دور الدين في المستقبل السياسي لسوريا: هل يمكن فصله عن سجل حافظ الأسد الدامي في قمع الإسلاميين؟

دور الدين في المستقبل السياسي لسوريا: هل يمكن فصله عن سجل حافظ الأسد الدامي في قمع الإسلاميين؟
نشر مركز "بيركلي" للدين والسلام والشؤون العالمية مقالاً للكاتبة جوسلين سيزاري تحدثت فيه عن دور الدين في المستقبل السياسي لسوريا والتأثيرات الإقليمية والدولية: وهذا نص المقال:

حوّل ما بدأ كحركة احتجاج قامت ضد نظام الأسد الاستبدادي ونادت بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية إلى حرب مريعة في وحشيتها خلفت أكثر من مليون ضحية، وخمسة ملايين لاجئ، إضافة إلى دمار هائل في مختلف أنحاء البلاد.  

في الحقيقة، لم يكن هذا العنف المفرط سوى نتيجة للفشل الذريع في إنهاء هذا الصراع سياسيا وعسكريا، من ناحية، وأسلمته وتأطيره على أنه اقتتال سني- علوي، أو على نطاق أوسع، سني- شيعي، من ناحية أخرى. سلط البحث في كتابي القادم، "نحن شعب الله: المسيحية والإسلام والهندوسية في عالم الأمم"، الضوء على الدور الجوهري الذي لعبته العوامل الداخية والخارجية في استمرار الصراع.  

تسييس الإسلام 

تشير العوامل الداخلية إلى راديكالية المعارضة الإسلامية الموجودة أصلًا في عهد الأسدين، وإلى هيمنة الجماعات الإسلامية على المعارضة السياسية للنظام.

خاض النظام مواجهات عديدة مع المعارضة الإسلامية على مر السنين. فعلى سبيل المثال، أرسل حافظ الأسد، في محاولة لفرض سيطرته على المجال الإسلامي العام، ميليشيات مختلفة، بما في ذلك ميليشيا من المراهقات يرافقهن رجال مسلحون لنزع حجاب النساء المسلمات في شوارع دمشق ومدن أخرى في سبتمبر/أيلول 1981. ردا على ذلك، وبعد شهرين، وقع انفجار ضخم في منطقة الأزبكية في العاصمة استهدف محكمة أمن الدولة، وإدارة المخابرات العسكرية، وشعبة التجنيد التابعة لإدارة المخابرات العسكرية، اتهمت به الجبهة الإسلامية. فشنت السلطات على إثر ذلك حملة قمع شرسة بلغت ذروتها في مجزرة حماة عام 1982، راح ضحيتها نحو 20.000 شخص انتشرت جثثهم في شوارع وأنفاق المدينة. بينما اغتيل معظم قادة الجبهة الإسلامية أو تواروا عن الأنظار. 

وبالتوازي مع قمع المعارضة الإسلامية، قام النظام بحملة لتشييد المساجد ومعاهد الشريعة، بما في ذلك معاهد الأسد لتحفيظ القرآن. مما يشير إلى ازدواجية النظام تجاه الإسلام، حيث يزعم تأييده رسمياً، ويسد جميع الطرق أمام المعارضة السياسية الإسلامية في آن معاً. إلّا أن ذلك أدى إلى نتيجة عكسية تماما، حيث أسهم الإسلام الرسمي الذي تبنته الدولة في صعود الجماعات السلفية وأدى إلى تطرفها. 

كما تسببت هذه الهيمنة في زيادة سطوة الإسلاميين في النزاع المسلح، مما دفع القوى غير الإسلامية مثل الجيش السوري الحر إلى المشاركة في عمليات إلى جانب فصائل إسلامية أو حتى جماعات جهادية، باعتبار أن الحتميات العملية لمحاربة النظام أكثر أهمية من الفوارق الأيديولوجية. لذلك كله، تأثر كل من المدنيين والثوار بهذه الأسلمة، خصوصا في المناطق التي يسيطر عليها الفكر السني المحافظ، مثل حمص، وإدلب، وحلب. ما يعني أن الأكثرية "السنية" هي القوة السياسية المهيمنة، إن لم تكن الوحيدة التي وقفت في وجه الأسد، حتى حين اعتبر الشعب أن الإسلاميين لا يمثلونه ولا يرتبط بهم. 

كما لعبت العوامل الخارجية، كذلك، دوراً حاسماً، لا سيما القوى الإقليمية المؤثرة، مثل السعودية، وقطر، وتركيا، وإيران، إضافة إلى الأيديولوجيات العابرة للحدود وشبكات القاعدة وداعش.

التأثيرات الإقليمية والدولية

رسّخت العداوة الإقليمية بين إيران والسعودية سيناريو الطائفية وأضافت بعداً إقليمياً للنزاع. كما استعادت القاعدة نفوذها في المنطقة، بينما لا تعني الخسارة الإقليمية للخلافة بالضرورة اندثار داعش للأبد. في الحقيقة، تحولت عملية إعادة بناء الهيكلية السياسية لسوريا إلى حلبة للمنافسة بين القوى الإقليمية، واللاعبين الغربيين، والجماعات الإسلامية العابرة للحدود.

لم يعد بالإمكان قراءة الشأن السوري عبر إحداثيات التنافس السياسي الوطني الذي كان سائدا منذ استقلال سوريا. إذ تمت الاستعاضة عن الانقسام بين البعثيين "العلمانيين" (إذا جاز التعبير) والإسلاميين بالصراع السني- الشيعي. ثم استفحل هذا الصراع الجديد بفعل عوامل خارجية كتدخل القوى الإقليمية (إيران، السعودية، تركيا)؛ وتأثير التعبئة الإسلامية للجماعات العابرة للحدود (القاعدة وداعش)؛ وأخيراً وليس آخراً النفوذ السياسي للاعبين الدوليين مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة. نتيجة لذلك، تعطل هذه الملابسات أشكال التفاعل القديمة بين الإسلام والسياسة، بل تؤدي إلى عواقب سلبية. 

مستقبل الإسلام السياسي في سوريا 

قد تُترجم العودة إلى إضفاء الشرعية على نظام الأسد بأنها اعتراف بالمؤسسات والشخصيات الإسلامية الدينية، وذلك بالاستناد إلى الخريطة الحالية لتوزع القوى والنفوذ. أولاً، ستغدو المناطق المحلية، والريفية على وجه الخصوص، مفتاحاً لتنفيذ تلك الاستراتيجية التي طُبقت أول مرة أثناء حصار المدن الواقعة تحت سيطرة داعش. كما تشير الأحداث الجارية في مختلف المناطق إلى أن الشخصيات الدينية ستواصل حفاظها على الدور الاجتماعي والاقتصادي الذي اكتسبته أثناء الصراع.  علاوة على ذلك كله، صنف الأشخاص الذين لعبوا دوراً في الحكم المحلي في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة، باعتبارهم إرهابيين وطردوا بعد أن استعاد الأسد السيطرة على حلب عام 2016. ومنحت الحكومة المؤسسات الدينية القدرة على العمل في تلك المناطق، بهدف تجنب خلق فراغ فيها. إذ تُنشئ هذه الهيئات المدعومة من الحكومة جمعيات خيرية خاصة بها، إضافة إلى تقديم الخدمات الطبية والتعليمية والاقتصادية، مما سيتيح الفرصة لهياكل مجتمعية وشبكات محلية جديدة، تؤدي في نهاية المطاف إلى التأثير في توازن القوى بين الدولة والدين على المستوى الوطني. كما تساهم الجماعات الدينية في الخارج في ترسيخ هذا المسار. 

وبهدف الحفاظ على ارتباط وثيق بالمجتمعات المحلية السورية، أقام العديد من المشايخ ورجال الدين الذين غادروا سوريا بعد اندلاع الثورة في 2011 منظمات عدة كالمجلس الإسلامي السوري. فضلاً عن الفرص الجديدة التي تكتسبها منظمات الشتات الدينية وذلك بعد أن كانت قد انفصلت عن السياق السوري لعقود طويلة. إذ سخرت رابطة العلماء السوريين التي أنشأت في المنفى في ثمانينيات القرن الماضي، روابط متينة مع المناطق المحلية السورية منذ 2011. وعلى سبيل المثال، مُنح محمد صابوني، الرئيس الأسبق للرابطة عام 2012، كامل السلطة على جهود الإغاثة في المناطق التي كانت واقعة سابقاً تحت سيطرة لواء التوحيد، أحد فصائل المعارضة. 

في الوقت ذاته، ستواصل الدولة التمسك بدورها باعتبارها المصدر الذي يمنح الشرعية الدينية في البلاد. حيث يعد القانون رقم 31، الذي صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2018، مثالاً على محاولة الدولة بسط سيطرتها على الشبكات الدينية في سوريا.  ويوسع التشريع الجديد هيمنة وسلطات وزارة الأوقاف (وزارة الشؤون الدينية) وموظفوها؛ ويعرف النسخة "الصحيحة" من الإسلام؛ كما يحدد إجراءات التعيين في المناصب الدينية مثل منصب مفتي الجمهورية؛ ويوضح المسؤوليات، والحدود، ورواتب المسؤولين الدينيين؛ ويحدد العقوبات التي تفرض على المخالفات المرتبكة من قبل هؤلاء المسؤولين. ويؤكد التشريع على رغبة الحكومة في تعزيز دور الوزارة الاجتماعي والاقتصادي في دعم رجال الدين المحليين.

تعد مثل هذه الإجراءات مؤشراً إيجابياً على مستقبل الإسلام السياسي السوري: حيث تزعم الدولة أنها حامية الأديان كلها، والإسلام على وجه الخصوص، وفي الوقت ذاته، تشوه صورة المعارضة السياسية الإسلامية باعتبارها معادية للوطن وضارة بمصالحه. في حين أن القوى السنية السياسية ستفشل في خلق جبهة موحدة وذلك على خلفية تباين الولاء للحركات الإسلامية العابر للحدود مثل القاعدة وداعش، والقوى السياسية الإقليمية في الخليج. 

وسيغدو الإسلام عنصرا بالغ الأهمية لتحقيق المصالحة. وسيكون أكثر السيناريوهات منطقية هو ذلك الذي يرسخ "إسلامية" الدولة بدعم من روسيا وإيران، بينما ستعارض ذلك الجماعات الإسلامية الراديكالية التي ستطلب العون من دول الخليج، أو السعودية، أو تركيا وذلك بناء على استراتيجياتها  وأيديولوجيتها.

تشكل العملية العسكرية التي شنتها تركيا في شمال سوريا، بعد سحب أمريكا دعمها للقوات الكردية التي تقاتل داعش في أكتوبر/تشرين الأول 2019، دلالة على ما ينطوي عليه المستقبل السياسي في البلاد. فقد عززت هذه العملية التحالف الروسي الإيراني الأسدي، وبالتالي منحت نظام أسد دوراً مهيمناً. كما يعني ذلك تضاؤلاً كبيراً للدور الأمريكي في الصراع. ونتيجة لذلك، فإن حالة الاستقطاب التي تصور الشيعة بصفتهم "مضطهِدين" ضد السنة باعتبارهم "مضطَهدين" ستحافظ على أهميتها السياسية. 

التعليقات (3)

    واحد من الناس

    ·منذ 3 سنوات أسبوعين
    وجود روسيا في سوريا قد ينتهي بيوم وليله.. لان روسيا غير مستقره سياسيا لان فيها حكم الرجل الواحد..والعدل اساس الملك...فهناك جمر تحت الرماد ..وكل الامور قد تنقلب رأسا على عقب في أيام...

    آشور

    ·منذ 3 سنوات أسبوعين
    الإسلام السياسي لا يقدم حلول لأيّ مجتمع، بل يخلق أزمات سيما في مجتمع متنوع كالمجتمع السوري والحديث عن أكثرية وأقليات هو سلاح مافيا الاسد وليس سلاح الشعب السوري! يجب ظهور أحزاب وطنية والحركات الدينية اسلامية أو مسيحية غير وطنية بالنهاية بل طائفية!

    متابع

    ·منذ 3 سنوات أسبوعين
    هذا التقرير هو عبارة عن سرد سطحي للأحداث دون تحليل عميق لحقائق الأمور، فأهل مكة أدرى بشعابها
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات