بعد ثلاث سنوات من التهجير: كيف يعيش أبناء غوطة دمشق في إدلب؟ وما المهن التي أحضروها معهم؟

بعد ثلاث سنوات من التهجير: كيف يعيش أبناء غوطة دمشق في إدلب؟ وما المهن التي أحضروها معهم؟
تعود بنا الذاكرة إلى قبل ثلاث سنوات خلت، إلى محافظة ريف دمشق، إلى منطقة غوطة دمشق على وجه التحديد التي سطرت أروع الملاحم في وجه استبداد نظام أسد، وعاشت لخمس سنوات وهي خارج سيطرة ميليشياته، تلوك ليالي الحصار المر بصبر الرجال، وعزم الأحرار الشرفاء الذين غادروا أرضهم ولم يحنوا للذل جباههم.  

تعود بنا الذاكرة من جديد لننفض غبار النسيان عن مشاهد التهجير التي أعقبت ثبات أهالي الغوطة الأسطوري، والمآسي المتكررة للأهالي والمهجرين من تلك المناطق الذين ركبوا الباصات الخضر نحو إدلب في شتاء 2018، كعقابٍ جماعي لهم بعد أن ارتكبوا المحرمات بنظر جلاديهم وتشبثوا بمطالبهم بالحرية والعيش الكريم.

الباصات الخضراء... والطريق للمجهول

ولولا المزعجات من الليالي 

لما هجر القطا طيب المنامِ

بهذه الكلمات الرقيقة التي تشي برقة طباع أهل الشام، بدأ الحاج (أحمد العثمان)  المهجر من منطقة الغوطة حديثه الممزوج بالحرقة والألم، "لا يمكن نسيان زمان ومكان خروجنا من الغوطة الشرقية على متن الباصات الخضر،  بالنسبة لي كان مشهدا يختصر كل ما عرفته البشرية من أشكال القهر والظلم، الشهر الثالث من عام 2018، ذكرى الموت قبل الموت، مع النظرة التي قد تكون الأخيرة للبيوت والأشجار وعبق الياسمين، ما زلت أتذكر دموع الناس حولي وأنا لا أملك معرفة مكان أو وجهة نذهب إليها في ذلك التيه، مع التسليم التام لما يخبئه القدر لنا".

لا يختلف الحال كثيراً عند (محمد الأحمد) والذي حدثنا عن تلك اللحظات قائلاً: "خرجنا من الغوطة بعد أشرس حملةٍ عسكريةٍ عرفها التاريخ الحديث، خرجنا على ثلاث مراحل، الأولى مدينة حرستا والثانية القطاع الأوسط والذي يضم عربين وكفربطنا وسقبا وحمورية، والثالثة والتي تضم مدينة دوما، في مشهد حزن و وداع أخير فاق حجم القصف والدمار الذي أحدثته طائرات النظام ودباباته.

النقطة صفر.. وبداية المشوار

عشرات الحافلات وعلى متنها مئات الأشخاص وصلت إلى مدينة قلعة المضيق في ريف حماة الغربي والمعروفة بالنقطة صفر المرحلة الأولى لوصول المهجرين إلى الشمال السوري، لتتعدد بعدها الوجهات وتختلف الإقامة.

(علي بخيت) من أهالي بلدة  المليحة في الغوطة الشرقية تحدث لأورينت نت "استقبلتني في سهل الغاب عائلة لا أعرفها وما رأيت منهم إلا كرم الضيافة وحسن المعاملة، وبقيت عندهم لعدة سنوات، حتى نزحنا سوية إلى محافظة إدلب مع الحملة العسكرية الأخيرة لنظام أسد عام 2019، لنتفرق كحال أي مجموعة نازحة إلى كافة المناطق المحررة ولاسيما بلدتي كفريا والفوعة اللتين تعتبران أكبر تجمع لمهجري أهل الشام عموماً وأهل الغوطة الشرقية خاصة.

صناعة الكونسروة ومطاعم الأكلات الشعبية

مع مرور الأيام وامتصاص صدمة التهجير، والهدو النسبي للأعمال العسكرية، كان لابد  من التأقلم إلى حدٍ ما مع المعطيات الجديدة والعمل الجديد والأشخاص الجدد وحول هذا الأمر يحدثنا (سعيد المصري)  المهجر من مدينة (عربين) قائلاً: 

"بعيداً عن المشاعر والقسوة التي عايشناها بعد هجرنا للديار والأهل، لا بد لعجلة الحياة من الاستمرار فهي لا تقف عند شخص أو موقف أو حتى ذكرى..ويجب علينا تأمين القوت لأطفالنا وعيالنا.. ولهذا قمت مع مجموعة من الشوام على إعادة افتتاح محلات ومعامل الكونسروة والمعلبات (حفظ وتعليب الفواكه والخضراوات الموسمية) في مدينة إدلب باعتبارها مهنة العائلة بل مهنة الغالبية من أهالي مدينة عربين والغوطة الشرقية عموماً، والتي اشتهرت بها تاريخيا منذ نحو قرن من الزمان حين أنشئ أول معمل للكونسروة في شارع بغداد بدمشق، ليستفيد من تعليب وحفظ وتصدير فواكه الغوطة الفائضة عن حاجة الموسم".

وإلى جانب العمل بهذه المهنة، باتت تنتشر عدة محلات ومطاعم خاصة بأهل الشام ومهنهم ويعمل فيها كثير من العمال.. فقد حمل أبناء الغوطة معهم حبهم للعمل، وهمتهم العالية، وإيمانهم العميق بالعمل الشريف لتحصيل لقمة العيش كي لا يمدوا يدهم لأحد.. حملوا حتى مفرداتهم الصغيرة فتحولت كلمة (صلح) التي تقال في مطاعم الفول والحمص كي يضيف البائع إلى صحن الزبون الذي يكاد أن يفرغ.. تحولت إلى اسم مطعم لتقديم هذه الأكلات الشعبية.. التي يزينها عمال من أبناء الغوطة، وجدوا لدى أهل إدلب مجالاً للعمل وطيب المعشر.

أشخاص بدلوا مهنتهم

لم يتمكن كل أبناء الغوطة من أن يمارسوا العمل أو المهنة التي كانوا يعملون فيها، حيث يضيف ابن مدينة (عربين) في غوطة دمشق الشرقية، (سعيد المصري) قائلا:

 " هناك عدد كبير من أصحاب المهن والحرف الذين لم يسعفهم الحظ بنقل مهنهم إلى مناطق تهجيرهم بسبب ضعف الوضع الاقتصادي بالعموم، وهؤلاء اكتفوا بالعمل  في ورشات صغيرة او مهن مختلفة لم يكونوا يعملون فيها من قبل، فلقمة العيش صعبة ".

وهذا ما أكده (سعيد الحاج علي): "كنت معلم موبيليا وحفر على الخشب في قرية (سقبا) بالغوطة الشرقية التي تشتهر بصناعة الموبيليا في الشام كلها، وكنت أملك ورشة كبيرة وعددا من العمال، ولكنني اليوم وبسبب التهجير وغلاء المعيشة وارتفاع إيجار المنازل والمحلات أعمل عتالا في سوق الهال في مدينة (معرتمصرين)، ولا حول ولا قوه إلا بالله".

سنعود مرفوعي الرأس

لكن الحاج سعيد الممتلئ بالشرف والكرامة لم يفقد الأمل.. ولم يهزم التهجير المر عزيمته وإيمانه ولهذا يقول لنا: 

  "عندي يقين كغالبية المهجرين من أبناء الغوطة بأنني سأعود مرفوع الرأس إلى دمشق، وأعيش فيها بقية حياتي بين أهلي وناسي فلابد من يوم تشرق فيه شمس الحرية من جديد، مهما حاول مجرمو العصر أن يخبئوها خلف رائحة البارود، فالعودة حقٌ مشروع لا يزال يلوح في فضاء الآملين".

الجدير بالذكر ان 73694 شخصا من الغوطة الشرقية وشرق القلمون نزحوا الى الشمال السوري في فترة التهجير القسري اللتي امتدت من 14 آذار ولغاية 11 آب لعام 2018 وذلك بناء على اتفاق الخروج بعد اتباع سياسة الأرض المحروقة من قبل الاحتلال الروسي والميليشيات الطائفية والتي أمطرت أرض الغوطة بالقصف العنيف منذ الأشهر الأخيرة من عام 2017  وهدفت هذه الحملة لتطبيق سياسية التغيير الديموغرافي من قبل ميليشيا أسد بحق المدنيين الأبرياء والسكان الأصليين.

التعليقات (2)

    محمد

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    سنعود

    انفه

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    اخيتصم
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات