الحقيقة السورية ومحادثات بوتين- أوباما السرية وهاتف الطوارئ الأحمر

الحقيقة السورية ومحادثات بوتين- أوباما السرية وهاتف الطوارئ الأحمر
في نهاية نيسان عام 2013 نشر المدون الفرنسي الشهير ألين جولز تسريباً لمحادثة سرية جرت بين بوتين وأوباما حول سوريا، عن طريق هاتف الطوارئ الأحمر، أو ما يعرف بالخط الساخن المباشر بين الرئيسين في البيت الأبيض والكرملين. 

لم ينتبه أحد إلى هذا المنشور، رغم أهميته القصوى وتفسيره الحقيقي لموقف أوباما السلبي تجاه حرب الإبادة السورية، التي وصلت حينذاك إلى مستوى غير مسبوق واكتسبت طبيعة منهجية للقتل والتدمير والتهجير... إضافة إلى تردده في اتخاذ أي إجراء يمنع الأسد من الاستخدام المنتظم والدوري للأسلحة الفتاكة، لاسيما الممنوعة دولياً، ضد السوريين، ويحميهم من إدمانه المرضي على شرب دمهم.

يقول جولز: لقد بادر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في الاتصال بنظيره الروسي فلاديمير بوتين. وعلى الرغم من أنهما عادة ما يكونان على ما يرام، إلا أنه كانت هناك خلافات عميقة فيما بينهما هذه المرة.

سأل باراك أوباما بوتين بأدب عن رأيه في المعلومات المسربة والتقارير الواردة إليه حول استخدام "الجيش العربي السوري" أسلحة كيماوية.

توقف الرئيس الروسي للحظة ثم سأل زميله الأمريكي عما إذا كان هو نفسه يؤمن بهذه الخرافات؟

أُحرج باراك أوباما بعض الشيء، ولم يعرف كيف يعترض، لكنه أعرب عن قلقه في حال تأكيد ذلك الأمر، قائلاً: في الحقيقة، لا أصدق كلمة واحدة من هذا الهراء، لكن احتمال استخدام هذا السلاح من قبل العسكريين التابعين لبشار الأسد ضد الشعب هو ما يقلقني!

بعد أن شعر الرئيس بوتين بتردد محاوره، سأله عما إذا كان يفكر حقاً كما قال؟

تلعثم أوباما ولم يجب بشكل مباشر، ما دفع بوتين للهجوم والتمادي أكثر، والقول إن الحكومة السورية لا تقاتل حقاً ضد شعبها، بل ضد "جحافل البرابرة"، ومعظمهم من الأجانب. وتابع هجومه الحاد، حيث قال في الختام إنه لا يريد الحديث عن الشيء نفسه لمدة عامين؛ عارضاً على أوباما أن يطلب من "حراس الديمقراطية السوريين" إلقاء أسلحتهم والجلوس إلى طاولة الخضوع والاستسلام.

ومع ذلك، اتفق قادة البلدين على إبقاء الاتصال بشأن هذه المسألة. ما لبث أن طلب بوتين من وزيري خارجية البلدين - جون كيري وسيرغي لافروف - حسم الموضوع السوري.

بدا الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية كمهرج مضحك ومنافق للغاية، مع فارق وحيد هو أنه لم يكن لديه أنف أبيض ليحمر أو أنف اصطناعي أحمر؛ بل قلم حمرة يغطي فيه خطوط شفتيه المشبعتين بالكذب!

وهكذا بغض النظر عما قاله ويقوله المسؤولون الأمريكيون منذ عشر سنوات عن الأهمية الاستراتيجية لسوريا وضرورة رحيل الأسد أو الالتزام بالقرارات الأممية كـ "جنيف"، فإن هذا البلد برعاية آل الأسد وحمايتهم أهم بكثير لروسيا وإيران منه للولايات المتحدة، حيث يمنح روسيا أهمية كبيرة في الشرق الأوسط ويوفر لها قاعدتين مهمتين - جوية في حميميم وبحرية في طرطوس - ويعطيها حق تحويله إلى مختبر لتجارب أسلحتها الجديدة، مثل القنابل المصممة للاختراق وتدمير الملاجئ من الداخل. إضافة إلى أن بشار الأسد هو الحليف الحقيقي الوحيد الذي بقي لروسيا في المنطقة، وحاضره ومستقبله يعتمدان بشكل كبير على قرارات ومزاج من يتزعم الكرملين. يمكن قول نفس الشيء بالنسبة لإيران الشيعية، التي تعتبر سوريا شريكاً لها منذ فترة طويلة، ومركزاً رائعاً لتصدير أفكار ونموذج ثورتها الخمينيّة، بحيث تخلق فيها مع الأيام دولة تابعة لها، على غرار دولة حزب الله اللبنانية والعراقية، في منطقة يهيمن عليها العرب السنة.

لقد استمرت إدارة أوباما الغرابية في الإصرار على أن الأسد يجب أن يرحل، وانتقاد روسيا في كل مناسبة. لكنها لم تدعم أقوالها بالأفعال، وبالتالي خسرت أمام بوتين وفريقه الدببي رغم أنها لم تعترف بذلك. لقد أدان حتى أكثر المؤيدين لأوباما جبنه وضعفه وهزيمته الأخلاقية وفشله الاستراتيجي ومسؤوليته تجاه التاريخ، بل وحتى الغباء الذي اتصف به تجاه الملف السوري. لاسيما بعدما توصل الجميع إلى نتيجة واقعية مفادها أن الأمم المتحدة غير قادرة على فعل أي شيء، لأن أيديها مكبلة بحق النقض (الفيتو) الروسي والصيني في مجلس الأمن.

كم عدد الذين نطقوا بعبارة "لن تتكرر أبداً" مجازر مثل - أوشفيتز، سريبرينيتشا، كمبوديا، رواندا، صبرا وشاتيلا... - لكنها تكررت في سوريا مختزلة كل هذه المجازر في نفسها. 

كم عدد الذين قالوا يجب اللجوء إلى اللغة الدبلوماسية - المناشدات، المطالبات، الإدانات... - لكن هذا جعل معاناة الناس أكثر صعوبة وكارثية، وكرس عجز العالم، ليكون بمثابة غطاء خجول لقلة الإرادة والخجل والعار، ليصبح كل هذا أكثر إثارة للمرارة والاشمئزاز. 

بعد ذلك تدخلت روسيا عسكرياً، وأعطت طائراتها في الأجواء السورية وجيش وشبيحة الأسد والمرتزقة الإيرانيين على الأراضي السورية، وزناً أكبر لموسكو وطهران في تقرير مصير الأسد، مقدمين له خدمات لا يحلم بها أحد، وهو ما لا ينطبق على واشنطن! 

هذا يذكرنا بأحداث غيرنيكا؛ التي دمر فيها طيران ألمانيا وإيطاليا النازيتين المدينة في 26 أبريل 1937 بغرض ترويع سكانها خلال الحرب الأهلية الإسبانية، بينما كانت قوات فرانكو تعمل على الأرض. لكن هناك مدينة واحدة خلدها بابلو بيكاسو في لوحته الشهيرة؛ بينما في سوريا كانت كل مدينة وقرية عبارة عن غيرنيكا من دم وحطام جديدين! 

وهكذا أنهى بوتين جرائمه حتى 20 يناير 2017، أي حتى آخر يوم من وجود أول رئيس من أصول إفريقية في البيت الأبيض؛ وقدم نموذجه الذي بدأ في غروزني، عاصمة الشيشان؛ ليشهد على اللامبالاة النسبية في مواجهة الحقيقة، والنسبية المتزايدة من حيث مبدأ الخير والشر:

 - يموت العديد من المدنيين، ولكن كل هذا يتم من أجل حمايتنا من الإرهابيين.

 - عدم وجود تسلسل هرمي في حقائق التصور. 

 - الصراع في سوريا أدنى مستوى من سينما الواقع.

 - والانقسام في أولوية ما يؤلم.

 - إثارة التعاطف مع ضحايا الهجمات الإرهابية في مكان آخر، فرنسا مثلاً، ولكن ليس مع الأطفال السوريين.

- لتصبح الحقيقة مجرد عدو خادع.

حتى بعدما فاز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، لم يغير كثيراً في المعادلة رغم إطلاقه، في إحدى المرات، ما يقارب الخمسين صاروخاً على مراكز عسكرية فارغة، ووصفه الأسد بـ "الحيوان"، وتوقيعه "قانون قيصر" الذي أصاب الناس العاديين في سوريا أكثر مما أصاب الأسد وحاشيته؛ وفي النهاية رضخ لجزار الكرملين وأبرم صفقة معه، معترفاً بأن سوريا هي "مشكلة روسية"؛ رغم معرفته/معرفتنا أن أي مفاوضات مع روسيا كانت مجرد كذبة، وأن كل المشاريع معها محكوم عليها بالفشل، وتهدف إلى تعزيز مكانتها على الساحة الدولية؛ لأنها ليست صانعة سلام، بل المعتدية الرئيسية. 

هذه هي الحقيقة المرة التي لم يرغب أوباما - الأعمى والأحمق والوغد - أن يعترف بها، وحاول طمسها بقلم حمرته الأسود.

التعليقات (3)

    سامي يوسف

    ·منذ 3 سنوات شهر
    غير دقيق... لأن متابعة سريعة لصفحات فيسبوك الإسرائيلية تجد فرحة المواطنين هناك بدور بوتين كبطل حامي لدولة إسرائيل وهذا كافي كدليل على التنسيق وتبادل الأدوار

    أبو هيثم

    ·منذ 3 سنوات شهر
    بشار كسب بعض الوقت من التوافق السياسي بين الكرملين والبيت الأبيض ولكن هذا لا يعني بقاءه في السلطة للأبد. أيام بشار باتت معدودة ومرهونة بما سيقدمه من تنازلات لروسيا وأمريكا في الفترة الضبابية المقبلة.

    Mohammad

    ·منذ 3 سنوات شهر
    ماذا قدم بشار لسوريه بعد عشرين سنة حتى في مناطق الموالاه. لاشيء. لذلك هذا الانسان يجب ان يرحل ليس فقط بسبب المجازر بل لانه لا يفقه سياسة وليس لديه اي نوع من العدالة و الحقوق تجاه المواطنين وكما قلت حتى الموالين الذين تركهم يعانون الامرين كما نراهم. وقتل معظم شبابهم الى الجحيم.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات