غسان عبود في حوار مع (غولف نيوز): الحدس هو مراكمة المعرفة والخبرة والتجربة.. والجمود من سمات المقابر

غسان عبود في حوار مع (غولف نيوز): الحدس هو مراكمة المعرفة والخبرة والتجربة.. والجمود من سمات المقابر
أجرت مجلة (غولف نيوز) حوارا مطولا مع رجل الأعمال غسان عبود، مالك ومؤسس مجموعة غسان عبود التجارية، تصدر غلاف المجلة التي تطبع (105) آلاف نسخة، فضلا عن موقعها النشط على شبكة الإنترنت. وقد وصفت (Gulf News) مجموعة غسان عبود بـ "أيقونة الشركات الناجحة في الإمارات العربية المتحدة" وفيما يلي الترجمة  الكاملة للحوار : 

كيف تعرّف القيادة حين يتعلق الأمر بالإشراف على حظوظ الشركة أو العلامة التجارية ونموها؟

بعيدا عن التعاريف النظرية والتعليمية التي تدرس عادة في المدارس والجامعات، أعتقد أن القيادة تلخص بكلمة واحدة: المشاركة. أحب المشاركة الكاملة مع فريق العمل، وأحاول تحفيز كل عضو فيه على المشاركة والمساهمة؛ على سبيل المثال، أعرف كل واحد من الموظفين العاملين معي شخصيا، من حراس الأمن إلى المديرين التنفيذيين ورؤساء الشركات. كما أحب استشارة الكل، بغض النظر عن موقعهم، ولن أتردد في سماع آرائهم ونصائحهم. ما يمنحني معرفة متكاملة بالنشاط التجاري من القاعدة إلى القمة، مع المساعدة على التآزر والتعاضد بين مجموعة الشركات والأقسام والموظفين.

أدت جائحة كورونا إلى تغيير في حظوظ عدة شركات وقطاعات، كيف تتصور مسار النمو لعلامتك التجارية على المديين القريب والبعيد نتيجة لذلك؟

مثّل الوباء تحديا للجميع، ولا يمكننا أن نغطي على هذه الحقيقة، وكان تأثيره قاسيا على الصعيد الإنساني فضلاً عن التجاري، إذ فقد كثير منا أحباءه. لكن ثمة مثل عربي يقول "مصائب قوم عند قوم فوائد"، لأن بعض الصناعات انتهزت الفرصة وازدهرت، لكن على وجه العموم، وضع الوباء الشركات، وحتى البلدان في ظروف صعبة. نحن جميعا في حالة من الصراع من أجل البقاء إذا جاز التعبير، ونبذل قصارى جهدنا للحفاظ على صحتنا وعلى استقرار الأوضاع عبر حماية عائلاتنا والبحث عن طرق ملائمة لمواجهة التعقيدات الراهنة. نسير قدما دون أن ننسى كثيرين من أقربائنا وأصدقائنا وأحبائنا الذين فقدناهم بسبب الوباء. من منظور التجارة والأعمال، سنحت لنا فرصة لمراجعة نماذج النشاط المتبعة في شركاتنا كلها. ونجحنا في "رقمنة" جميع مجالات الأنشطة التجارية، مع إضافة أنشطة جديدة في الفضاء الرقمي.

ينظر بعضهم إلى الوباء باعتباره مشكلة، كيف تراه فرصة؟

يمكن للفرص أن تنبثق من المشكلات، وفي الحقيقة تستدعي الأوقات الصعبة اتخاذ إجراءات ابتكارية. لقد أثر وباء كوفيد-19 في الصناعات كلها، وكثير منها مجالات تستثمر فيها "مجموعة غسان عبود"، مثل المواد الغذائية، وتجارة التجزئة، وقطع تبديل السيارات، والإمداد اللوجستي، والضيافة. ما اخترنا فعله هو التكيف مع الوضع والاستفادة منه لصالحنا إلى الحد الأقصى، وأعتبر هذه الجائحة فرصة لإعادة تقييم شركات المجموعة ووحدات النشاط والعمل مع الفريق لمعالجة جميع نقاط الضعف التي انشغلنا عنها أو لم ننتبه لها في خضم ممارسة النشاط التجاري؛ على سبيل المثال، كانت شركة الفنادق التابعة لمجموعة غسان عبود، Crystalbrook Collection (مقرها في أستراليا) واحدة من الشركات التي عانت لاحقا التأثيرات السلبية للجائحة، لذلك عملت أنا والفريق على إعادة النظر في استراتيجيتنا المتبعة للفنادق الثمانية، وحولنا بؤرة التركيز إلى المنتجعات. وأعدنا بناء بعضها ووسعنا غيرها، وشيدنا أبنية إضافية عندما تطلب الأمر ذلك. وساعدنا ذلك كله على تحويل الوضع لصالحنا، حيث بلغت نسبة الإشغال في المنتجعات 100%.

أخيرا، لم نتوقف عن الارتقاء والتطور والتوسع. اتخذت خطوة جسورة بشراء Fantauzzo في بريزبن بأستراليا، وهو أول فندق بحجمه وشهرته وأصالته يباع خلال الجائحة في نصف الكرة الجنوبي. أعتبر فندق Fantauzzo إضافة عظيمة بل جوهرة متألقة تتوج سلسة الفنادق المترفة والراقية Crystalbrook Collection .

استثمرت في مجالات مختلفة على مدى السنين، لكننا نرى اهتماما متزايدا من جانبك بالرقمنة والتقانة؟

حفزتنا جائحة كوفيد-19 على الإسراع في الرقمنة (التحول الرقمي) وتوسيع استخدام التقانة المتقدمة. في الحقيقة، أنتمي إلى جيل لم يشهد قط التقانة تلعب مثل هذا الدور المهم في التجارة، لكنني متيقن من أمر واحد: لن تحل أبدا محل اللمسة الإنسانية، ولا سيما في التجارة التقليدية كما نعرفها.

أعتقد أيضا بأن الرقمنة والذكاء الاصطناعي سوف يلعبان دورا أعظم في جميع شركاتنا، ومن ثم قررت أن أكون من أوائل المنطلقين في هذه الرحلة نحو مستقبل أكثر سلاسة وراحة وإشراقا.

في "مجموعة غسان عبود" أضفنا Buygro، وهو سوق إلكتروني (من التاجر إلى التاجر) يصل بين التجارة التقليدية ومورديها رقميا، والحقيقة أنه نجح في تثوير تجارة المواد الغذائية بطريقة لم نعهدها من قبل. كما تجاوزت سرعة نموه توقعاتنا بعشر مرات منذ إطلاقه، ما أكد حاجة السوق إلى مبادرات مبتكرة كهذه.

سوف نطلق قريبا نموذجا تجاريا مبتكرا في صناعة السيارات سيحدث ثورة في سلسلة التوريد فيها.

تدريب الموظفين للبقاء على اطلاع على أحدث اتجاهات السوق يمثل تحديا منتظما تواجهه الشركات، على صعيد تخصيص الميزانية الضرورية...إلخ. ما أهمية تدريب الموظفين بالنسبة لمجموعتك وعلامتك التجارية؟

اعتبر التدريب استثمارا في الموظفين والموارد، ولا يمكن لأي شركة أن تنجح إذا لم تشجع سبل التطوير الذاتي بين موظفيها. أدعم هذا المفهوم باستمرار من خلال فريقي المعني بالرأسمال البشري وأشجعه على تركيز الانتباه على جميع الموظفين وتوفير البرامج والدورات والتدريبات التي تساعد على الارتقاء بمهاراتهم، إضافة إلى قدرتهم على التفكير الإبداعي خارج الصندوق.

ما هي القيمة التي تحاول غرسها في موظفيك وتعتقد أنها تسهم في نجاح الشركة؟

شعار مجموعتي هو "نبني معاً مستقبلاً أفضل". وهو موجه إلى الموظفين مثلهم مثل الشركاء وغيرهم من أصحاب المصلحة، ويمكنني القول بيقين كامل، بعد ربع قرن من التجربة، إن أهم مهارة مطلوبة لدى الموظفين هي العمل الجماعي (= عمل الفريق). في مناسبات عديدة خلال العقود القليلة الأخيرة، لاحظت أن النجاح يتطلب منا العمل الجماعي. في كثير من الأحيان، يحمي عمل الفريق الشركة، بينما تساعد المفاهيم التي تناقش عادة ضمن الفرق على نضج الأفكار وتسهم في وضع خطط متكاملة ومدروسة بعناية.

ما هي القيم التي يجب –باعتقادك- أن تتجسد في أي شركة لتحقيق النجاح؟

لسوء الحظ، يستهدف كثير من أصحاب الأعمال والشركات الربح المادي، ومع أن المال عامل مهم في النجاح، وهدف كبير لا بد من السعي إليه، لكن يجب ألا يمثل الغاية الوحيدة. يجب على الشركات تبنّي قيمة المسؤولية الاجتماعية إلى جانب التركيز على خلق الثروة، وعلى المؤسسات أن تسعى لتحسين جودة حياة الناس. أمتنع عادة عن العمل في بلدان لا تركز جوهر اهتمامها على تحسين حال المجتمع، وهدفي النهائي هو دعم المجتمعات المحلية ومساعدتها على اتخاذ تلك الخطوة الواحدة، أو حتى تلك الخطوات الحاسمة الأولى نحو مستقبل أفضل.

كيف تمكنت من جعل علاماتك التجارية مميزة؟

قدرت "مجموعة غسان عبود" على الدوام قيمة الأصالة والحداثة، والارتقاء الدائم يمثل إحدى النزعات المتأصلة في شركات المجموعة. أعتقد أن الجمود والركود من سمات المقابر، لذلك فقد اعتاد مجتمع المال والأعمال رؤية شيء جديد ومثير يحدث في شركاتي وعلاماتي التجارية دائما.

باعتبارك رئيس المجموعة، كيف تختار بين إجماع المديرين والمساعدين والحدس الداخلي عند اتخاذ القرارات الحاسمة؟

من وجهة نظري، الحدس ليس مجرد شعور بل مراكمة المعرفة والخبرة والتجربة، فهو توليفة تجمع تجاربنا منذ الولادة، وكل الذين التقينا بهم وتعلمنا منهم... الآباء والأمهات والأقرباء والجيران وزملاء المدرسة والعمل...إلخ. ومثلما كشف ميشيل فوكو في تحليل الخطاب، تتضافر هذه العوامل معا من خلال عقلك الواعي واللاواعي وتساعدك على إنتاج الأفكار ثم اتخاذ القرارات في نهاية المطاف. الحدس عندي معرفة جمعية راكمتها منذ أن ولدت في عائلة امتهنت التجارة، وتواصلت إلى أن بدأت أعمالي التجارية الخاصة بي. في النهاية حققت نجاحي كله بفضل رب العالمين وتوفيقه.

ما أهمية ركوب المخاطرة من قبل رئيس الشركة حين تكون حظوظها ومصيرها على المحك؟

الفرق بين رجل الأعمال المبادر صاحب الذهنية المغامرة وغيره يكمن في تقديره لقيمة المخاطرة والمجازفة وتفضيلهما على الجمود المالي. رجال الأعمال المغامرون مهيؤون ذهنيا ونفسيا للربح والخسارة. وكثير من أصحاب الشركات والأعمال –محليا ودوليا- نجحوا وأثروا لأنهم جازفوا وغامروا، وخسر غيرهم أموالهم وصحتهم للسبب ذاته. المخاطرة تحتاج إلى مهارة ومعرفة ودراية بالسوق، ومع أنها مرهقة ومقلقة، إلا أنها جزء من رحلة مدهشة مترعة بالإثارة.

في أثناء ذروة الجائحة، وقف الموظفون إلى جانبي وقت الشدة والعسر مثلما كانوا زمن الوفرة واليسر. كان تخفيض الرواتب ضروريا للحفاظ على استقرار شركات المجموعة، وكل واحدة تعيل آلاف الأسر، ولذلك كان من واجبي القيام بمخاطرات محسوبة إلى جانب حماية الشركات ومنح الأولوية لمصالحها، مع مواصلة رعاية الأسر التي تتحمل مؤسستي مسؤوليتها.

أقدر من أعماقي الموظفين الذين شاركوني في المخاطرة وعملوا بكل إبداع على حماية هذه المؤسسة. الآن، أصبحت الأمور أكثر استقرارا، وأعمل على مكافأتهم بجميع الوسائل الممكنة، من خلال تحسين الضمان الصحي لعائلاتهم، ومنحهم المكافآت المالية، والتعويضات عن التخفيضات التي طالت رواتبهم بسبب الجائحة.

باعتبارك "وافدا"، ما هو رأيك بممارسة العمل التجاري في الإمارات العربية المتحدة؟

إذا أردت معرفة الجواب عن هذا السؤال فيجب أن تسأل ابني (11 سنة) الذي يصر دوما على العودة إلى الإمارات والعيش فيها. الإمارات تجذب الناس من الجنسيات كلها، بغض النظر عن الطبقة والدين والعمر والمكانة الاجتماعية...إلخ. يعدها الأطفال مكانا للمغامرة والمتعة، والبالغون أرض الفرص. أتيت إلى هنا وليس في جيبي سوى 80 دولارا، ومؤسستي تساوي الآن ملياري دولار. أعيش هنا منذ نحو ثلاثين عاما، وأنا أنتمي إلى أرضها حقا، ولذلك يصعب علي الإجابة كما يجيب "الوافد"، لأن الإمارات تشعرني بأنها وطني المحبب إلى قلبي.

باعتبارك رئيس مؤسسة، بماذا تنصح رجال الأعمال المستقبليين؟

أنصحهم بأمرين اثنين: أولاً، تركيز الانتباه على التفاصيل؛ وثانياً، البحث عن مجالات للريادة، لأن من المتعذر أن تقلد وتنجح، لكن بالابتكار والإبداع تحتل واجهة المجتمع.

التعليقات (1)

    ايمن

    ·منذ 3 سنوات شهر
    نحن كسوريين نفخر بك استاذ غسان ونعتبرك قدوه لنا في المجالات الانسانيه واعمال الخير،لكن كيف تنصحنا العمل بظروف تكون العمله فيها بمرحله انهيار مثل لبنان حاليا...
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات