استلهمت طريقة الحرب العالمية الثانية: إدلب تخوض معركة حماية الآثار وحيدة ضد همجية نظام أسد!

استلهمت طريقة الحرب العالمية الثانية: إدلب تخوض معركة حماية الآثار وحيدة ضد همجية نظام أسد!
لطالما كانت سوريا متحفا مفتوحا للآثار.. ولطالما كانت الآثار محط أنظار الباحثين كدلالة على عراقة الحضارات والارتباط الوثيق بالجذور التاريخية،  فأهمية أي حضارة اليوم تقدر بغنى آثارها التي تبقى دلالة واضحة على الإرث الثقافي والحضاري والتاريخي لأي بلد أو شعب، وتساعد الباحثين والمهتمين بهذا المجال في تتبع الحقب التاريخية وشكل وجود وتطور حياة الإنسان.. وفي إدلب التي سمى نظام الأسد حضاراتها العريقة والمتراكمة "مدناً منسية" ثمة قصة تروى عن معركة الحفاظ على الآثار وحمايتها في زمن حرب الأسد الوحشية على الشعب السوري وإرثه الحضاري.

مدير متحف إدلب: 1000 موقع أثري في إدلب

تحتل إدلب مكانةً تاريخية مميزة عن باقي المحافظات السورية لاحتوائها على العديد من المواقع والمدن الأثرية وبحسب (أيمن النابو) مدير متحف مدينة إدلب "فإن محافظة إدلب تضم حوالي 1000 موقع أثري منها ما يزيد عن 760 موقعا أثريا مسجلا بقرارات وزارية وضمنها 40 قرية مسجلة على لائحة التراث العالمي، تعود إلى حقب تاريخية مختلفة ابتداءً من عصور ما قبل التاريخ مروراً بالحقبة الكلاسيكية ووصولاً للحقبة الإسلامية المتأخرة، ويوجد في محافظة إدلب متحفان الأول في مدينة معرة النعمان والثاني بمدينة إدلب يضم رُقما مسمارية مُكتشفة في منطقة إيبلا التي تؤرخ المنطقة إلى 500 سنة قبل الميلاد والتي غيرت نظريات تاريخية أثرية كانت سائدة سابقاً، إضافةً لوجود 200 تل أثري في المحافظة" 

الحرب.. وفكرة المحافظة على الآثار

مع توسع دائرة الحرب في سوريا وتدمير عدد من المنشآت والبنى التحتية ومن ضمنها المناطق والآثار والأوابد التاريخية التي تعتبر أرشيفا حضاريا هاما، أطلق مجموعة من المختصين والمهتمين بالجانب الإرثي والحضاري (مركز آثار إدلب التطوعي) والذي حدثنا عنه (أيمن النابو) مدير متحف إدلب قائلاً:

 "بدأت الفكرة في الشهر 7 لعام 2012م مع تحرير مدينة معرة النعمان جنوب إدلب بفكرة بدائية لحماية متحف المدينة أسوةً بباقي المؤسسات المحدثة آنذاك، وتم التواصل مع عدد من الباحثين والمختصين في الداخل والخارح للحفاظ على الآثار ولحماية اللوحات الفسيفسائية المتبقية في متحف مدينة معرة النعمان بشكل أساسي، وفيها تبلورت الفكرة وتم التشبيك مع عدة جهات للعمل على أسس التوثيق والحرفية وحرية التنقل، وحققنا نجاحات ملحوظة في الحفاظ على محتويات متحف المعرة، حيث طبقنا الطريقة التي كانت سائدة في الحرب العالمية الثانية للحفاط على الأثار، وهي تغطية اللوحات الفسيفسائية بطبقات من مادة "التايفر" وفوقها أكياس الرمل التي كانت لها الدور الأبرز في حماية تلك اللوحات بعد أن تم قصف المتحف بشكل مباشر من قبل ميليشيا أسد الطائفية،  وأضاف (النابو) "كان في أولوياتنا تطوير العمل لشمل مدينة إدلب التي لم تكن محررة آنذاك لعام 2015م ذكرى تحرير المدينة، حيث تمكنا بعد عدة تفاهمات وتنسيقات على مستويات مختلفة من إلحاق متحف إدلب لإدارتنا على اعتبارنا الجهة الوحيدة العلمية والتخصصية بالآثار والمتاحف في ذلك الوقت

متحف إدلب.. والإدارة الجديدة

(عمار كناوي) أحد أعضاء مركز آثار إدلب تحدث لأورينت نت قائلاً "يعتبر متحف إدلب متحفاً إقليمياً خاصاً بآثار المدينة، تم افتتاحه عام 1987م ومن أهم ما يميزه وجود الأرشيف الملكي من الرسُم المسماري المُكتشف في مدينة إيبلا والتي أعادت كتابة تاريخ سوريا كحضارة مستقلة عن مجاوراتها كالرافدين ومصر، حيث قمنا بإحضار لجنة مختصة وممثلين عن السلطة الإدارية في مدينة إدلب لالكشف عن محتويات المتحف وجردها والتي كانت قد تعرضت لأعمال سرقة وتخريب إبان وجود ميليشيا أسد والميلشيات الموالية لها في مدينة إدلب والقصف الممنهج على المتحف وخاصة في اليوم السادس لتحرير إدلب، وما أعقب ذلك من فقدان لأجزاء وآثار  كثيرة، وقمنا بإحصاء المفقود والموجود وإعداد تقارير وقوائم فيها ورفعها للجهات الدولية المعينة للمساعدة في استعادتها في حال تم ظهورها في أي مكان أو مزاد بقصد البيع".

الاهتمام.. وتطور العرض المتحفي 

مع الإشراف المباشر الجديد لمركز آثار إدلب على متحفها بدأ تنسيق عرض  الموجودات الأثرية وتزويدها ببطاقات تعريفية تدل على أهميتها ومكانها وعائديتها التاريجية، وتنظيم معارض وأنشطة تعريفية وتوعوية لضرورة جعل المحافظة والآثار والاهتمام بها دافع ذاتي لكل شخص حيث تحدثت (أمل الحسين) أحد أعضاء مركز آثار إدلب لأورينت نت فأوضحت:

"طورنا العرض المتحفي بالخزائن المتحفية عبر ترتيب زمني صحيح يبدأ من الأقدم للأحدث، بدايةً من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصور الحديدية والبرونزية، للدلالة على سلسلة تطور الإنسان عبر العصور المختلفة.. إن كانت رومانية أو بيزنطية أو إسلامية؛ ولسهولة تعرّف الزوار على حضارة سوريا عموما ومدينة إدلب خصوصاً،  وقد أضفنا مؤخراً لمسة شعبية عبارة عن رسومات ومجسمات لأشخاص وآلات قديمة للزراعة و طحن الحبوب إضافةً لعدد من حملات التوعية لتعزيز الهوية السورية وتعريف المهجرين والنازحين إلى مدينة إدلب على آثارها وتراثها"

مركز آثار إدلب بين الصعوبات والاستمرارية 

وعن صعوبات العمل وتطلعات العاملين في (مركز آثار إدلب) يقول السيد (أيمن النابو) في حديثه لأورينت نت:

 "أبرز الصعوبات التي تواجهنا هي موضوع التخريب والانتهاكات التي تطال البنى والمواقع التاريخية والأثرية والثقافية التي لا يمكن إيقافها  إلا عن طريق قواعد قانونية تكون واجبة التطبيق في المحاكم، لذلك تم العمل على إعداد مشروع قانون للمصادقة عليه للعمل بمقتضاه لإيقاف الانتهاكات وتجريم القائمين عليها على أسس ومواد قانونية كفيلة بحماية الآثار، وأضاف (النابو) "نسعى دائماً لتطوير عملنا وخاصة بالعرض المتحفي لجعله مادة غنية ومفيدة لكل الطلاب والمهتمين والزائرين وخاصة بعد أن أصبح متنفساً لكل الناس ونهيب بالجميع ضرورة المحافظة على الآثار فمن ليس له ماضٍ وتاريخ ليس له حاضر، فالتمسك بالماضي والمحافظة على إرثه يجب أن يكون نابعاً من الداخل وليس خوفاً من العقوبات، فالحفاظ على الآثار هو دافع ذاتي على جميع الصعد فالأرض أرضنا والتاريخ شهادة لنا على العراقة والأصالة".

معركة التنوير ضد السلطة الظلامية

يبقى أخيرا أن معركة الحفاظ على آثار إدلب كما جسدتها هذه الجهود وغيرها، تحولت في السنوات الأخيرة إلى معركة أهلية ضد نظام ظلامي رعاعي متخلف.. معركة يبدو فيها الناس البسطاء والشباب المتعلم المثقف على حد سواء، أكثر وعيا وأكثر تقدماً من السلطة التي كانت تحكمه، والتي عبرت عن بيئتها الهمجية الرثة حين فتحت نيران أسلحتها لتقصف المتاحف والمواقع الأثرية، وتمحو ذاكرة وطن.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات