الوجه المغضوب عليه للجنرال بهجت سليمان.. كيف أذّله بشار في حياته ومماته؟!

الوجه المغضوب عليه للجنرال بهجت سليمان.. كيف أذّله بشار في حياته ومماته؟!
مات اللواء بهجت سليمان "72" عاماً. لا شماتة في الموت لكن مقولة "اذكروا محاسن موتاكم" لا تتسق مع سيرة الراحل. ولا مع تاريخه "النضالي" بحسب التوصيفات شبه المُنقرضة لجماعة الممانعة وبقايا "القومجيين".

شُيّع الرجل من مشفى تشرين العسكري في دمشق، حيث قضى متأثراً بـ "كورونا"، إلى مقبرة السيدة زينب في ضواحي العاصمة، عوضاً عن اللاذقية مسقط رأسه. في دلالة جازمة على "تشيعه". وهذا ما لن تهضمه الطائفة العلوية!

إذلال في الممات!

في جنازته. حضر مشاهير القتلة من ميليشيات خامنئي المذهبية، التي تحتل سوريا. فيما غابت النجوم، والنسور المحمولة، على أكتاف ضباط جيش بشار وأبيه. وكأن سليمان لم يكن يوماً من خدمهم وحرسهم!

  

لا ممثل للرئيس قائد الجيش في تشييع "مُربيه" المُفترض. لا ورقة نعوه من قيادة الأركان. لا وزراء أو قيادات بعثية وازنة. لا تغطية إعلامية رسمية. لا شيء يعطي للفقيد أهمية. ما عدا نعي من وزارة الخارجية. فرضه البروتوكول "للسفير فوق العادة". وهي مكافأة نهاية خدمة. استجداها الراحل من وريث قصر المهاجرين على مدار أربع سنوات، ما بين ركنه على الرف عام 2005، وحتى تسريحه من الجيش. ثم تعيينه سفيراً في الأردن عام 2009، قبل أن يُطرد منه عام 2014. بوصفه شخصاً غير مرغوب فيه.

مخبر بـ "رتبة"!

خاض الجنرال حروبه الشخصية في ميادين السلطة والنفوذ. لم تنقصه الشجاعة حين راهن على حصان الرئيس في مواجهة القائد، خلال صراع الأخوين على السلطة عام 1984. كان عين حافظ وأذنه على رفعت، كما "يهوذا" بين المريدين المقربين من الأخير. كان حصان طروادة الذي اخترق قلعة سرايا الدفاع. القلعة التي توهم "أبو دريد" أنها عصية، على شقيقه الأكبر.

بلا رتوش. كان "الفقيد" مخبراً برتبة. وعلى نهج حافظ الأسد في الإفساد، كوفئ بنقله إلى إدارة المخابرات العامة "أمن الدولة" حيث أسندت إليه رئاسة الفرع "300" المتخصص بالعمل خارج وداخل سوريا، ومراقبة العرب والأجانب الذين يدخلون البلاد. بيد أن النقلة التي وضعته في الصفوف الأمامية للسلطة. جاءت عام 1999بترقيته من عميد إلى لواء، وتعيينه رئيساً للفرع الداخلي "253ـ أمن دولة". ليحل محل اللواء محمد ناصيف، الذي أحيل إلى التقاعد. وأُعيد تعيينه لاحقاً معاوناً لمدير الإدارة، اللواء علي حورية آنذاك.

الصعود إلى الهاوية!

جاءت هذه النقلة مطابقة لمواصفات النجاح المطلوبة، في مدرسة الأسدين. إذ أشهر الضابط "المُثقف" باكراً تأييده لتوريث الابن. بل "يُحسب" له، أنه كان أول من دعا علناً إلى مبايعة "البشار" على وزن "الباسل" رئيساً، قبل وفاة الأب. عبر مقال نشرته صحيفة الثورة في صفحتها الأخيرة. وأثار جدلاً بلغ حد الصدمة في شارع، لم يعتد على طرح محرمات، من هذا العيار، في الإعلام المحلي.

هكذا، وجد الجنرال نفسه لاعباً أساسياً في توازن مراكز القوى المتصارعة ضمناً، وفي مواجهة اللواء آصف شوكت، الذي أعيد له الاعتبار جزئياً عام 1999 أيضاً! باستحداث فرع أمن القوات في شعبة المخابرات العسكرية، وتعيينه رئيساً له. ولعبة التوازن هذه ابتكرها الأسد الأب، منذ انقلابه على رفاقه عام1970. لفرض سيطرته بصفته المرجعية الوحيدة الثابتة المُسلّم بها من الجميع.

تكتيكياً. نجح أبو المجد بالجلوس على كرسي أبو وائل في الفرع الداخلي. لكنه فشل في لعب دور المربي والموجه لبشار مثلما كان ناصيف بالنسبة لباسل. لم يمتلك "سليمان" لا الحكمة. ولا الكاريزما التي امتلكها ناصيف. لم يُجد لغة الصمت المُفصلة في عالم الاستخبارات. لم يتمتع بصفة "صهر العائلة" على غرار منافسه اللدود آصف شوكت القتيل بتفجير خلية الأزمة عام 2012. ولم يكتشف أن "تلميذه الرئيس" مُختل نفسياً، لا يحتمل نصحاً، أو تنظيراً. أو مستشاراً ولو بفتات في القرار.

 الأضواء، الهوس بـ "الشو الإعلامي"، شائعات النفوذ العابر لقصر المهاجرين. وفوقها أسافين المنافسين. هي من أحرق الجنرال. وأحالته من لاعب أساسي إلى صفوف الاحتياط في السلطة. ثم التسريح. وليس صحيحاً أن ورود اسمه في تقرير ميلس الأولي بشأن اغتيال الرئيس الحريري كان السبب. وإلا ما معنى أن يُزاح سليمان. ويبقى العميد جامع جامع، واللواء رستم غزالي في السلطة لسنوات طويلة. قبل مقتلهما على التوالي عامي 2013، 2015.

إذلال في الحياة!

لم يخرج الجنرال من مولد السلطة بلا حمُص. لحس إصبعه على شكل استثمارات مجزية، في دنيا الإعلان "المجموعة المتحدة للنشر والإعلان والتسويق". أدارها ابنه مجد، بالشراكة مع رجل الأعمال بشار كيوان. أنتجت لوحات طرقية، دليلاً إعلانياً  سنوياً، مجلات فنية متنوعة. إضافة إلى جريدة "بلدنا" اليومية، التي صدرت ورقياً بداية عام 2007.

حكاية "بلدنا". تختزل حكاية جنرال: فقدَ هيبته حين فقدَ سلطته. إذ أوقفت الصحيفة بعد أشهر قليلة من صدورها في 16/5/ 2007. بذريعة نشرها كاريكاتيراً مسيئاً لمجلس الشعب، الذي يحركه رئيسه كالدمى. مع أن المجلس لم يكن يوماً خطاً أحمر في وجه الصحافة السورية، لا الرسمية بداية. ولا الخاصة لاحقاً، إثر السماح بإصدارها. فيما بدا واضحاً، أن المطلوب هو: إذلال الجنرال.

استغرق إعادة إصدار الصحيفة نحو ثلاثة شهور، على ما أذكر. ما يرجح أن اللواء عجز عن التواصل المباشر مع "الرئيس". وأنه تعرض للتجاهل المتعمد. ولا أحد يعرف ما إذا كان وزير الإعلام الدكتور محسن بلال حينذاك طرفاً أم مجرد أداة للإذلال. لكن المعروف أنه فرض أحد الصحفيين المحسوبين عليه، كرئيس تحرير للصحيفة. وتنحصر مهمته بالمرور ليلاً إلى مقر الجريدة، لإلقاء نظرة سريعة على "العدد"، قبيل إرساله إلى المطبعة. وبراتب شهري بلغ 100 ألف ليرة سورية، أي ما يزيد عن ألفي دولار، وفقاً لسعر الصرف يومها. ما يعني أن الوزير فرض خوة على اللواء. فضلاً عن أن الأخير لم يعد أهلاً للثقة بنظر "السيد الرئيس" أقله أمام الوسط الإعلامي!

لم يتوقف الإذلال عند هذا الحد. إذ لم تمض شهور حتى داهمت ورش محافظة دمشق مقر "المجموعة المتحدة"، الكائن في منطقة المزةـ فيلات شرقية. لتنهي استيلاء مجد سليمان على مساحة صغيرة من الأرض، وتحويلها إلى مرآب خاص لسيارات الشركة. وتدوس بذلك على هيبة الجنرال وابنه أمام الجيران، الذين احتفوا بالواقعة وتداولوها.

التشبيح لا يكفي!

ما بعد اندلاع الثورة، ذهب السفير بهجت بعيداً في معاداتها. شحذ لسانه بذخيرة لا تنتهي، في مواجهة "المؤامرة الكونية" المفترضة. دمر في طريقه كل الأعراف الدبلوماسية، في تحريض البعثيين والقوميين الأردنيين على دولتهم. ما اضطر السلطات الأردنية، المعروفة بصدرها الواسع، إلى طرده في النهاية.

عاد السفير الجنرال إلى دمشق. مستأنفاً حربه. مستلاً لسانه عبر منصته "الفيسبوكية". مجدداً نضاله لأجل استعادة ثقة القائد وعطفه. لكن ذلك لم يحدث.

ما كان مطلوباً من "بهجت وأبنائه"، بحسب معلومات موثوقة. هو أكثر بكثير من التشبيح في الفيسبوك. بدءاً من وجود مجد وحيدرة في دمشق بدلاً من الخارج. مروراً باستمرار صدور "بلدنا" الذي تذبذب إصدارها منذ بداية عام 2013، ما بين يومي، أسبوعي، وإلكتروني، حتى توقفها نهائياً عام 2015. وصولاً إلى التضحية بالمال لدعم جحافل الشبيحة أسوة برامي مخلوف، ومحمد حمشو، والأخوين جابر، وغيرهم.

التعليقات (3)

    السيف الدمشقي

    ·منذ 3 سنوات شهر
    مقال رائع ومهم لكاتب محترف. نتمنى أن تتحفونا دائما بمثل هذا المستوى من المقالات المليئة بالمعلومات والتحليل الذكي

    Masoud

    ·منذ 3 سنوات شهر
    أسوأ عينات بشر على وجه الأرض ضمها النظام السوري، و أعطى بها أسوأ نماذج لموظفين و أنصار و مقربين!!!

    مخيائيل نعيمة

    ·منذ 3 سنوات شهر
    من همشه هومن قتل خلية الأزمة هو من أراد تجريد بشار من حاشيته المخلصة له ليصبح تحت سيطرتهم عن عناصر ترسل لحمايته من إيران والعراق ولبنان لا يعرف عنها شيئا ... إنه قاسم سليماني الذي لم تكن تهمه كل نجوم وسيوف ونسور الرتب السورية
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات