمل، مقابل حقيقة مستقبل أسود قادم، لا بدّ ولا مناص!.

قال "ابن المعصوم المدني": 

اليومَ أنتَ بِدارِ الذُلِّ مُمْتَهَنٌ 

صفرُ اليدينِ فلا بأسٌ، ولا كَرَمُ

حَلَلْتَ في سَوحِ قومٍ لا خِلاقَ لَهُمْ

سيّانَ عِندهُمُ الأنوارُ والظُلَمُ

وهمُّ كلِّ امرئٍ مقدارُ هِمّتِهِ

وليسَ يفترقانِ الهمُّ والهِمَمُ!. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات