رواية (زجاج مطحون) لإسلام أبو شكير: السجن السوري والحرب في غرفة مغلقة

رواية (زجاج مطحون) لإسلام أبو شكير: السجن السوري والحرب في غرفة مغلقة
غرفة بلا نوافذ أو أبواب.. هذا هو المكان الذي انطلق منه الكاتب السوري إسلام أبو شكير: في روايته (زجاج مطحون) والذي اختاره ليحتضن حكايته، حول أربعة أشخاص يجدون أنفسهم في مكان واحد لا يدرون من اقتادهم إليه.. حاملين نفس الاسم مع اختلاف أعمارهم. 

الرواية الصادرة عن دار المتوسط، تحمل في طياتها حكاية غرائبية.. تسير الأحداث في إطارها بطريقة لا معقولة.. حيث بطل الرواية الذي يتشظى في البداية لأربعة شخوص كل منهم يبحث عن ذاته التي تضيع في المكان الغريب، الذي يقدم لمسجونيه كل شيء .. ويحرمهم من هوياتهم التي تبدأ بالتلاشي مع اختفاء المرايا منه حيث لا يستطيع أي منهم التعرف على نفسه وإدراكها. 

هل يمكن للإنسان أن يعيش بلا اسم؟

ربما يكون هذا السؤال الأبرز الذي يمكن أن نستنتجه من هذه الحكاية، فأبطال الرواية الأربعة الذين يحتجزون في تلك الغرفة الغريبة، سيجدون أنفسهم بعد ساعات في معركة لإثبات الوجود من خلال الاسم الذي اكتشفوا أنهم يحملونه جميعا.. الراوي إسلام أبو شكير.. والبقية جميعهم بنفس الاسم، وربما آخرون غيرهم في هذا العالم الغريب.. لكن ما فائدة الاسم في هذا المكان.. وما الذي يحمله من معنى أن يكون لك اسم في سجن ربما يمكنك فيه أن تستبدل اسمك برقم له دلالة أكبر.. رقم يدل على أيام تمضي من العمر، حيث تزيد أعمارنا في السجن دون أن نشعر.. هنا يختار الأبطال الأربعة أعمارا جديدة لهم تناسب وضعهم الجديد.. فيصبحون تدريجيا " الستيني – الخمسيني – الأربعيني والثلاثيني ".

رفاهية كاذبة

كل شيء متوفر في هذا السجن الغريب، طعام وشراب وقهوة وسجائر وكتب.. التسلية قائمة رغم أنها مشروطة.. فالتلفزيون بقنوات محددة .. الهاتف موجود لكن شكلا دون روح.. والطلبات تؤمن من مجهولين دون أن يشعر المحتجزون الأربعة. 

تحيلنا هذه الظروف إلى سجن يبدو للوهلة الأولى مرفّها بطريقة غير معتادة، لكن إسلام أبو شكير في هذه الزاوية ربما أراد القول بأن السجن لا يختلف عن آخر مهما كانت أسباب الراحة متوفرة فيه، فالمشكلة في الأسر ليست بما يمكن الحصول عليه، بل بما لا يمكن تحقيقه والوصول إليه. 

فالمحتجزون الأربعة لم يتناسوا للحظة أنهم في سجن رغم اعترافهم بأن القائمين المجهولين عليهم يسعون لإرضائهم بشتى الطرق، ويمنحونهم ما يريدون ضمن المعقول والمسموح إلا أن ما منع عنهم كان أكبر وقعا عليهم.. الهاتف ، المرايا التي يعكس غيابها فقدان هوياتهم.. النافذة والباب اللذان اضطروا لرسم أشياء متخيلة عوضا عنها.

قلق وترقب

هناك حرب في الخارج.. يتفق أشخاص إسلام أبو شكير على ذلك، مستدلين على سوء الخدمة التي صارت تقدم لهم .. تراجع نوع القهوة التي كانت ترسل.. الطعام بدأ بالتناقص، وكذلك السجائر.. كل شيء يدل على أزمة خارج غرفتهم المعزولة.. الأمر الذي يدفعهم إلى التجهز للمعركة.. مصحوبا بقلق وترقب لمآلات مصائرهم التي لا يعرفون شيئا عنها، كل ذلك ينعكس عليهم فتبدأ رابطة جأشهم بالانهيار وصولا إلى الموت. 

الموت كنهاية حتمية

ترتسم ملامح الموت في (زجاج مطحون) وكأنه دلالة على الخلاص من أزمة اللاهوية التي تفشت في أبطال العمل.. أولئك الذين فقدوا أسماءهم وأصبحوا أرقاما على شكل أعمار.

لم يتحمل صغيرهم حياة الأسر " المرفّه " التي فُرضت عليه .. مات الثلاثيني الذي كان عشرينيا.. ولحقه الأربعيني الذي كان ثلاثينيا، مختفيا في حمام الغرفة دون أن يعرف البقية أين ذهب.. هو التلاشي إذن الذي أصابه كما أصاب الخمسيني .. ليبقى إسلام أبو شكير واحدا، مستعيدا ذاته المندثرة في عمر لم يعد يستطيع إدراك سنوات عديدة ضاعت منه في إشارة للحرب الطويلة، وسنوات الاحتجاز التي اختطفت سنوات كثيرة من عمره.. و معركة البقاء التي تفرضها ظروف قاسية كالحرب والسجن وأحوال أخرى قد تؤدي في النهاية إلى تلاشي كل ما هو إنساني لصالح صراعات مميتة.

إسقاطات على الواقع السوري

لا تنتهي رواية إسلام أبو شكير مع صفحتها الأخيرة.. التأويلات كثيرة يمكن أن تربط في هذا العمل الإبداعي بعد قراءته، منعكسة على وضع الإنسان السوري، حيث ترسم رواية زجاج مطحون " هيكلا متكاملا لواقعه، فهو الذي عايش الحرب والاعتقال وظروفا أخرى أكثر تعقيدا.. ليصبح كالزجاج المطحون، هيكلا على هيئة جسد خاض معارك كبرى في البقاء ، ومات ألف مرة في سنوات طويلة من الحرب، التي دمرت حوله كل شيء.. وجعلت اللا معقول جزءا صميميا في حياته.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات