طرابلس الشام: أكبر معاقل السنة في لبنان والمدينة التي ناصبت حافظ الأسد العداء

طرابلس الشام: أكبر معاقل السنة في لبنان والمدينة التي ناصبت حافظ الأسد العداء
طرابلس أو "تريبولس"..ثاني أكبر مدن لبنان بعد العاصمة بيروت، سُمّيت بـ"طرابلس الشام" أو "طرابلس الشرق" كتمييز لها عن العاصمة الليبية "طرابلس الغرب".

تتموضع المدينة التي نشأت سنة 700 قبل الميلاد على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط، ماجعلها مركزاً تجارياً وصناعياً حيوياً للبنان. احتضنت حضارات خُلّدت فيها قلاعٌ عسكريةٌ ومساجد وحمّامات ومدارس وأسواق بينها مساجد البهاء والمدرسة العجمية والنووية.

إلا أن لغز اسمها  لايزال كامن في أصله اليوناني والذي يشير إلى "المدن الثلاث" في إشارة إلى اتحاد ثلاث مدن في العهد الفينيقي، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى مدينة "أمّ الفقراء" مطلع القرن العشرين.

حروب أسد ضد عرفات

ومع بدايات القرن العشرين، أضحت المدينة_ والتي تبعد عن الحدود السورية نحو أربعين كيلو متراً_ ملاذاً لقيادات سياسية ومسرحاً لأبرز الأحداث العسكرية الدامية، حيث استقطبت المدينة قادة في المقاومة الفلسطينية واستقر فيها عدد من أعضاء منظمة "التحرير الفلسطينية".

في الثاني عشر من شهر تشرين الثاني عام 1983 شنّ جيش أسد هجومه على مدينة طرابلس مستهدفاً قوات فتح بقيادة ياسر عرفات، وكانت تسيطر على المدينة آنذاك حركة التوحيد بقيادة الشيخ سعيد شعبان وبدأت مدفعية جيش أسد بالاشتراك مع قادة عدد من المنظمات الفلسطينية الموالية له كالصاعقة بقيادة أحمد أبو موسى وأحمد جبريل بصب حممهم على المدينة.

وعمدت مخابرات أسد منذ السبعينيّات على اختراق التنظيمات الفلسطينية لسحب الورقة الفلسطينية من يد ياسر عرفات وإلغاء شرعيته عنها واستحواذ حافظ أسد عليها بدلاً منه وإحداث انشقاقات عنه، مادفع بعرفات إلى الانضمام بالقوات الموالية للشرعية الفلسطينية بقيادة خليل الوزير، ومعاودة قتال أحمد أبو موسى وأحمد جبريل.

تسببت المعارك في سقوط مخيمي نهر البارد والبداوي ومقتل ألف شهيد فلسطيني، لينتهي الصراع  باتفاق عربي أفضى إلى إخراج عرفات ومنظمات موالية له من طرابلس بحراً في كانون الأول من العام 1983، شريطة عدم دخول جيش أسد إلى المدينة.

طرابلس..معقل السنّة 

فشل أسد في اقتحام المدينة التي مثلت مركز الإسلام السني والتي أججت حقده على المدينة، وبعد مناوشات بين جبل محسن ذات الأغلبية العلوية وأحياء المدينة المتاخمة له، شنّت الأحزاب الموالية لنظام أسد في خريف عام 1985 هجوماً واسعاً على طرابلس والميناء باستخدام الراجمات والمدافع الثقيلة ومدفعية الدبابات، ترافق مع قطع للماء والكهرباء والمحروقات في حصارٍ استمرّ ثلاثة أسابيع، حتى استسلمت المدينة.

وبعد خنق طرابلس، عاودت المخابرات السورية تصفية المئات من الموقوفين اللبنانيين وقادت آخرين إلى معتقلات مجهولة، ونفذّت عمليات اغتيال بحق قادة، أبرزهم زعيم باب التبانة خليل عكاوي الذي منع طوال زعامته من ولوج قوات أسد الأب إلى الأحياء الداخلية من طرابلس.

لكنه تعرض إلى اغتيال في 9 شباط عام 1986 بكمين بعد عودته من اجتماع ضم قيادات من التوحيد والمخابرات السورية، لتعود المخابرات في 19 من كانون الأول عام 1986 دخول الأحياء وارتكاب مجازر حصدت أرواح خمسمئة شهيد بينهم نساء وأطفال.

محسن والتبّانة

في عام 2005، تحوّلت المدينة إلى معقلٍ لمعارضي نظام حزب البعث في سوريا بعيد انسحاب ميليشيا أسد المنتشرة في البلاد. وخلال الفترة ذاتها كان الفقر ومعدلات البطالة تنهش من لحم قاطني المدينة و أطرافها، فـ"باب التبانة" أشهر معالم المدينة وأفقرها نافس قاطنوها من ذوي الأغلبية السنية على المركز الأول ضمن مؤشر الحرمان بنسبة 91% استناداً إلى تقرير الألفية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

على مقربة من باب التبانة، يطل جبل محسن على مركز مدينة طرابلس، ويضم كلاً من أحياء المشارقة والأمريكان والبقّار، وحارة جلول، وحارة الجامع، والحارة الجديدة، وحي المهاجرين، وحي السيّدة، والربية وغيرها من الأحياء.

لاتوجد إحصائية رسمية عن عدد سكان الجبل، لكنه يقدّر بعشرات الآلاف، غالبيتهم من الطائفة العلوية تربطهم صلات قرابة ووشائج قوية مع علويي سوريا، الموالين لنظام أسد. التقارب جغرافياً والتنافر دينياً وسياسياً جعل طرابلس على شفير اشتباكات دائمة مع علويي جبل محسن والتي تجلّت إبان الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990). 

في الربع الثاني من العام 2008 تسرّب إلى العلويين خبر تشكيل جماعة إسلامية تسمّي نفسها "فتح الإسلام" لتكون على استعداد لصد أي عدوان محتمل من العلويين، فأعاد الحزب هيكلة نفسه عسكرياً، لتتجدد الاشتباكات بين الطرفين تسببت في وقوع قتلى. واستمرت الاشتباكات تحصد في أرواح نحو أكثر من ثلاثين مدنيّاً على مدار ثلاثة أشهر، لينتهي الأمر باتفاق هشّ بينهما. 

فرز سياسي عسكري

ومع انطلاقة الثورة في سوريا عادت الاشتباكات إلى الواجهة، وظهر فرز سياسي وعسكري حاد بين أهالي مدينة طرابلس، تمثّل في وقوف أهالي المدينة مع مطالب الشعب السوري ضد أسد على خلاف علويي جبل محسن.

واندلعت اشتباكات بين الطرفين في حزيران من العام 2011 جاءت على خلفية تظاهرة مؤيدة خرجت في باب التبانة ذات الأغلبية السنيّة نصرةً للثورة السورية. مالبثت أن انزلقت المدينة في العام 2012 باشتباكات عسكرية متفرقة استخدم فيها قنابل صاروخية وقذائف.

مع مضي اليوم الخامس على انتفاضة طرابلس، بدأت أحداث الاحتجاجات تأخذ منحىً تخريبياً لطمس سجلات المدينة وأهاليها، إذ اقتحم مجهولون لم تُعرف هويتهم مقرات حكومية وأضرموا النيران فيها.

في حين لم تعاجل قوى الأمن والشرطة أياً من محاولات المجهولين التسلل إلى المقار الحكومية وإحراقها، الأمر الذي دفع بمسؤولين لبنانيين للتساؤل حول ذلك. ونفى ناشطون تورّطهم في أي عمل تخريبي لحقَ بالمدينة.

بينما تحدّثت مصادر خاصة لأورينت عن وجود صراع بين القوى الأمنية اللبنانية التي يحاول بعضها تسجيل نقاط ضد بعضها الآخر من بينها ميليشيا حزب الله عبر أذرعها العسكرية في المنطقة منها سرايا المقاومة والعلويين المتمركزين في جبل محسن ومن وراءهم مخابرات نظام أسد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات