فضح ديكتاتورية الأسد ودمويته!
كان حمود الشوفي المولود في مدينة (صلخد) في محافظة السويداء عام 1936 قياديا بعثيا بارزاً منذ ستينيات القرن العشرين، وقد اشتهر كما يقول رفاقه بحدة المواقف، وصوابية الرؤى.. ونظافة اليد.. وخلال السنوات الأولى لانقلاب حافظ الأسد، استشعر الشوفي سعي هذا الضابط الأقلوي الانتهازي الذي انقلب على رفاقه وحل مجلس الشعب وعيّن آخر كل أعضائه معينون بلا انتخاب، وسجن أستاذه صلاح جديد، إلى الإمساك بالسلطة والتفرد بالقرار.. ولم يكن وصفه له بالديكتاتور، حين أعلن انشقاقه في مؤتمر صحفي بمقر الأمم المتحدة من باب الهجاء السياسي، بل توصيفاً شخصياً، يستند إلى أفكار حافظ الأسد نفسه... إذ روى حمود الشوفي للباحث حنا بطاطو شيئا من تلك الأفكار فقال:
"قالي لي حافظ الأسد عام 1971 الناس لهم مطالب معيشية في الدرجة الأولى، ونستطيع تلبية تلك المطالب بشكل أو بآخر، وهناك مئة أو مئتان بالأكثر ممن يعملون جدياً بالسياسة او يتخذون منها مهنة لهم، وهؤلاء سيكونون ضدي مهما فعلت، وإن سجن المزة أصلاً بني من أجل هؤلاء".
كان حمود الشوفي الذي انتسب لحزب البعث وهو في المرحلة الإعدادية عام 1951 وعُين أمينا قطريا بين عامي (1963-1964) ثم استقال احتجاجا على تدخلات اللجنة العسكرية، قد عينه حافظ الأسد بعد انقلابه الذي استولى فيه على السلطة عام 1970، مديرا لإدارة أمريكا في وزارة الخارجية بين (1972- 1978) قبل أن يرسل مندوبا لسوريا في الأمم المتحدة عام 1978 خلفا للمندوب السابق الدمشقي موفق العلاف.
أما حدث انشقاقه والذي أعلنه حمود الشوفي في مؤتمر صحفي في نيويورك عقد بتاريخ 27 كانون الأول/ ديسمبر عام 1979 فقد كان حدثاً مدوياً شغل وكالات الأنباء والصحف والمجلات العربية والعالمية. حيث وصف الشوفي في مؤتمره الصحفي حافظ الأسد بالديكتاتور، وتحدث عن الفساد الذي ينخر الجهاز الحكومي في سورية، وسخر من حملة الأسد على الفساد في ظل غياب الممارسات الديمقراطية الحقيقية، كما سخر مما لقيته تلك الحملة من دعاية وإشادة إعلامية حينها، مؤكدا أنها "توقفت فور أن بدأت واقتصرت على توريط أصدقاء شخصيين وأقرباء في مناصب حكومية وعسكرية منتقاة من قبله".
خان بلده وتعلق بشركاء كامب ديفيد!
جن جنون نظام الأسد أمام هذه الحالة غير المسبوقة من الانشقاق على مستوى سياسي رفيع، وقبل أن يستفيق من الصدمة، كان بيان وزارة الخارجية السورية قد دبج اتهاما آخر للشوفي، لا علاقة له لا بالحريات ولا بغياب الممارسات الديمقراطية.. ولا بأي وضع داخلي.
فقد وجد النظام في اتفاقية كامب ديفيد التي كان الرئيس المصري محمد أنور السادات قد وقعها عام 1976 مع إسرائيل ضالته المنشودة، وخصوصا أن التمسح بالقضية الفلسطينية كان تجارة الأسد الرابحة والمفضلة!
فقد اتهمت وزارة الخارجية حمود الشوفي بـ"خيانة الثقة التي وضعتها فيه بلاده، والمساس بوطنه وبقضية الأمة التي ينتمي إليها" وعدد البيان التهم الموجهة للشوفي حيث زعم "أنه اتخذ في الجمعية العامة مواقف غير وطنية تتناقض تماما مع السياسة السورية لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بالرغم من التعليمات الشديدة الوضوح والملاحظات المتكررة التي طلب منه فيها الالتزام بحرفية خط السياسة التي تنتهجها سورية ".
وأضاف البيان أنه عندما لامته الوزارة على تصرفاته "لم يتردد في الكشف عن تعلقه بشركاء كامب ديفيد" .
وقد زعم البيان أن "بعض الدول العربية الشقيقة اتصلت بوزارة الخارجية السورية للفت نظرها إلى النشاط المشبوه الذي يمارسه الشوفي، لا سيما اتصالاته بالوفد المصري وبعض المؤيدين لكامب ديفيد"!
حكم بالإعدام ومحاولتا اغتيال!
بعد انشقاق حمود الشوفي، أصدر حافظ الأسد حكما غيابيا بالإعدام عليه بتهمة الخيانة العظمى، كما صوردت أملاكه وأملاك زوجته، وضيق على الكثير من أقاربه وأودع بعضهم السجن.. وحاولت مخابرات الأسد اغتيال الشوفي مرتين إلا أنه نجا.. وأكمل حياته في ولاية جورجيا الأمريكية حيث عاش ليشهد انطلاق الثورة السورية.. وإسقاط تمثال حافظ الأسد في درعا وتمزيق صوره في حمص.. واندلاع المظاهرات ضد النظام في شتى أرجاء سورية... ثم رحل عن (75) عاماً استطاع أن يخلد فيها اسمه في ذاكرة السوريين بموقف وطني نبيل دفع ثمنه غاليا... ولكنه سجل اسمه في التاريخ السوري بشجاعة.. حين صرخ بكلمة حق في وجه ديكتاتور دموي جائر!
التعليقات (6)