لماذا لم يدعم اللوبي الصهيوني أكثر الرؤساء الأمريكيين إخلاصاً لإسرائيل؟

لماذا لم يدعم اللوبي الصهيوني أكثر الرؤساء الأمريكيين إخلاصاً لإسرائيل؟
منذ عشرات السنوات تروج وسائل الإعلام التابعة لبعض الأنظمة العربية لفكرة تحكم "اللوبي الصهيوني" (قوى الضغط اليهودية في أمريكا) بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ودعم الحملات الانتخابية للرؤساء والنواب الأمريكيين، وأن هذا اللوبي هو من يتحكم بمجيء أو مغادرة هذا الرئيس أو ذاك. وساند هذه الفكرة العشرات من كبريات الصحف العربية ودور النشر والأبحاث السياسية، إضافة إلى الطبقة المثقفة من أكاديميين وكتاب وإعلاميين صوروا أمريكا على أنها دولة مسلوبة الإرادة لصالح ثلة من اليهود. وذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالقول إن "اللوبي الصهيوني" يمتلك قوة هائلة وضخمة في واشنطن وهو صاحب القول الفصل في انتخابات الرئاسة الأمريكية وأن الرؤساء الأمريكيين لا يستطيعون رسم سياستهم الخارجية تجاه المنطقة بدون استشارة هذا اللوبي المتحكم بكل مفاصل الدولة هناك. 

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا لم يدعم اللوبي الصهيوني الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الذي قدم لدولة الاحتلال الإسرائيلي ما عجز عنه جميع الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه؟ وإذا كان يمتلك كل هذه القوة الخطيرة والمؤثرة لماذا لم يقف إلى جانبه في هذا المأزق الذي وضع نفسه فيه وتركه يواجه مصيره وحيداً أمام الكونغرس؟ 

منذ قيام إسرائيل عام 1948 وهي تعاني من العزلة التي فُرضت عليها خاصة بعد قمة الخرطوم لجامعة الدول العربية بعد نكسة حزيران عام 1967 والتي عرفت بقمة اللاءات الثلاث (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه). حاولت إسرائيل على مدى السنوات الماضية كسر هذه اللاءات الثلاث من خلال التطبيع مع بعض الدول العربية لكن أغلب محاولاتها باءت بالفشل رغم الضغوط الدولية الكبيرة لتعويمها بين دول المنطقة أو القبول بها مع الإشارة إلى بعض الاختراق الرمزي الذي حققته في مجال التنسيق أو التعاون التجاري بينها وبين قلة من الدول العربية إلى أن جاء الرئيس ترامب الذي فتح باب التطبيع غير المشروط - بأي لاء من اللاءات الثلاث المذكورة أعلاه - بين إسرائيل والدول العربية على مصراعيه وبات الحلم الذي كان يراود هذا الكيان الغاصب لعشرات السنوات للأسف حقيقة نعيشها اليوم بكل تجلياتها. 

لم يتوقف الأمر على تطبيع العلاقات فقد قدم ترامب خدمات جليلة لإسرائيل من خلال نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في إشارة واضحة إلى أن هذه المدينة المقدسة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل المحتلة وهو ما حاول الكثير من الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه تحاشيه للحفاظ على المصالح الأمريكية والروابط والعلاقات التي تجمع واشنطن مع دول المنطقة، إلى جانب تسويقه ما يسمى بـــ"صفقة القرن" التي تبنت بشكل واضح مصالح إسرائيل وتجاهلت المطالب الفلسطينية بإقامة دولة مستقلة والاعتراف بإسرائيل وضم غالبية أراضي الضفة الغربية إليها وسلب حق الفلسطينيين بالعودة لديارهم الأصلية. 

من لائحة الخدمات الأخرى التي قدمها ترامب لإسرائيل الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران عام 2018 الذي وصفه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بــــ"القرار الشجاع"، ودعمه قرار الكنيست الإسرائيلي بيهودية الدولة، وتوقيعه عام 2019 إعلاناً بضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية خلافاً لقرارات مجلس الأمن الدولي بحضور نتنياهو الذي وصفه أيضاً بــــ"الاعتراف التاريخي"، إضافة إلى إعلان وزير خارجيته مايك بومبيو في العام ذاته بأن بلاده لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة مخالفة للقانون الدولي، ورفع الحظر عن التعاون العلمي الأمريكي مع المستوطنات الإسرائيلية بالضفة والجولان، وقطع المعونات المالية للفلسطينيين، وتصفية منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والضغط لتغيير كافة المناهج الدراسية الفلسطينية التي تغذي روح المقاومة والتمسك بالأرض بحجة معاداة السامية.

رغم هذا الحصاد السياسي الوفير والهدايا الكثيرة التي ملأ بها ترامب سلال إسرائيل، وتأسيسه مع نتنياهو للمشروع الصهيو-أمريكي للسيطرة على الشرق الأوسط، أشارت الكثير من استطلاعات الرأي التي نشرتها صحف أمريكية وأخرى إسرائيلية قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى أن 75-77 % من اليهود الأمريكيين سيصوتون لصالح جو بايدن، مقابل 22% فقط لصالح ترامب وهو ما اشتكى منه الأخير في عدة تصريحات إعلامية متهماً إياهم بأنهم لا يحبون إسرائيل، وقد حظيت هذه التصريحات بتنديد واسع من قبل المنظمات اليهودية الأمريكية، في حين تشير معطيات تصويت اليهود الأمريكيين على مدار التاريخ، إلى أنهم دعموا دائماً المرشحين الديمقراطيين في الولايات المتحدة مع أن الجمهوريين هم الأكثر شراسة في دعم إسرائيل وسياساتها في المنطقة.

إذاً، إذا كانت قوى الضغط اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة بــ"آيباك" - التي تعتبر ذراع اليهود الطويلة التي تخدم مصالح إسرائيل سياسياً وثقافياً وإعلامياً وفكرياً - تتمتع بالقوة التي تروج لها وسائل الإعلام الغربية والعربية، فالمنطق يقول إن من مصلحتها بقاء ترامب في ولاية ثانية لأن ذلك سيشكل مكسباً للكيان الصهيوني خاصة وأن جعبة ترامب من الهدايا المخصصة لهذا الكيان لم تنفذ بعد بل كان يؤكد دائماً على وجود المزيد منها مستقبلاً، في الوقت الذي كان ينتقد فيه منافسه بايدن في تصريحات إعلامية في أيار الماضي إسرائيل ويدعو إلى "ضرورة الضغط عليها لمنعها من اتخاذ خطوات أحادية الجانب قد تجعل حل الدولتين مستحيلاً"، في إشارة إلى خطوة "الضم" لأراضي الضفة الغربية المحتلة.

الحقيقة هناك الكثير من قوى الضغط التي تؤثر في انتخاب رؤساء أمريكا ورسم سياستها الخارجية وليس فقط اليهود الأمريكيين الذين لا تتجاوز نسبتهم 3% من الناخبين الأمريكيين، فهناك أصحاب الشركات الضخمة خاصة شركات النفط والسيارات والتصنيع العسكري،و وسائل الإعلام الكبرى، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، و رؤوس الأموال العملاقة الذين يمولون حملات الترشح للرئاسة أو للكونغرس الأمريكي إلى جانب شبكات أخرى تضم مراكز دراسات واستطلاعات رأي ومحامين ونقابيين وأطباء وأكاديميين وفنانين وتجمعات طلابية في العديد من الجامعات الأمريكية التي تؤثر بشكل أو بآخر في قرار الناخب الأمريكي، لذا لو كان بمقدور اللوبي الصهيوني وحده التحكم برأي الشارع الأمريكي لاستطاع دعم التجديد وإنجاح ترامب لولاية ثانية، ولأنجح عام 2012 المرشح الجمهوري ميت رومني والذي دعمه نتنياهو علناً ضد أوباما.

أخيراً، لا شك أن هناك مصالح متبادلة بين إسرائيل والولايات المتحدة ولا أحد يمكنه إنكار ذلك فوجود إسرائيل في المنطقة يخدم السياسة الأمريكية من خلال الإبقاء على أجواء الحرب فيها والحفاظ على تفوق إسرائيل عسكرياً ومنع أي مشروع تنموي أو نهضوي عربي على وجه الخصوص وتقزيم دول المنطقة وتفتيتها إلى دويلات متناحرة وتأجيج الحروب الطائفية فيها وإطالة أمد الصراع العربي- الصهيوني بما ينعكس في النهاية لصالح الولايات المتحدة ودولة الاحتلال على حد سواء. ويبقى ما يُشاع عن حجم تحكم اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة وسياساتها الخارجية لعبة صهيونية وأكذوبة روجتها وسائل إعلام غربية وتلقفتها وسائل الإعلام وبعض الأنظمة العربية بهدف التضليل السياسي وبث الرعب والخوف في قلوب شعوب المنطقة من خلال تصوير اليهود الأمريكيين على أنهم المتحكمين بمقدرات العالم وسياساته، وللتغطية على فشل هذه الأنظمة في إيجاد حل للقضية الفلسطينية طوال السنوات الماضية والتي هي محور الصراع العربي- الصهيوني. 

التعليقات (3)

    زياد محمد خالد

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    مقال مسهب في شرحه وتناول جوانب هامة ومعلومات دقيقة .كل الشكر للناشر الدكتور وسام الدين العكلة.على مقالته القيمة.

    Abdursoel Amnify

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    كل ما ورد في هذا المقال حقيقه وواقعي أحسنت النشر

    ابو عائشة العراقي

    ·منذ 3 سنوات 3 أشهر
    مقال ممتاز يلخص حقيقة اللوبي الصهيوني
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات