شروط واتساب الجديدة: انتهاك خصوصية الوجع

شروط واتساب الجديدة: انتهاك خصوصية الوجع
في الأيام الأخيرة تلقيت كماً هائلاً من الرسائل تحمل روابط تطبيقات بديلة لتطبيق "واتساب"،  وقرأت كثيراً من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي منها ما يأخذ الموضوع على محمل السخرية والاستهزاء، ومنها ما يحمل تحذيراً حقيقياً بضرورة هجر هذا التطبيق الذي بات خطراً على خصوصية مستخدميه وأمانهم الشخصي.

نقطتان هامتان لفتتا انتباهي في هذا الموضوع:

النقطة الأولى، حول بند جاء صراحة في شروط استخدام "واتساب" الجديدة وهي أنها لا تطبق على المستخدمين داخل الاتحاد الأوروبي، إذ ندرك تماماً أن جميع تطبيقات التواصل الاجتماعي مخترقة، لكن الصراحة في استثناء "الرجل الأبيض"؛ وكأنهم يقولون هناك فقط تستحق الشعوب أن تنعم بالحرية والخصوصية. 

النقطة الثانية، تخصنا نحن السوريين بالذات ومن يشبهنا في الوجع من بلدان العالم الثالث التي أكلتها الحروب والأنظمة القمعية.

لا أنكر أن "واتساب" وبقية الوسائل الأخرى، صارت ضرورة من ضرورياتنا الحياتية وعليها ما عليها من أسرارنا العائلية وأسرار عملنا وعلاقاتنا وغير ذلك، فأنا شخصياً أقضي أكثر من نصف يومي على هذا التطبيق، وأعتمد عليه بشكل شبه كلي في عملي، وقد أمضي وقتاً ممتعاً في سهرة شعرية أو نقاش حول مسألة أدبية ما على مجموعة "منازل الشعراء" التي تضم مجموعة كبيرة من الشعراء العرب الذين أحبهم وتجمعني بهم صداقة طيبة، لقد سهّل علينا "واتساب" الاجتماع وقرب المسافات بيننا، فربما أتحدث مع صديق قديم فرّقت بيننا جهات الأرض وتبعات الحرب، أو زميل في العمل، أشكو همومي؛ أو أحكي عما أخطط له من أعمال وما إلى ذلك، وأحيانا تكون هذه المحادثات صوتاً وصورة، ومن دون مبالغة أستطيع القول أن هذه الوسائل الجديدة أصبحت بالنسبة لنا وطناً افتراضياً بديلاً بعد ما حل بنا من شتات وضياع الوطن الحقيقي.

من هذا يمكن القول إن فكرة انتهاك الخصوصية هذه تعيد إلى أذهاننا نحن السوريين فكرة عنصر الأمن، والخوف من المخبرين الذين نشك بوجودهم في أي مكان نذهب إليه؛ أولئك الروبوتات الموجهة لصالح الأجهزة الأمنية وأفرعها، وتروى عن مدى تدخلها في مفاصل حياة الناس قصصاً هي أشبه ما تكون بالخرافات والأساطير، ولا أنسى حين كنت مراهقاً وسمعت من أحد سكان قريتنا الخارج لتوه من أحد تلك الفروع قوله "لك بيعرفوا واحدنا كم مرة نام مع مرتو يا زلمة". 

كما تعيدنا هذه الشروط الجديدة إلى المثل الذي يبدو وكأنه ابتدع لحالتنا نحن فقط "الحيطان إلها آذان"؛ الآن وأنا أفكر في كتابة رأيي بخصوص هذا الحدث عادت بي الذاكرة إلى حيث سمعت هذا المثل أول مرة؛ كان ذلك أيام الطفولة المبكرة حين أراد صديقي أن يخبرني عن سبب اعتقال عمّه؛ قال لي: "دعنا نبتعد عن هذ الحائط؛ يقول أهلي إن له آذاناً"؛ وفعلا ذهبنا إلى بيدر واسع في أطراف البلدة لا أحد فيه سوانا؛ وأخبرني أن عمّه كان طالبا في الجامعة أيام أحداث حماة؛ واتُّهم بانتمائه إلى جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة التي كان والدي يوصيني بتجنب الحديث عنها أمام أي إنسان كان مهما بلغت درجة قربه، بدا على صديقي القلق بعد أن أخبرني القصة؛ وصار يوجه لي التحذيرات وكأنه أخي الكبير أو وصي علي وليس طفلًا مثلي؛ وشدد عليّ ألا أخبر باقي الزملاء في المدرسة عن هذه القصة. 

يبدو أننا شعوب كُتب عليها أن لا تعيش رفاهية التمتع بالخصوصية والحرية الشخصية حتى افتراضياً، فمن التابوهات الاجتماعية والدينية والسياسية التي كانت مفروضة علينا، إلى تابوهات عالم "السوشيال ميديا" الذي أول ما جاء أتانا حاملا معه مفهوم حرية الصحافة والكتابة؛ وإيصال الرأي والخبر؛ بعد زمن طويل عشنا فيه القمع وتكميم الأفواه والتوجيه في الإعلام وسيطرة الأمن على كل التفاصيل في حياتنا صغيرها وكبيرها، لكن ما حصل لم يكن إلا انقلابا بشكل سلمي؛ عملت هذه التطبيقات على مبدأ دس السم في العسل؛ وها هي نتائج الميديا الجديدة؛ حذف منشورات بحجة مخالفة القوانين؛ إيقاف التعليق والرد بحجة الاحتيال؛ هو انقلاب لكن بطريقة ذكية وحضارية، ويوماً بعد يوم بدأت تضيق هذه مساحة هذه الحرية ولا أستغرب إن تلاشت كلياً في قادم الأيام.

إذن كنا "بالحيطان إلها آذان" صرنا بالواتساب الآن؛ فليكن لها آذان فليكن، ولينتهكوا خصوصياتنا؛ ويشعروا بأوجاعنا؛ علهم هذه المرة يعرفون جيداً عن هذه الخصوصيات؛ ويسمعون دموع أمهاتنا اللواتي نقنعهن أننا بخير من خلال التسجيلات الصوتية؛ أو من وراء الصور المفلترة التي تخفي الأبيض الذي غطى رؤوسنا والأسود الذي ران على قلوبنا. 

فليفعلوا وليقرؤوا خوفنا من الأمس والغد، من العدو والصديق، من فواتير الماء والكهرباء وعلب الدواء، خوفنا على أحبتنا تحت القصف، خوفنا من أنفسنا.. خوفنا من كل شيء.

وليسرقوا صور الطيور والأزهار التي يرسلها لنا آباؤنا مكتوبا عليها عبارة "صباح الخير" أو "جمعة مباركة" فلا صباح يحمل لنا خيرا ولا يوم مر علينا مباركاً. 

التعليقات (2)

    مصطفى زعتور

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    خليهن يعرفو !! بعدين نحنا ماعنا خصوصيه الخصوصيه الي عنا هي..... جيب كم حطبه معك مشان الصوبا جبت خبز اليوم ؟؟ ابني مرضان وماني عرفان وين بدي اخدو جيب معك ب ١٠ ليرات حفوضات اشو بدكن تاكلو اليوم .. بلكي بتجيب معك عازل مشان نحطو ع الخيمه عبينا مي .... وووووو قس على ذلك *الله غالب*

    زين الحلو

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    مقارنة بقمة الوجع..
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات