العمل الطبي في إدلب "شركات في سوق حرة".. أخطاء كارثية وإهمال بانتظار حلول جذرية

العمل الطبي في إدلب "شركات في سوق حرة".. أخطاء كارثية وإهمال بانتظار حلول جذرية
دائماً ما يكون الواقع الصحي والعمل الطبي معياراً لبناء الدول وتطور حكوماتها، وفي إدلب رغم تعدد الحكومات العاملة بها، إلا أن واقعها الطبي لا يُبشّر بخير كثيراً، فالعمل الطبي في المحافظة تعتريه العديد من الشوائب والانتكاسات رغم بعض الإيجابيات فيه، عدا عن حالة العجز الطبي في الكثير من مفاصل هذا العمل، والذي ينعكس سلباً على المواطن في المنطقة.

وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فإن الواقع الطبي في إدلب مصاب بالعجز الشديد، فالمحافظة يوجد فيها أكثر من 4 ملايين نسمة، في حين لا يوجد في مشافيها أكثر من 3065 سريراً، أي بمعدل سرير واحد لكل 1365 شخصا، بالإضافة إلى وجود 200 سرير عناية مشددة فقط، وقرابة 100 منفسة، ويعمل ضمن هذا المجال ما يقارب 1358 من الاختصاصيين والفنيين، بينهم 260 طبيباً فقط.

عجز في الإمكانيات

من جهته أكّد الدكتور وليد تامر نقيب أطباء الشمال لأورينت نت حالة العجز التي تعتري الواقع الطبي في إدلب، وأشار إلى أن "الواقع الطبي في إدلب متعب جداً ومنهك بسبب العمليات العسكرية السابقة والتي دمّرت أكثر من 53 منشأة طبية خلال عام واحد، في حين بقي لدينا في المحافظة قرابة 56 منشأة طبية تُخدّمها ما يقارب 95 سيارة إسعاف فقط".

وأضاف الدكتور، أنه مع انتشار فيروس كورونا في المناطق المحررة وخاصة خلال فترة ذروة انتشار هذا الفيروس، تمّ استنزاف القطاع الطبي بشكل شبه كامل، وأصاب هذا القطاع العجز الواضح من خلال نقص المستهلكات الطبية وإصابة الكوادر، ووصلت نسبة العجز إلى أكثر من 70% عمّا كانت عليه قبل ذلك.

واعتبر الدكتور تامر أن "جميع المشافي في إدلب هي مشافي تُقدّم الرعاية الأولية، حيث يوجد لدينا مستشفيات تخصصية ولكنها ليست نوعيّة، كمشافي القلب المفتوح والأمراض المزمنة، كما أن الوضع الاقتصادي يؤثر سلباً على نمو الواقع الطبي".

ويشهد العمل الطبي حالة من التنمّر المتبادل بين الأطباء وعامة الناس، بحسب نقيب الأطباء، بسبب العجز في الإمكانيات الطبية وفشل الأطباء في التعاطي مع بعض المسائل الصحية وتقديم الرعاية الجيدة للمواطنين رغم بذل بعض الجهود، ولكن ضعف الإمكانيات حال دون ذلك، أو لأسباب أخرى خاصة بالطبيب ذاته، مؤكداً أن "كل ذلك خلق حالة من تنمّر الأطباء تجاه العامة أو بالعكس".

التعدّي على المهنة

وإلى جانب ذلك برزت حالة التعدي على المهنة خلال المرحلة الماضية لعدة أسباب، بحسب تامر، أهمها غياب دور الرقابة، ما أدى إلى تعدي الكثير على مهنة الطب والصحة بشكل عام، من خلال تزوير الشهادات الجامعية، ومزاولة العمل الطبي دون أدنى معرفة، ورغم أن النقابات الطبية حاولت جاهدةً مكافحة هذا التعدّي إلا أنه ما زال موجوداً.

وأدت حالة التعدي إلى وجود أخطاء طبية أودت بحياة أشخاص، وهو ما أكده لأورينت الأستاذ عبد الرزاق المحمد، وهو شقيق أحد الذين وافتهم المنيّة جراء خطأ أحد الأشخاص العوام الذين امتهنوا الصيدلة في ريف إدلب الجنوبي.

 وروى المحمد حادثة وفاة شقيقه التي حصلت منذ 3 أعوام قائلاً: "أخي ياسر كان مريضاً بداء السكّري ولديه حساسية مفرطة من أدوية الأنسولين، وفي إحدى نوبات السكري لديه، ذهب لإحدى الصيدليات الموجودة في المنطقة بريف إدلب الجنوبي، ورغم تنبيهه للصيدلي الموجود في الصيدلية على أنه لديه حساسية من حقن الأنسولين، إلا أنه أعطاه جرعة الأنسولين، وحقنة مضادة للحساسية، حسب زعم الصيدلي".

ويقول "لكن سرعان ما اختنق ياسر وبدأ وجهه بالشحوب، وانقطاع التنفس عنده، وبعد الفحص الطبي لجثة أخي، تبيّن أن سبب الوفاة هو الإفراط بجرعة الأنسولين من قبل الصيدلي، والحساسية من هذه الحقنة، ليتبيّن لنا أن هذا الصيدلي ما هو إلا شخص جاهل بكل تركيبات الأدوية ولا علاقة له بعلم الصيدلة إطلاقاً، وأعلى شهاداته الدراسية هي الصف الثالث الإعدادي، ولكنه مارس مهنة الصيدلة خلال شراكته مع أحد صيادلة المنطقة".

الإهمال الطبّي

أما عبد الرحمن الشحّاد تحدث لأورينت نت عن فقدان زوجته لجنينها نتيجة إهمال طبي، حسبما وصفه، وروى الشحّاد تجربته التي أبكته عدة مرات خلال حديثه لأورينت نت، قائلاً: "من الصعب جداً أن أُسامح من كان سبباً بفقدي لابنتي وهي في رحم أمها قبل الولادة بساعات بسبب إهمالهم لها، فقد راجعنا إحدى مستشفيات ريف إدلب الشمالي قبل ولادة زوجتي بساعات، وعاينتها إحدى الممرضات أو القابلات في حين كانت الدكتورة تجلس بعيداً على الكرسي دون النظر إلينا، وبعد لحظات من المعاينة السريعة قرروا تأجيل الولادة القيصرية لعدة أيام، بحجّة أن الولادة متأخرة والجنين بحالة جيدة ومياه الرأس في الرحم ممتازة".

ولكن بعد ساعات قليلة، زادت حالة زوجتي سوءاً فقررنا الذهاب لمشفى خاص، ليتبيّن لنا أن الجنين قد توفي منذ يومين ومياه الرأس في الرحم قد جفّت، بحسب الشحّاد، الذي أضاف "اضطررنا لإجراء عملية وإخراج الجنين قبل تأزّم وضع زوجتي أكثر، وبعد أيام راجعت المشفى الأول الذي أخبرنا أن الجنين بحالة جيدة، وأخبرتهم بما حصل مع زوجتي والجنين، ولكنهم أنكروا ما حصل وطالبونا بتقارير تُثبت ذلك مع الكثير من المماطلة، ما جعلنا أشكو همّي لله وحده".

أما محمد الشيخ تحدث أيضاً لأورينت نت عن تجربته مع بعض الكوادر الطبية خلال مرض ابنته "عائشة" ذات السنوات الثلاث، والتي وافتها المنية بسبب الإهمال الطبي وقلّة الرعاية خلال معاناتها من ضمور في الدماغ.

ويقول الشيخ لأورينت نت: "كانت ابنتي عائشة تعاني من ضمور في الدماغ منذ ولادتها، وبسبب الإهمال الطبي بعد الولادة زادت حالتها سوءاً، وزاد الطين بلّة عدم دراية بعض الأطباء بحالتها وتشخيصها التشخيص السليم، فكل ذلك زاد من حالتها مما اضطرنا لإدخالها العناية المشددة أكثر من مرة".

وتابع: "وقبل وفاتها بأسبوع أدخلناها مشفى للأطفال وكانت الرعاية جيدة، ولكن لن يُصلح العطار ما أفسده إهمال غيره، وبعدها تمّ الطلب بتحويلنا إلى الداخل التركي لاستكمال علاجها، ولكن عدم الاهتمام بنا وبحالة عائشة زاد من حالتها السيئة، حيث قمنا بمراجعة عيادات مشفى باب الهوى أكثر من مرة والانتظار لساعات عدة رغم حاجتها للعناية المركزة، وكل ذلك دون جدوى من إدخالها إلى تركيا، لتفارق الحياة بعد معاناة امتدت لثلاث سنوات، مخلفةً في داخلنا حسرة وقهراً لا يُمكن أن ننساه".

حوكمة العمل الطبي

العمل الطبي في إدلب يشهد الكثير من الحالات الايجابية مقارنة بغيره، ولكن لابدّ من بعض المعوقات والسلبيات فيه، وهذا ما علينا الإشارة إليه، ولعلّ أهم خطوة لتغيير الواقع الطبي للأفضل هي "حوكمة العمل الطبي"، بحسب حديث الدكتور جواد أبو حطب.

ويعتبر الدكتور أبو حطب لأورينت نت أن العمل الطبي في المناطق المحررة أشبه بعمل الشركات في السوق الحرة، ويوضّح ذلك لأورينت نت بقوله: "العمل الطبي في المناطق المحررة يتبع لعدة جهات وهو غير مقونن، فالعاملون في المجال الطبي ليس لديهم أية حقوق فهو يوقّع على استقالته بنفس عقد عمله، والمشافي تعمل حسب رؤية كل جهة تدعمها ووفق إدارتها، ودون محاسبة لمخالفي مزاولة المهنة".

ويكمل أبو حطب: "غياب مؤسسات الحوكمة كوزارة الصحة والمديريات والنقابات عن متابعة وتنظيم العمل الطبي، كل ذلك سيزيد من سوء العمل الطبي بعكس ما إذا تمّت قوننة هذا العمل وحوكمته بشكل سليم، وحينها سنشهد خدمات صحية جيدة وتأدية لعمل مميز في هذا المجال، ينعكس إيجاباً على المواطنين".

وهذا ما دعا إليه الدكتور وليد تامر نقيب أطباء الشمال بقوله: "التعدّي على المهنة الطبية بشكل كبير وواضح جداً من خلال تزوير الشهادات أو الخبرات والاختصاصات، وغياب التنسيق بين المنشآت الطبية كعدم وجود قاعدة بيانات مشتركة فيما بينها، وعدم وجود مرجعية واحدة للمجال الطبي، وإنما تعدد المرجعيات حسب تعدد المانحين، كل هذه الأسباب أدت إلى ضعف الواقع الطبي، ولذلك نحتاج لنظام حوكمة واحد يجعل هذا المجال كالجسم الواحد".

وبحسب رأي الدكتور تامر فإن، "حوكمة العمل الطبي ستنظم هذا العمل وتجعل الاستجابة جيدة، فإذا نظرنا إلى خريطة توزّع المنشآت الطبية نجد بعض المناطق شبه خالية من هذه المنشآت ومناطق أخرى مكتظة بها، ولهذا وجود جهة واحدة في العمل الطبي هو أساس تنظيم العمل وتحسين الواقع الطبي في المناطق المحررة".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات