ملف اللاجئين السوريين في تركيا: قضية إنسانية أم ورقة ضغط محلية ودولية؟

ملف اللاجئين السوريين في تركيا: قضية إنسانية أم ورقة ضغط محلية ودولية؟
لطالما كانت قضية اللاجئين السوريين تشكل مسألة اختلاف رأي و وجهات نظر في تركيا سواء على صعيد الأحزاب السياسية  أو على صعيد الطبقة الشعبية، وذلك لارتفاع أعداد اللاجئين حيث إن تركيا تستضيف 3.645.557 لاجئاً سورياً وفقًا للإحصاءات الصادرة عن جمعية اللاجئين التركية في كانون الثاني/ يناير 2021 موزعين في المخيمات والعديد من المدن التركية، مما يعكس أثراً كبيراً على الديموغرافيا والاقتصاد والسياسة ونسيج المجتمع التركي.

 

كما أن اختلاف طريقة استخدام هذه القضية في الأجندة السياسية والاقتصادية من قبل الأحزاب التركية، كان يؤجج تضارب الآراء على المستوى الشعبي حسب الانتماء السياسي. ولربما شهد البعض جدالاً وقع بين مواطنين تركيين أحدهما معارض للحزب الحاكم يهاجم لاجئاً سورياً والآخر مؤيد له يدافع عنه. 

وقد كان أسلوب التعامل مع قضية اللاجئين السوريين من الناحية السياسية كالتالي:

- حكومة حزب العدالة والتنمية:

تعامل الحزب الحاكم في تركيا مع قضية اللاجئين السوريين بأسلوبين رئيسيين: 

1- كقضية إنسانية:

اتبعت تركيا  منذ بداية الأزمة السورية "سياسة الباب المفتوح" حيال اللاجئين السوريين القادمين من بلادهم فرارا من موت على يد نظام الأسد الظالم. والتزمت بمبدأ "عدم الإعادة" في الحدود، وذلك في إطار الالتزامات الدولية الملقاة على عاتقها.ومنحت الحكومة التركية اللاجئين السوريين "إقامة لجوء" سُميت بالكمليك وتعني باللغة بالتركية الهوية الشخصية. وتقدم إقامة لجوء (الكمليك) مزايا عديدة للاجئ السوري كحق التعليم والرعاية الصحية والحصول على المساعدات، وإذن العمل حسب تعليمات وزارة الأسرة والعمل والشؤون الاجتماعية التركية، وتسجيل المواليد وتثبيت الزواج والطلاق والوفاة، وحق البقاء في تركيا إلى أن يعود إلى بلاده بشكل طوعي، ولكنها تفرض عليه الإقامة في الولاية التي سجّل فيها أول مرة، لا يسمح له بالسفر إلى ولاية أخرى دون إذن سفر مسبق يتم استصداره من ولايته.

كما تم تخصيص مبلغ 120 ليرة تركية في كل شهر لكل فرد من أفراد الأسرة السورية عبر بطاقات الهلال الأحمر التركي. إضافة إلى ذلك قامت رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، بإنشاء 26 مركزاً مؤقتاً لإيواء اللاجئين السوريين في عموم تركيا، لتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية للاجئين إلى جانب إعداد دورات وبرامج لتعليم مهن وحرف يدوية. وقامت آفاد بالتعاون مع وزارة التربية التركية، بالإشراف على  تعليم مئات الآلاف من لاجئين السوريين، ابتداءً من مرحلة الحضانة حتى الثانوية.

ولم تقتصر المساعدات التركية للاجئين السوريين على أراضيها فقط وإنما أرسلت مساعدات إلى الداخل الأراضي السورية، حيث تجاوزت قيمة هذه المساعدات الإنسانية 1.75 مليار ليرة تركية.

أضافة إلى ذلك تم منح 79 ألفا و 820 لاجئاً سورياً الجنسية التركية بحسب تصريحات وزير الداخلية التركي سليمان صويلو عام 2019.

2- كورقة ضغط على الدول الأوروبية

ومن جهة أخرى لم يتوانَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استخدام اللاجئين كورقة ضغط تجاه الاتحاد الأوروبي، حيث قام ولعدة مرات بتهديد الدول الأوروبية بفتح الأبواب الحدودية أمام اللاجيئن والسماح لهم بالتوجه إلى صوب الحدود الأوروبية. فتارةً كان يهددها بهدف جعل الاتحاد الأوروبي يضغط على قوات الأسد وداعمه الروسي لإيقاف هجومهم العسكري في شمال سوريا وخصوصاً في إدلب بحجة أن تركيا لا تستطيع استقبال المزيد من اللاجئين السورين في أراضيها، وتارةً للحصول على دعمها للعمليات العسكرية التركية في الأراضي السورية بحجة تشكيل منطقة آمنة في الشمال السوري يقيم فيها اللاجئون سواء الجدد أو المقيمين في الأراضي التركية. وتارة أخرى للحصول على الأموال من أوروبا حيث كان يشير بأن الاتحاد الأوروبي لا يفي بالتزاماته تجاه تركيا في مسألة اللاجئين من خلال تقديم مساعدة مالية بمقدار 6 مليارات يورو مؤكداً أن بلاده أنفقت 40 مليار دولار على اللاجئين.

- الأحزاب السياسية التركية المعارضة

أما فيما يتعلق بسياسة المعارضة التركية، فقد قامت باستغلال القضية الإنسانية للاجئين السوريين في تركيا، في صراعها السياسي مع حكومة حزب العدالة والتنمية التركي، حيث تبنت الأحزاب المعارضة التركية المتمثلة في حزب الشعب الجمهوري، وحزب الجيد، سياسة مضادة تجاه اللاجئين. 

استخدمت المعارضة التركية قضية اللاجئين إلى جانب الأزمة الاقتصادية في تركيا لإبراز فشل حكومة حزب العدالة والتنمية التركي في إدارة البلاد. فكان رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كليتشدار أوغلو يثير دائماً ما يمثله اللاجئون السوريون من عبء على ميزانية الحكومة التركي وأن الحكومة تقوم بصرف الأموال عليهم من الخزينة العامة للدولة المخصصة للمواطنين الأتراك. والمثير للجدل أن هذه الادعاءات التي كانت تنشر من قبل الأحزاب المعارضة تؤثر في العديد من مؤيدي حزب العدالة والتنمية وهو الأمر الذي أدى، في رأي الكثير من المحللين، إلى  خسارة حزب العدالة والتنمية لبلديتي أنقرة وأسطنبول خلال الانتخابات المحلية الأخيرة لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض.

كما أن المعارضة التركية اتخذت موقفاً موحداً تجاه تجنيس السوريين، حتى أن حزب الحركة القومية المعروف بتوافقه مع حزب العدالة والتنمية أعلن موقفه في مسألة رفض التجنيس، حيث إن رئيس الحزب القومي دولت بهتشلي ذكر في تصريح سابق بأن تصريحات الرئيس التركي المتعلقة بمنح الجنسية للسوريين أمر غير مقبول، وأن منح الجنسية ليس قراراً متعلقا بالحالة الكيفية للسيد الرئيس.

في النهاية ينبغي على اللاجئ السوري أن يدرك جيداً أن حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان وإن كان ظاهرا موقفهم تجاه السوريين إنسانيا إلا أن الحزب يضع مصالحه  وفي مقدمتها الفوز بالانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية، فوق كل شيء وأنه لن يضحي بصوت الناخب التركي في سبيل القضايا الإنسانية. كما أن أحزاب المعارضة لن تدخر جهداً في استغلال أي خطأ يقوم به اللاجئون السوريون لتهاجم الحكومة التركية وتؤكد أن قرار الحزب الحاكم في شأن فتح أبواب حدودها أمام اللاجئين كان خطأ من البداية وأنه يجب إعادتهم إلى بلادهم أي رميهم في أحضان نظام الأسد القاتل. لذا يجب على اللاجئ السوري أن يلتزم بالقوانين واللوائح التركية والتصرف بحكمة تجاه الاستفزازات التي يقوم بها أنصار الأحزاب السياسية المعارضة لكي لا يعطي للمعارضة التركية فرصة حتى تهاجم السوريين. 

• باحث سياسي في الشأن التركي، متابع وموثق لتطور المراحل التاريخ التركي

التعليقات (5)

    ابراهيم

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    كل الشكر لتركيا لمواقفها إتجاه القضية السورية، مقال جيد ومحايد

    Muhammed aldbis

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    أحسنت النشر ما أعجبني في المقال هي حيادية الكاتب ونقده البناء من ابراز الايجابيات والسلبيات لدى جميع الأطراف وهذه بحد ذاتها تعد أمانة علمية وشفافية عالية . نرجو ان يصل صوت ورأي الماتب العقلاني الى جميع الأطراف

    عبدالفتاح صالح عمران

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    الصديق العزيز محمود أسأل الله لك التوفيق والسداد احسنت النشر

    R.k

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    مقال رائع وحقيقي

    علي

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    مقال ممتاز ينقل الواقع السياسي لازمة اللاجئين السوريين في تركيا بشكل جيد
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات