الحسكة في قبضة قسد: سوريا الديمقراطية.. ديوك الأمر الواقع

الحسكة في قبضة قسد: سوريا الديمقراطية.. ديوك الأمر الواقع
لا يحتاج الفيديو الذي بثته وكالة فرانس برس (AFP) في التاسع عشر من الشهر الجاري وتداولته الوكالات ورواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى كثير من الشرح والتفنيد، إذ يكفي ما جاء على لسان مراسل القناة في بداية الفيديو "في مدينة المالكية في شمال شرق سوريا، يتهافت رجال ونساء وأطفال فور وصول أي شاحنة إلى مكبّ للنفايات، حيث يبحثون عن عبوات بلاستيكية لبيعها وثياب لارتدائها أو حتى بقايا طعام يسدّون بها جوعهم". لتعرف أي مسغبةٍ وأي هوان باتت ترزح تحته محافظة الحسكة الواقعة في ظل سيطرة ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية "قسد". 

وبإمكان المتابع للشأن السوري وأحوال الناس هناك أن يضيف هذا الفيديو كمشهد متممّ للفيلم الحياة اليومية الكارثية التي يعيشها المواطن "ملعون النَّفَس" في كافة أنحاء "بلد الطوابير".

الحسكة التي تعتبر السلة الغذائية لسوريا لامتلاكها أقوى عناصر الاقتصاد المتين، عانت منذ استيلاء حزب البعث على الحكم عام 1963 من تهميش في كافة القطاعات، وإفقار متعمد على الرغم من ادعاء الحزب اتباعه سياسات داعمة للزراعة، كالإصلاح الزراعي ودعم المنتجين الزراعيين وتمثيلهم في الدولة، الأمر الذي تفاقم قبيل سنوات من اندلاع الثورة السورية ليصل إلى هجرة داخلية جماعية لأبناء المحافظة باتجاه المحافظات الأخرى بحثاً عن الرزق وسد الرمق، ولا أظن أحداً ينسى منظر خيام "الحسكاويين" في مناطق درعا وريف دمشق وغيرها. فضلاً عن هجرة الشباب بأعداد هائلة إلى خارج البلاد خصوصاً إلى لبنان.

طريقنا إلى التهلكة!

لم تختلف الحال كثيراً حين بسطت ميليشيا قسد أو ما يعرف بـ " قوات سوريا الديمقراطية" سيطرتها على كافة أنحاء المحافظة إثر معاركها مع تنظيم داعش، السيف الذي جزّ عنق "سوريا الحرة" في المنطقة؛ إذ اتبعت "قسد" وإدارتها الذاتية سياسة التهميش ذاتها والتجويع عينه وبأساليب لا تقل قبحاً وإذلالاً عن أساليب "سوريا الأسد" حتى باتت المحافظة، وبكافة مكوناتها المغلوبة على أمرها، على شفا حفرة من الموت جوعاً وعطشاً وقهراً. ولم يوفر ديوك مزبلة الأمر الواقع قطاعاً أو مفصلاً من مفاصل الحياة إلا وأوصلوه إلى التهلكة.

شكلت مسألة التجنيد الإجباري أو ما يعرف بواجب الدفاع الذاتي كابوساً يؤرق الشباب القاطنين في عموم منطقة شرق الفرات، وهو تجنيد فرضته قسد منذ بداية وجودها في المنطقة، ولا يختلف كثيراً عن التجنيد الإلزامي في "جيش النظام" إلا من حيث مدة الخدمة والرواتب، مما دفع الشباب ممن هم في السن المطلوبة إلى الهرب من المنطقة أو التحرك ضمن دوائر ضيقة متخفين عن أعين الدوريات، وبذلك قضت على مستقبلهم وطموحاتهم وجعلت منهم عاطلين عن العمل لا يمكنهم الخروج لكسب لقمة عيشهم، ومن يضطر للالتحاق يساق إلى الموت على جبهات قتال لا ناقة له فيها ولا جمل.

إن الفساد في  شعب التجنيد التابعة لـ (قسد) يضاهي الفساد الموجود في شعب تجنيد نظام الأسد بل ثمة من يرى أنه تفوق عليه، حتى إن بعض رؤساء شعب التجنيد يتعاملون مع رؤساء المفارز الأمنية التابعة للنظام ويقومون بتسليم المطلوبين إليها، كما يفعل رئيس الشعبة الموجودة في المربع الأمني في الجوادية /جل آغا/ بحسب شهادة الأهالي. 

ومن نافل القول إن التجنيد يستهدف أبناء الفقراء -عرباً وأكراداً-  والطبقات المستضعفة من المجتمع في حين يتم التغاضي وإعفاء أبناء القيادات والكوادر والطبقات المتنفذة ولا يشملهم الواجب المفروض أو على الأقل يقضون خدمة إدارية بعيدة عن رحى الحرب.

على خطى شبيبة الأسد!

لا توفر (قسد) طريقة لاستقطاب الشباب والشابات إلى محرقتها العسكرية، وخصوصاً القُصّر منهم، عبر الإغراءات والأفكار التحررية البراقة التي تدغدغ مشاعر هؤلاء الأطفال (القضية، استقلالية الشباب، تحرر المرأة، نبذ تخلف المجتمع الشرقي والسلطة الأبوية ..إلخ)؛ وتشير كثير من الدلائل والشهادات إلى قيام ما تسمى "حركة الشبيبة الثورية" وهي  حركة شبيهة بـ (منظمة شبيبة الثورة) التابعة لحزب البعث سيئ الصيت؛ تقدم برامج ترفيهية ودورات ونشاطات مختلفة، تقوم بإقناع الشباب المنتسبين إليها بالتطوع ضمن صفوف المقاتلين، عبر إغوائهم بمزايا التجنيد واستغلال حماسهم ويفاعة تفكيرهم؛ حدثني ع.خ (16 عاماً) وهو مراهق من المكون الكردي: "ذهبت للانتساب إلى دورة الموسيقا التي تقيمها الحركة، فتقرب مني أحد العناصر فيها وقدم لي السجائر وأخبرني أنهم سيسعون لأن تكون لي مكانة مهمة (سيارة وحراسة ..إلخ) ولن أعود في حاجة والدي، وبعد حديث طويل اتفقنا على موعد أحضر فيه إلى مقر الحركة ليأخذوني إلى قنديل، لولا أن خالي كان يراقب ما يجري فمنعني من العودة إلى هناك وحذرني منهم".

وكذلك تقول (ف.أ) وهي فتاة كردية في الصف الأول الثانوي: "إن الحركة أرسلت "كادر أنثى" إلى المقر  وأخذت تستقطب الفتيات بأفكارها حول المجتمع الشرقي وتحرر المرأة؛ فأصبحت بعض صديقاتي يترددن إلى مقر الحركة ومن ثم اختفى بعضهن، وعدن بعد فترة رفقة زملاء لهن بسيارات عسكرية وأسماء حركية، منهن صديقتي التي عادت باسم كجا قامشلو".

بدأت قسد بتعزيز تحصيناتها منذ البداية من دون أدنى مراعاة للبنى التحتية والشوارع والبيوت المتهالكة، فأخذت شبكات الأنفاق تغزو كل مدن الحسكة لتمر أيضاً من تحت المدارس بما فيها المدارس الابتدائية، هل يمكن لعاقل أن يتصور مدرسة فيها مئات الأطفال تستند على نفق قد ينهار في أي لحظة؟! 

عسكرة الشارع

بالطبع ما دامت هذه القوات تسعى إلى عسكرة الشارع لن تهتم بالإجابة عن هذا السؤال؛ بل إنها تعتبر قطاع التعليم مستهدفاً بالدرجة الأولى وتحاول هدمه من خلال أنفاقها، وعبر سلسلة فساد متصلة ببعضها البعض؛ فهيئة التربية والتعليم التابعة لما يسمى الإدارة الذاتية لقسد لا يمكن وصفها إلا على أنها هيئة الضياع والتجهيل، فهي تقوم على توظيف حاملي الشهادات المزورة دون التدقيق في هذه الشهادات من ناحية، وتتكون الإدارة في الثانويات، من مدير ومديرة لا يحملان في الغالب إلا شهادة الثانوية العامة ويشمل ذلك رؤساء المجمعات التربوية وموجهيها، ومن ناحية أخرى يُهمَل حملة الشهادات العليا وخريجي الجامعات بحجة عدم اعتراف الإدارة بشهادات النظام؛ وفي هذه النقطة بالتحديد هناك فساد واضح للعيان؛ إذ يسمح لأبناء الكوادر بالذهاب إلى المدارس التابعة لوزارة تربية النظام بينما يعاقب عامة الشعب ويجبرون على إرسال أولادهم إلى مدارس قسد؛ ونقلاً عن لسان أحد الأصدقاء الذي عمل مدرساً في إحدى المدارس هناك فترة من الزمن: "في القحطانية /تربي سبي/ مثلاً سمح مسؤول قوات الحماية الجوهرية عبد الغني ملكي لابنه أن يقدم امتحان شهادة التعليم الأساسي في مدارس وزارة التربية، وكذلك ترسل شاميرام دنحو مسؤولة المتابعة بلجنة التربية والتعليم في مجمع القحطانية ابنها مكسيم للدراسة في مدارس وزارة التربية، بينما يحاضران بالطلاب وأهاليهم بضرورة مقاطعة هذه المدارس ويبثون بينهم أفكار قسد الخلبية". 

ويضيف: "مهمة المجمع هي السرقة والاختلاس دون الاهتمام مطلقاً بالواقع الخدمي للمدارس التي تعاني من تصدع الأبنية وعدم وصول المياه إليها، ومن أشكال الفساد أيضاً أنهم يقومون بفصل المدرسين دون رفع أسمائهم إلى المالية في القامشلي، وكذلك يتم زرع مخبر أمني بين المدرسين في كل مدرسة مهمته إيصال حال المدرسين وأحاديثهم إلى الجهات الأمنية...".

وبالتالي يكون هذا الفساد سلاحاً ذا حدين؛ فهو يحرم الطلبة من فرصة اكتساب تعليم حقيقي، وشهادة علمية معترف بها، وفي الوقت نفسه يحرم الخريجين والمعلمين من فرصة عمل يؤمنون بها خبز يومهم.

حرائق المحاصيل المفتعلة 

إن حرائق المحاصيل الزراعية المفتعلة التي حدثت في العامين الماضيين، ما هي إلا وجه آخر من وجوه الإذلال الممنهج التي تمارسه قسد على أهل المنطقة، ولست بصدد سرد الأدلة والشهادات – بعضها ممن يخدمون معهم - التي توجه أصابع الاتهام إليهم وتدل على ضلوعهم في الحرائق بشكل لا يقبل الشك، وكذلك التقصير في إخماد تلك الحرائق، وعدم تعويض المتضررين، والتلاعب الذي يحصل سنوياً بأسعار المحاصيل الأساسية التي تعد مصدر الدخل الرئيسي للفلاحين، وصولاً إلى فقدان، أو بالأحرى سرقة مادة الطحين من الأفران؛ هذه العوامل مجتمعة تصب في صالح العسكرة، وتدفع الشباب للتطوع –قسراً- ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية، وقد لوحظ ازدياد عدد المتطوعين بشكل كبير بعد الحرائق الكبرى التي حصلت في عام 2019، إذ لا خيار ولا مفر من الجوع إلا إلى السلاح..... أو المزابل.

عوداً على ذي بدء؛ سيارة قمامة، عشرات الناس يركضون باتجاهها بحثاً عن أي شيء أو لا شيء، على بعد أمتار قليلة في خلفية المشهد حفارة بترول، وسيارة "هامر" تحمل العلم الأمريكي تقطع الطريق جيئة وذهاباً .. كم يصلح هذا الفيديو أن يكون "برومو" لتاريخ سوريا الحديثة.

التعليقات (1)

    منى

    ·منذ سنة 6 أشهر
    الله ياخدن
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات