آخرها قضية "إسلام علوش"..ثلاثة مؤشرات تكشف تناقض سياسة باريس إزاء سوريا

آخرها قضية "إسلام علوش"..ثلاثة مؤشرات تكشف تناقض سياسة باريس إزاء سوريا
يبدو أن باريس أتقنت طوال السنوات العشر من الثورة السورية لعب دور "الشريك الخفي" لنظام بشار أسد، وتبلور ذلك عبر سلسلة قرارات رسمت وجه فرنسا "المتناقض" على نحو فجّ، يعرج كيفما يشاء هوى قصر الإيليزيه" ووفق ما تقتضيه مصلحة البلاد.

محاكمات "على ورق"

مع انطلاقة الثورة في سوريا كانت فرنسا في مصاف أولى الدول التي وقفت سريعاً إلى جانب الثورة ومطالب الثوريين، وطالبت حينها نظام أسد بـ"الإنصات لمطالب الشعب والمباشرة بإجراء إصلاحات حقيقية"، وأكد وزير خارجيتها الأسبق وقتئذ لوران فابيوس في محافل دولية عدة حرص بلاده على التحرك سياسيا وقانونيا "ضد إفلات نظام أسد من العقاب".

وبالفعل، تجلت فرنسا بأسمى معاني الإنصاف، وباشرت نيابة باريس تحقيقاً جنائياً لمحاسبة نظام أسد على جرائمه عام 2013، مستندة إلى صور لامتناهية نشرها "قيصر" على دول ظنا منه أنها كينونة الديمقراطية. تزامنت التحقيقات مع سلسلة دعاوى قضائية رفعت ضد بشار أسد شخصياً وعمه وزير سرايا الدفاع الأسبق رفعت الأسد بتهم تتنوع بين الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال وبناء إمبراطوريات عقارية في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية.

لم يدم جموح القضاء الفرنسي طويلا، ظهرت فصائل مقاتلة متعددة المشارب ادعت ولاءها للثورة السورية والقتال ضد نظام أسد، فبرزت فصائل سمت نفسها "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" أو ماعرفت به لاحقاً باسم "داعش" والتي استطاعت وبقوة استقطاب فرنسيين إلى جانب جنسيات أوروبية وعربية مختلفة.

تراخى القضاء الفرنسي سريعاً واكتفت محاكم القضاء الفرنسية بإصدار أحكام غيابية ضد أفراد من عائلة الأسد قضت بالسجن ومصادرة المليارات من أموال السوريين، والاكتفاء بتغطية مستجدات المرافعات القضائية إعلامياً على مضض، فمحاربة "داعش" بات أبرز الأولويات على طاولة الإيليزيه الذي نفض غبار "المدينة الفاضلة" وأرسل ثلاثة نواب فرنسيين في زيارة غير رسمية إلى رأس النظام، دعوا فيها كلاً من باريس ونظام أسد للتصدي "معاً" لتنظيم الدولة الإسلامية" عام 2014.

حرب "داعش" وعقاب الفرنسيات

انخرطت فرنسا عسكرياً مع سبعين دولة أخرى لقتال "داعش" وأرسلت الفرقاطة جان بارت (D615) عام 2014 على أمل تجنبها لـ"المستنقع الأمريكي" في العراق وأفغانستان"، لتعلن عبر التحالف الدولي القضاء على عناصر التنظيم وخنق عائلاته، منهم فرنسيون، في مخيم الهول المجرّد من كل أشكال الإنسانية والديمقراطية والتي تسيطر عليه ميلشيات "قسد".

وبعد إعلان "النصر"، تعنتت فرنسا، كغيرها من الدول، في استعادة عائلات مقاتلي التنظيم الفرنسيين من المخيم إلى فرنسا، وقوننت حقها في استعادة الأطفال دون أمهاتهم في محاولة لحفظ ماء الوجه أمام الرأي العام بداعي "محاربة الإرهاب"، في حين باشرت بضع دول استعادة عائلات مقاتلي تنظيم "داعش" إليها بضغط أممي على نحو خجول.

لكن عدة عائلات فرنسية رفعت دعاوى قضائية ضد وزير الخارجية لفشله في حمايتهم واحتجاجاً على لامبالة بلادهم بشؤونهم، فلجأت فرنسيات محتجزات في الهول إلى الإضراب عن الطعام كوسيلة أخيرة يائسة لخطاب فرنسا "الديمقراطية" أملاً في النظر إليهن وانتشالهن من وسط لايمت للحياة بصلة.

القانون يحاصر باريس

وبمجرد الغوص في ثنايا القانون الدولي، تجد اعتبارات قانونية لتجريد فرنسا من ادعاءاتها بـ"الديمقراطية وحقوق الإنسان" يتجلى أولها في المادة 12 (4) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والقاضي بعدم جواز حرمان أي شخص بشكل تعسفي من حق دخول بلده، ما يعني أن المقاتلين الأجانب – بغض النظر عن الجرائم التي ارتكبوها- ما زالوا مواطنين أوروبيين ولهم الحق في دخول بلادهم. 

كذلك يضمن القانون الدولي في المادة 2178 للعام 2014 و المادة رقم 2396 للعام 2017 الصادر بقرار مجلس الأمن بجواز استعادة الدول لمقاتليها وتقديمهم للمحاكمة بالتوازي مع العمل على إعادة تأهيلهم واندماجهم مع المجتمع الأصلي.

ووفقا للتعليق العام للجنة حقوق الإنسان رقم 27، ينطبق الأمر أيضاً على من جُردوا من جنسيتهم في انتهاك للقانون الدولي، وفئات أخرى من المقيمين لفترات طويلة، بما في ذلك الأشخاص عديمو الجنسية والمحرومون تعسفاً من حقهم في اكتساب جنسية الدولة التي يقيمون فيها. إن حُرم فرد من الجنسية في انتهاك للقانون الدولي، فإن بلد الجنسية السابقة يظل هو "بلده"، ويمكن العثور على حكم مماثل في المادة 3 (2) من البروتوكول رقم 4 لاتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية .

لم تتردد باريس في الطعن مرة أخرى بالقانون رقم 13 في التعليق العام الذي نصت عليه لجنة حقوق الطفل عام 2011، والذي نصّ على أن "منع الانفصال الأسري والحفاظ على وحدة الأسرة هما عنصران مهمان في نظام حماية الطفل ويستندان إلى الحق المنصوص عليه في الفقرة 1 من المادة 9 ، <...> نظرا لخطورة تأثير انفصال الطفل عن والديه، يجب ألا يحدث هذا الفصل إلا كإجراء أخير".

ليس داعشيّاً

أمام هذا المشهد كله، يبرز التناقض الأكبر في تصدر فرنسا محاكمة المتحدث السابق باسم جيش الإسلام مجدي نعمة والمعروف باسم إسلام علوش إثر انخراطه في فصيل عسكري معارض في سوريا وأسند إليه تهما عدة، فمنحته باريس بأعجوبة تأشيرة القدوم إلى أراضيها لتحاكمه سريعاً بتهمة القتال في فصيل "يريد أن يقيم شرع الله".

وجليّ على المشاهد لصور "علوش" كيف آثرت باريس مقاضاة مجدي نعمة قبل الاستماع إلى أقواله عبر وضعه تحت مراقبة المكتب المركزي لمكافحة الإرهاب ومحاصرته وضربه ومداهمة منزله وصولاً إلى استجوابه حول حقيقة انخراطه في حزب "يريد إقامة شرع الله"، لتنتشر صور المذكور مدمى العينين تداولها سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي بين مصدق ومشكك بتلاعب في "الفوتوشوب"! وآخرون كالوا السباب على اللجنة القضائية السورية التي هرولت للقضاء الفرنسي شحذاً لتأييد دولي.

وجاء في سياق تحقيق استقصائي أجرته قناة " m6" التناقض الأبرز ، حيث ذكر التحقيق أن ملاحقة إسلام علوش جاءت ضمن حملة أمنية لملاحقة عناصر داعش المنتشرين في فرنسا، مع العلم أن علوش كان ينتمي إلى جيش الإسلام ولا صلة له بالتنظيم، كما سبق لعلوش أن أعلن سابقا بصفته المتحدث عن "جيش الإسلام" الحرب على التنظيم وقتال عناصره أينما ثقفوهم.

ورغم أن أصوات سورية عدة رحبت بلغة مسموعة تعاون جهات قضائية في دول أوروبية عدة مع دعاوى قضائية رفعها محامون سوريون "بحثاً عن العدالة" خاصة مع انضمام كندا إلى مصاف الدول الأخرى كألمانيا وهولندا وغيرها، إلا أن فرنسا ماتزال تغرد خارج سرب العدالة مع تجاهلها مصير رعاياها العالقين تحت وطأة ميليشيات "قسد" في سوريا رغم أحقية عودتهم وفي إطار القانون الدولي، و"تحاكم" سورياً بداعي مكافحة الإرهاب".

واعتقل مجدي في كانون الثاني عام 2020، بعد وصوله لمدينة مرسيليا الفرنسية بهدف إكمال دراساته العليا ضمن منحة دراسية كطالب في برنامج "إيراسموس"، وجاء اعتقاله بموجب شكوى تقدم بها كل من "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM) والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ( FIDH) والرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان (LDH)" في حزيران عام 2019.

ووجهت لمجدي (إسلام علوش) اتهامات عديدة من وحدة جرائم الحرب التابعة لمحكمة باريس، أبرزها مشاركته في جرائم حرب وتعذيب وإخفاء ناشطين في منطقة الغوطة الشرقية (رزان زيتونة وسمير الخليل وناظم الحمادي ووائل حمادة)، إضافة لاتهامه بتجنيد عدد من الأطفال في صفوف الفصيل.

ومجدي نعمة المعروف بـ "إسلام علوش مواليد (1988) انشق عن ميليشيا أسد في بداية الثورة السورية، وشغل بعد ذلك ناطقاً رسمياً لفصيل "جيش الإسلام"، وكان أبرز قياديي الفصيل إلى جانب قائده زهران علوش، إلى أن استقال من منصبه عام 2016.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات