العلويون (2).. مستقبلهم والمخرج من أزمتهم!

العلويون (2).. مستقبلهم والمخرج من أزمتهم!
كنا قد بينا في مقالنا السابق المعنون بـ "من عقيدة الطائفة إلى العقيدة الطائفية" أن مشكلتنا ليست في وجود الطائفة العلوية في سوريا ولا في عقيدتها التاريخية وتعاليمها (مع جهلنا وجهل معظم العلويين بها)، إنما مشكلتنا في عقيدتها الجديدة التي أطلقنا عليها  "عقيدة العصبية الطائفية النصيرية/العلوية" أو "العلوية الأسدية" كما سماها الباحث السوري العلوي سمير سليمان، هذه العقيدة الجديدة التي وضعها حافظ أسد قبل نصف قرن واتبعتها الطائفة النصيرية/العلوية.. وأن مشكلتنا مع هكذا عقيدة جديدة وأتباعها أنها تبرر احتلال الطائفة النصيرية/العلوية للدولة السورية بكل مؤسساتها، وسلوكها كقوة احتلال لسوريا بكل ما يعنيه الاحتلال من استعداد لإحراق البلد الذي يحتله باعتباره بلداً غريباً مقابل البقاء في السلطة بشكل غير شرعي دستوري!

كيف تنجو الطائفة؟

ولكن كيف تزول هذه المشكلة مع هؤلاء وتنجو الطائفة؟ وهو السؤال الذي سنجيب عنه في هذا المقال بعيداً عن التكاذب السائد والذي لا يجدي إلا في خطابات تافهة لمرتزقة يبحثون عن وظيفة برتبة مرتزق لدى المجتمع الدولي، لا لإيجاد حل عملي للكارثة السورية التي صنعها ويتحمل مسؤوليتها الكاملة النظام الأسدي وعقيدته "العلوية الأسدية" المبتدعة وأتباعها.

تزول المشكلة مع الطائفة العلوية كطائفة فقط عندما يزول احتلالها لسوريا عبر تخلي هذه الطائفة (طوعاً أو كرهاً) عن احتلال "الدولة" في سوريا، لتبقى المشكلة بعدها مع أفراد من الطائفة العلوية ارتكبوا جرائم أو استولوا على مناصب ومال، وتعالج هذه المشكلة بالمحاكم العادلة مع تصحيح أوضاع وظائف الدولة المدنية والعسكرية خاصة بتنظيفها من "العلونة" وليس من العلويين كطائفة، ولن يكون ذلك إلا بعودتها كطائفة سورية إلى حجمها من حيث الكفاءة الحقيقية لا التحصيلات الأكاديمية المزيفة المشتراة ولا حتى المحاصصة الطائفية.

برضاها أو رغما عنها

دون ذلك فإن كل ما يحلم به الأقلويون مع المجتمع الدولي (المتخبط وغير المكترث حالياً لكن إلى حين) مجرد أوهام؛ من حل سياسي موهوم يبقي سيطرة الطائفة العلوية على الدولة السورية؛ أو تقسيم سوريا مع تهجير طائفي وإفلات من العقاب؛ فكل تلك أوهام تقود الطائفة النصيرية/ العلوية بمجملها إلى الهاوية، لذلك فإن بداية أي حل سياسي قابلٍ للحياة يكون بانقلاب الطائفة على النظام الأسدي حتى لا تزول معه، انقلابها عليها برضاها أو رغماً عنها، مدركةً أن ضماناتها لا تأتي من الأكثرية السنية ولا في استمرار احتلالها للدولة في سوريا، بل ضماناتها تأتي من داخلها وبيديها بالانقلاب على النظام الأسدي وتسليم مئات وربما آلاف منهم للمحاكم وتسليم السلطة وفق عقد اجتماعي وطني جديد ليعودوا إلى حجمهم الذي يستحقون كوظائف وسلطة في مؤسسات الدولة.

ستلاحظون هنا أن حتى ما سبق من طرح وطني سيثير صراخ نفس الفئة التي يحلوا لها وعن خبث طمس هوية وأهداف الجناة الأقلويين مع أن الجريمة "جمعية"، بينما يرتفع صراخهم عندما ينعكس الوضع في حالات "فردية" لا قيمة لها، فتكاذب وطمس الهويات مسموح لدى هؤلاء باتجاه واحد.

الخروج من العصبية الطائفية!

وفي العموم، وللإجابة على السؤال الأخير الأهم في مقدمة المقال عن المخرج العملي والأفضل لسوريا كوطن ودولة ومؤسسات، ولكل السوريين من كل الأطراف، ومنهم جميع العلويين (لاحظوا عدم استخدامي مصطلح النصيريين هنا)، وبعيداً عن التكاذب ومن أجل وحدة وطنية حقيقية، ولتحفظ مكانتها وتحقق ضماناتها التي صدعت الرؤوس بها؛ على الأقليات من الطوائف والقوميات وعلى رأسها الأقلية العلوية؛ عليها أن تخرج من تمركزها حول العصبية الطائفية والقومية (وأعني بهم كقوميين الانفصاليين من الأكراد) مدمرةً في طريقها الوطن السوري تاريخاً وجغرافيا ومجتمعاً ودولةً في إطار تحالف "شيطاني" أقامته معظم قياداتها السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية على حساب سوريا الوطن وعلى حساب وفي وجه الأكثرية العربية المسلمة التي تشكل عصب الوطن وهويته والتي صنعت دولة الاستقلال الحرة الديموقراطية التي وأدها طائفيو انقلاب 1963 .. على هذه الأقليات أن تخرج من عصبيتها الطائفية والقومية المدمرة وغير المبررة إلى إيمان حقيقي وليس تقية "ذرائعية تنكرية"؛ إيماناً بسوريا الموحدة ذات التاريخ والهوية الثقافية العربية الإسلامية التي لا تقبل النقاش في نفس الوقت الذي تحترم فيه كل حقوق وخصوصية هذه الأقليات، سوريا المواطنة المتساوية كضمان للجميع دون معاملة تفضيلية في دستور أو وضع إداري على أساس عرقي أو ديني، سوريا حقوق الإنسان كقيمة نهائية بدون انتقائية، أي حقوق الإنسان للأكثرية المُضطهدة وليس فقط للأقليات المشاركة بدرجات وأشكال مختلفة في الاضطهاد.

لاحظوا أن الدعوة هنا هي لـ "دولة المواطنة المتساوية، المدنية الحرة الديموقراطية"، ومع ذلك سيبدأ الصراخ الأقلوي متهماً المقال بالطائفية، بالمقابل وبكل وقاحة لا يتوانى هؤلاء الزاعقون من طرح أقلوي وقح يتمثل بتمييز الأقليات بحق نقض وحقوق تمييزية في سوريا المنشودة ودستورها بدل ضمان الحقوق بـ "دولة المواطنة المتساوية، المدنية الحرة الديموقراطية".

صراع مازال مستمرا!

الصراع في سوريا لم ينته كما يحلم الأقلويون وعلى رأسهم العلويون، وسيستمر لسنوات قادمة لكن نهايته وبتأييد وبضغط دولي في لحظة آتية لا محالة سيكون بنهاية آل أسد ونظامهم الطائفي غير قابل للحياة ومدمر أي استقرار إقليمي، والأمر هنا ليس أحلاماً ولا أوهاماً بل قراءة سياسية للتاريخ والجغرافيا والجيوسياسي السوري والإقليمي والدولي وتفصيلها في مكان آخر، ومن هنا تكمن أهمية التحرك العلوي قبل فوات الأوان، فكلما تورطت الطائفة أكثر كلما كان الثمن الذي ستدفعه مستقبلاً أكبر بالإضافة لما دفعته حتى الآن من قتلى ومعاقين وما حصدته من كراهية واحتقار، ناهيك عن تدميرها لسوريا كوطن ومؤسسات وعجزها وافتقارها إلى مقومات إعادة البناء بعد نزوح الصناعة والتجارة والعقول والأيدي الماهرة والعاملة من سوريا، فأصحاب اختصاص "عسكر ومخابرات وميليشيات" القمع والقتل والتشبيح والتعفيش والتقارير ليس من يعاد بناء سوريا بسواعدهم، بل هم اختصاصيو هدم كما ثبت خلال نصف قرن.

يعلم العلويون أن المهزوم لا حقوق له حتى وإن كان على حق، وهو ما يعملون له كطائفة بحقنا كعرب سنة ساعين لهزيمتنا وسحقنا وإذلالنا وقتلنا ونهبنا وتهجيرنا وإذلال واستعباد من سيتبقى منا في سوريا، يعملون لأجل ذلك دون أي وازع وطني أو أخلاقي أو إنساني وعن سابق تصميم وعلم وبتبرير منهم لكل هذه الجرائم التي انغمسوا بها بحماس كأداة بيد النظام الأسدي مفق عقيدتهم الجديدة "العلوية الأسدية"، لكن ولأن "المهزوم لا حقوق له" ولأن الصراع لن ينتهي مهما طال إلا بهزيمة ساحقة تستأصل النظام الأسدي من سوريا؛ فعليهم أن يعلموا أن ما ينتظرهم عندها مصير سيء ولو أنه لا يقارن بما يخططون له بحقنا كعرب سنة حالمين بهزيمتنا، لا يقارن لأننا كعرب سنة منتصرين لا يمكن أن نرتكب جرائمهم بحكم وطنيتنا السورية وعقيدتنا الإسلامية وعروبتنا وتاريخنا الأصيل المشرف، لكنها ستبقى هزيمة للنظام وللطائفة إن استمرت في شراكته والاستتباع له.

مفاوضة من موقع قوة

كما أسلفنا المهزوم لا حقوق له، يقودنا هذا لتحديد مخرج مبكر كحل لما يجري في سوريا لنقول: الحل يبدأ بانقلاب الطائفة عسكرياً على النظام الأسدي ومن داخل الطائفة العلوية وبضغط دولي لإيصال رسالة واضحة للعلويين أن لا مجال للاستمرار هكذا، وبمعرفة أن أي حل سياسي لا يمكن أن يتم مع السفاح وعائلته بل بعد رحيلهم، وبأن أي تفاوض حالي مع السفاح على رحيله مجرد هراء ولعب في الوقت الضائع وإن استمر لسنوات قبل القرار الدولي الآتي لا محالة بالخلاص منه.

لذلك وكخلاصة، على العلويين ولكي يفاوضوا من موقع قوة نسبية قبل هزيمتهم المحققة حيث "لا حقوق للمهزوم إلا ما يقرره المنتصر كما يحلمون ويخططون لنا"؛ وليفاوضوا من موقع قوة نسبي يساعد في تضميد الجراح التي سببوها وليفاوضوا من أجل عقد اجتماعي جديد ينزع امتيازاتهم لكنه يحمي وجودهم وبعضاً من مكتسباتهم (التي لا يستحقونها أصلاً)؛ فعليهم من أجل كل ذلك وبوضوح؛ عليهم الانقلاب على النظام الأسدي عسكرياً وتصفية رؤوسه، وربما لا يحتاج ذلك لأكثر من عسكري علوي وطني مؤمن بسوريا وحريص على طائفته؛ يمسك بندقيته في لحظة متاحة ويصفي جسدياً بشار وماهر أسد ومن استطاع من قادة الإجرام لينقذ طائفته وما تبقى من سوريا في آن، وسيتحول عندها إلى بطل وطني لدى كل السوريين وبكل أطرافهم، وليُفْتَحَ الطريق بعدها للسوريين جميعاً ومن كل الأطراف للجلوس إلى طاولة مؤتمر وطني حقيقي يضع عقداً اجتماعياً وطنياً سوري جديداً ينقذ ما تبقى من سوريا؛ مؤتمراً وطنياً سورياً جامعاً حقيقياً لا يمكن أن يعقد قبل الخلاص من رؤوس النظام الأسدي (بغض النظر عن كرنافالات العرائض والرسائل والمجالس العسكرية الهزلية التي يجري طرحها من وقت لآخر) .. أو لينتظر العلويون المصير السيئ المفتوح على كل الاحتمالات، فلا حقوق للمهزوم كما يعلمون؛ ويعملون.

فواز تللو – سياسي سوري

مدير مركز آفاق مشرقية للدراسات برلين/ألمانيا 

التعليقات (3)

    Paul

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    مرحبا النص جيد جدأ فقط فيه نظرة ايجابية للمجتع الدولي وهوللاسف مختصر بامريكا والروس والغرب المشاركين جميعا بالجريمة ولازالو بقمع الثورات في الوطن العربي ولو ارادوا غير ذلك لقتلو الحيوان من بداية الثورة كما فعلوا بلقذافي

    نايك امهاتكم

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    التعليق بذيء وخالف قواعد النشر

    فهد

    ·منذ 3 سنوات شهرين
    العقل الطائفي للكاتب لا يقل ولا يختلف عن العقل الطائفي لمن يتحدث عنهم . ويصف نفسه سياسي سوري بل الاصح ناطق باسم داعش
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات