تفاصيل أسدية-4 حافظ الأسد يطبق على دمشق: ترييف أم علونة.. أم أسدنة؟

تفاصيل أسدية-4 حافظ الأسد يطبق على دمشق: ترييف أم علونة.. أم أسدنة؟
لابد لنا من توضيح بعض المفاهيم التي تحكم رؤيتنا لهذه التفاصيل الأسدية. كي لا نبقى أسيري الخطاب المتداول ومعاييره وسياقاته التي تحكمنا. من جهة أخرى نحن مربكون حتى اللحظة في إنتاج معرفتنا عن بلدنا. لكننا نحاول المثابرة من أجل إنتاج مفاهيمنا عن بلدنا هذه. أحيانا أجد نفسي مثلا، عند مناقشة أي جانب في وضعيتنا، والكتابة فيه وعنه، أجد أن أدوات معرفتنا ناقصة. في كل محاولة لتلافي النقص هذا تجد نفسك أحيانا في حالة فقر معرفي من جديد. نحاول تبييئة مفاهيم سوريا. مازلت أذكر ردود بعض الأصدقاء على دراسة مطولة قمت بها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي حول مفاهيم الوطنية واللاوطنية والبرجوازية البيروقراطية، قلت فيها لا يمكن الحديث عما يجري في سوريا، دون تشريح حالة اللاسلم واللاحرب القائمة بين سوريا الأسد وإسرائيل، معترضاً في ذلك الوقت على تقييم النظام انطلاقا من مفهومي الوطنية واللاوطنية التي كان يتبناها حزبنا (حزب العمل الشيوعي) في سوريا. للأسف تم مصادرة هذه الدراسة وكانت تقع في 140 صفحة تقريبا. كتبتها وأنا في حالة تخفٍ هروبا من المخابرات في حلب.

استتب وضع البلد أسديا منذ عام 1972  بالتأكيد معادلة "ريف/ مدينة" على أهميتها في دراسة تشكل المجتمعات المعاصرة، إلا أننا هنا نتحدث عن حالة سياسية فرضت من فوق على الريف والمدينة معا. 

برأيي الأجدى القول أسدنة دمشق وليس ترييفها، وهي محاولة لإنتاج مفاهيم خاصة بالحالة السورية، والتي لاتزال معرفتنا قاصرة عن التعريف بحالنا. علما حاولت في الجزء الأول الحديث عن الطبيعي والطبقي في قضية ريف مدينة. لكننا هنا أمام حالة خاصة جدا، وهي أسدنة دمشق. أو أسدنة حلب بالتالي أسدنة سوريا ريفا ومدينة. يقول بعض الأصدقاء الكتاب بعلونة الدولة السورية عسكريا على الأقل، وأصدقاء آخرون يتحدثون عن" أهلنة الدولة". هذا ما اشتقه المفكر السوري ياسين الحاج صالح. هذه الأهلنة مستندة على الأهل العلوي، كما يراها ياسين " ظهور الدولة الأهلية والمجتمع الأهلي، وصعود السياسة الأهلية والثقافة الأهلية، أعني جنوح السياسة القليلة المتاحة لأنه تجد حواملها في الجماعات الأهلية، وتحول الثقافة إلى تعبيرات مواربة قليلاً أو كثيراً عن الولاءات والاستقطابات الأهلية".

أعتقد مع خصوبة كل هذه القراءات إلا انني أجد من المناسب في سوريا الحديث عن أسدنة الدولة والمجتمع معا. وهذا يستغرق الأهلنة والعلونة والترييف. هذا ما حاولت الحديث عنه في مقالات سابقة وأسميته" عقيدة الأسد". نحن لا نتحدث عن ديكتاتور حكم لسنوات قليلة بل نتحدث عن ديكتاتور يحكم منذ أكثر من 53 عاما. خمسة عقود، تغير فيها العالم بمسافات ضوئية. وسوريا الأسد تغيرت بمزيد من فشل الدولة وتغول الأسدية.

يقول الباحث شوكت غرز الدين" أنَّ مفهوماً كمفهوم الفاعل السياسيّ يشمل جميع الفاعلين السياسيّين الذين وجدوا والموجودين الآن والذين سيوجدون في المستقبل، ولكنه يتضمن أقل قدرٍ ممكن من الصفات الأساسيّة التي يشترك فيها جميع الفاعلين السياسيّين، والتي يمكن أنْ تحدّ المفهوم وتعيّنه. وبفضل ممارسة السلطة كسلطة، ومسلّماتنا المعرفيّة عن هذه الممارسة، حدثَ عندنا العكس؛ فتقلّصَ عندنا مفهوم «الفاعل السياسيّ» في الشمول، واقتصرَ على فاعلٍ واحد هو الرئيس أساساً، والذي يتبعه بدرجات متفاوتة عدد معيّن من الفاعلين، ينظم العلاقة فيما بينهم شكلٌ هرميٌ وخيطٌ لا مرئيٌ يصلهم بشخص الرئيس. وهؤلاء الفاعلون هم: النظام، الأمن، الجيش، رئيس الوزراء، الوزراء، أصحاب رأس المال، الحزب، النقابات العماليّة والحرفيّة والاتحادات بأنواعها الفلاحيّة والنسائيّة والطلابيّة والشبابيّة والرياضيّة ومنظمات الطلائع و«المؤسسات» الدينيّة والمذهبيّة. كذلك الدولة، ومؤسساتها التنفيذيّة والماليّة والدبلوماسيّة والتشريعيّة والقضائيّة والإعلاميّة والأيديولوجيّة".

الأسدنة تتميز بالاستيلاء على المال العام أيضا. بالسرقة والنهب أو بالتحكم عبر أجهزة دولتها. الأسدنة انطلاقا من مفهوم الفاعل السياسي، انطلقت بشكل سريع منذ المنتصف الأول للسبعينيات، وحل الأسد فاعلا سياسيا وحيدا في سوريا. حتى وصلنا إلى ما عرف ب" سورية الأسد". في الأرياف والمدن والبعيدة عن دمشق يمكننا أن نجد هامشا أهليا ما عشائريا أو دينيا، لكن في دمشق أطبق عليها الأسد إطباقا قل نظيره في أي عاصمة عربية أخرى اللهم طرابلس الغرب، وبغداد في عهد صدام. لا ينفع القول إن هنالك شراكة لأي طرف مع الأسد، من حيث الفاعلية السياسية. يمكننا الحديث أنه بعد اتفاقيات الفصل عام 1974 التي تمت برعاية هنري كيسنجر على الجبهة الإسرائيلية السورية، ثم زيارة نيكسون الرئيس الأمريكي لدمشق 1975. ودخول القوات الأسدية إلى لبنان، هؤلاء المتبقون في النظام عبارة عن منفذين لسياسة هذا الفاعل السياسي على كافة المستويات. 

لا يحتاج الأمر لدليل وهو ببساطة أن الجميع يتغير ما عدا الأسد. وهذا ينطبق على الأسد الابن. الجميع بدون استثناء ضباط وزراء مدراء مؤسسات. كل ما يخص أجهزة الدولة والقوة يتغير، المسؤولون فيها إلا الأسد. الحديث عن شركاء للأسد بوصفه فاعلا سياسيا حديث غير خصب ولا يقدم أية فائدة. هذا الفاعل السياسي تكرس بفعل اتفاقيات الفصل هذه. بدون تحليلها وتحليل الوضعية التي نتجت عنها لا يمكننا فهم العقيدة الأسدية. حتى في عهد الشباطيين الذي لم يدم سوى سنتين قبل أن يستولي الأسد عمليا على السلطة 1968. قبله في عهد القيادة الانقلابية الآذارية 1963-1966 كان هنالك مراكز قوى داخل الحزب ومؤسسات الجيش والأمن، يمكننا فيها الحديث عن تعدد الفاعل السياسي نسبيا. هذا الموضوع بعد عام 1968 بدأت نهايته وتوجت بشكل نهائي في زيارة نيكسون لدمشق. باتت عمليا "سوريا الأسد" تتويج غربي أمريكي بامتياز وسوفييتي ايضا، لأن السوفييت كانوا يرون أن هذا حجمهم في دمشق. رغم معرفتهم بالأسد ونظامه. هذا الفاعل بحكم القمع والرشوة، لم يعد يحتاج كثيرا لتدريب منفذي أوامره لأنها باتت شبه معرفة، والقنوات المهمة للتواصل السياسي على الصعيد الدولي خاصة مع السوفييت والأمريكان والإسرائيليين والفرنسيين كانت ممسوكة من الأسد شخصيا. البقية منفذون ومستشارون في أقصى حالاتهم. سواء كان هؤلاء علويين أم سنة أم مسيحيين أم دروزا أم اكرادا.

أطبق الفاعل السياسي الأسدي الوحيد على دمشق.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات