في ظل دعوات لتعويم الليرة السورية.. ما تبعات القرار وكيف سينعكس على معيشة السوريين؟

في ظل دعوات لتعويم الليرة السورية.. ما تبعات القرار وكيف سينعكس على معيشة السوريين؟
اعتبرت وزيرة الاقتصاد السابقة في حكومة أسد لمياء عاصي إن تعويم الليرة في سوريا على غرار لبنان، "من الوارد جداً حدوثه"، في ظل استمرار التدهور الحاد في قيمة الليرة السورية أمام سعر الصرف الأجنبي.

وفي ظل تجاهل واضح لتبعات تعويم العملة على معيشة السوريين، اقتصرت مخاوف عاصي في مداخلة لها عبر إذاعة "المدينة إف إم" الموالية، الأحد الماضي، على ما أسمته بـ"هروب الاستثمارات ورؤوس الأموال السورية إلى السوق اللبنانية بعد اعتماد تعويم العملة في لبنان" فقط.

من جهة أخرى، فإن قراراً بتعويم العملة معقد، بحسب عاصي، ويتطلب الفوز بثقة الدول الراعية لصندوق النقد الدولي، على خلاف سوريا التي تفتقر إلى دعم سياسي من قبل الدول المسيطرة على "النقد"، الأمر الذي يسرع من وتيرة جذبها لما تبقى من الاستثمارات السورية لسوق لبنان، وفق رأيها.

يأتي حديث وزير الاقتصاد في حكومة أسد بعيد أيام على إعلان حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة قراراً يقضي بتعويم الليرة في لبنان، على خلفية تراجع قيمتها رسمياً إلى ألف و514 ليرة للدولار الأمريكي الواحد، في حين يبلغ في السوق السوداء 3850 ليرة، واستمرار تدني المستوى المعيشي والخدمي في لبنان منذ نحو أكثر من عام.

ماذا يعني تعويم العملة؟

يقصد بتعويم العملة تخلي البنك المركزي للدولة، بصفته هيئة مالية مستقلة، عن التدخل في تحديد سعر الصرف الأجنبي في السوق مقابل العملة المحلية، وترك زمام التسعير لعمليات العرض والطلب وحركة السوق.

ويتخذ تعويم العملة نموذجين، أولهما نموذج "التعويم الخالص" إذ تتحكم عمليات السوق وحركة البيع والشراء بتحديد سعر الصرف الأجنبي أمام العملة المحلية بشكل كامل تماماً، دون تدخل من قبل الدولة.

في حين تنحى بعض الدول للعمل وفق منحى "التعويم الموجه" الذي يمنح للسوق خاصية تحديد سعر الصرف الأجنبي أمام العملة المحلية، مع السماح للمصرف المركزي بالتدخل في التحكم بسعر الصرف وتوجيهه "حسب الحاجة"، وهو النموذج المعمول به في سوريا حتى الوقت الراهن.

"تعويم" ميالة

سمع السوريون بمصطح "تعويم العملة" لأول مرة مطلع عام 2012 بعد 10 أشهر على انطلاقة الثورة في سوريا، على إثر تراجع سعر الليرة السورية إلى 73 ليرة أمام الدولار الأمريكي الواحد.

وأصبح مصطلح "تعويم الليرة" لصيقاً بأديب ميالة، حاكم مصرف سوريا المركزي الأسبق، والذي اعتمد خلال فترة تقلده المنصب نموذج التدخل المقنن للبنك المركزي بسعر الصرف من حين لآخر، عبر ضخ كميات من العملة في السوق للجم التدهور.

لكن نظام أسد بقي "وفيا" لسياسة سعر الصرف الثابت الذي تخوله تحديد السعر وإصدار نشرة يومية عن البنك المركزي حول أسعار العملات الأجنبية أمام الليرة.

ورغم محاولات نظام أسد لإنعاش الليرة عبر قرارات بالحجز على أملاك رجالات أعمال ومساءلات بحجة التهرب الضريبي لعدد منهم وتأسيس صندوق لدعم الليرة، فشل في احتواء أزمة تدهور العملة، وتوجه لطرح ثلاث تسعيرات للدولار الواحد أمام العملة الأجنبية، بينها سعر تفضلي اختص به المنظمات الدولية.

إعلان بـ"العجز"

تتضاءل فرص نظام أسد في تعويم ليرته أمام نظيره اللبناني، فالنظام لايحظى بثقة الدول الداعمة لصندوق النقد الدولي على خلاف لبنان، كما أن هامش الاحتياطي النقدي للمركزي السوري المتآكل جعل المركزي "هشاً" لصد الهجمات ضد الليرة، فضلاً عن رزوح النظام تحت وطأة عقوبات دولية بحسب رأي الباحث الاقتصادي خالد تركاوي في حديثه لأورينت نت.

واعتبر تركاوي أنه لا وجود لشيء اسمه تعويم موّجه أو جزئي، فالنظام حسب رأيه، يبرع في اختيار الأسماء فهي ليست إلا محاولات لـ"موائمة" سوق يعجز عن العودة إليه، إذ ليس من الممكن أن يعمد النظام إلى إفراغ جيوبه من عملته لتعويم عملته في الظرف الراهن، حسب تعبيره.

من جهته يرى الباحث والمحلل الاقتصادي مناف قومان أن الأسواق والبنوك المركزية تعمد إلى تعويم عملتها لتخبر الناس أنها ليبرالية ومرنة وأسواقها حرة من دون تدخل الدولة فيها، الأمر الذي من شأنه أن يجذب الثقة والشفافية والقطع الأجنبي للدولة.

لكن من جهة أخرى، تخبر الدولة المواطنين عبر قرارها بتعويم العملة المحلية أنها عاجزة عن تأمين الخدمات والسلع ومستلزمات المعيشة الأساسية للمواطن، ونفاد القطع الأجنبي لتمويل الواردات، لترفع العبء عن نفسها وترميه للأسواق، وفق تعبير قومان.

تآكل القيمة الشرائية

وقد يخلق قرار تعويم الليرة ارتفاعاً متكرراً لأسعار الاحتياجات والمستلزمات الأساسية لمعيشة المواطن السوري، خاصة من يقيم منهم في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة أسد، في حين يبقى تأثير القرار، إن تم تنفيذه، محدوداً في مناطق شمال غرب سوريا والعاملة بالليرة التركية ومناطق شمال شرقها. كما ستفقد أجور العاملين في مؤسسات أسد ودوائرها الحكومية القوة الشرائية لها، ويرفع سقف معدلات الفقر في سوريا إلى أكثر من 90% ما سيسبب في اتساع الهوة المجتمعية بين السوريين، بحسب تركاوي.

وفي سياق تبعات تعويم الليرة، يتوقع المحلل الاقتصادي خالد تركاوي أن الارتفاع قد يطول الصرف الأجنبي بشكل منظم وفق قوائم تتماشى مع مصلحة السوق دون أن يخضع لمنطق العرض والطلب، لافتاً إلى وجود صراع مالي بين نظام أسد ورجالات إيران في سوريا، حيث تملك الأخيرة شركات صرافة وتأمين غير مرخصة وعدد من البنوك تعمل لصالح الحرس الثوري الإيراني أضحت تجمع دولارات لصالحها، فضلاً عن وجود رجالات أعمال محسوبين على إيران لديهم "الرصيد الأكبر" من العملات الأجنبية، حسب تعبيره.

زخم الواردات الروسية والإيرانية في السوق السورية وتعطيل عجلة الصادرات والسياحة ومعظم مولدات الموازنة العامة كالنفط والفوسفات وسواها كان نظام أسد هو المتسبب الأول في حدوثها، بحسب رأي مناف قومان، إذ يرى أن تعويم العملة ليس حلاً بقدر ما هو ابتعاد عن الحل و"وضع ستار على المشكلة".

التعليقات (3)

    عامر

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    حسبي الله ونعم الوكيل

    حسون

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    فليعدّل قانون وزير المال السابق بصرف الدولار عالمعابر الى 2550 ل.س عندها سيأتي السوريين عبر المعابر وسيدخل للدولة قطع اجنبي،، وبالأخص من المواطن المقيم في لبنان الذي يشتري 100$ ب 900الف ل.ل كي يأت# للوطن ويصرفه عالحدود بأقل من نصف سعره..

    ابو ايهم

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    لعنكم الله دنيا وآخرة يا مرتزقه ،يجب أن تقولوا النظام السوري المحترم العظيم.فقط هذا هو الصحيح.اما أنتم يا أقرباء المرتزقة، يا مرتزقة، يحاولون تخريب سوريا أكثر واكثر،لأنكم الله ،وسيلعنكم التاريخ يا اورينت
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات