زوجات المعتقلين: قصص يخنقها المجتمع بثوب الحياء ويقتلها الانتظار ووطأة الحياة

زوجات المعتقلين: قصص يخنقها المجتمع بثوب الحياء ويقتلها الانتظار ووطأة الحياة
رغم إخبار حياة العشرينية أن زوجها المعتقل في سجون النظام قضى تحت التعذيب، إلا أنها ما تزال ترفض فكرة موته بغياب الجثة أو أي تأكيد تطوي به صفحات أمل رؤيته من جديد.

تواجه زوجات المعتقلين والمفقودين في إدلب والشمال السوري صعوبات كبيرة يسودها عدم الاستقرار وفقدان الأمان والضغوط النفسية ، يضاف إليها عيون المجتمع المراقبة لتصرفاتهن وسط ظروف معيشية مأساوية.

تروي حياة قصة اعتقال زوجها لأورينت نت فتقول إنه كان يعمل سائق حافلة في دمشق ولا تعلم السبب خلف اعتقاله على أحد الحواجز الأمنية بتاريخ 26  مارس /آذار  2013، ولم تجد كل محاولات أهله في البحث عنه ضمن أفرع الأمن المتعددة وأروقة المعتقلات، إلى الوقت الذي جاء فيه اتصال هاتفي من أحد أصدقاء زوجها يخبرها أنه فارق الحياة تحت التعذيب بشهادة أحد المفرجين عنهم .

عادت حياة بصحبة بناتها الثلاث التي لا يتجاوز عمر أكبرهن الست سنوات إلى إدلب مسقط رأسها لتسكن في منزل أخيها بعض الوقت ثم تستقل بمنزل خاص بها رغم معارضة أهلها لفكرة سكنها بمفردها.

"لم أعد أحتمل نظرات الجميع لي على أنني وبناتي عالة عليهم، فقررت الاستقلال والاعتماد على نفسي وبدأت البحث عن عمل " لم يكن إيجاد عمل ملائم أمراً سهلاً على حياة وخاصة أنها لا تملك أي شهادات أو خبرات، لتتمكن بعد مدة ليست بالقصيرة وبمساعدة إحدى قريباتها من الحصول على عمل ببيع الألبسة الجاهزة براتب شهري يمكنها من دفع إيجار منزلها والإنفاق على نفسها وبناتها.

وتؤكد حياة أنها لم تفقد الأمل بعودة زوجها وخروجه سالماً من سجون النظام ، ذاك الأمل الذي تستمد منه قوتها وعزيمتها واستمرارها.

عادةً ما يكون العذاب اليومي المستمر لأفراد عائلة المعتقل هو أعمق تأثيراً وأشد وطأة على الزوجات والأمهات والأطفال الذين يحملون العبء الأكبر من منظور اقتصادي واجتماعي .

منظور اقتصادي حين يكون المعتقلون المعيلين الوحيدين لعوائلهم وهنا يقع عبأ الإنفاق والإعالة على الزوجة، ومن ناحية اجتماعية فإن القرار الذي تتخذه زوجة شخص مفقود بالانتظار أو الطلاق أو الزواج بآخر هو ليس مسألة شخصية بقدر ما هو مسألة عامة ولها تداعياتها الاجتماعية .

وإن كانت حياة قد تمكنت من الاعتماد على نفسها وإعالة بناتها بعد إيجاد عمل فالكثيرات من زوجات المعتقلين عجزن عن ذلك .

تقف رنا النجار الثلاثينية حائرة بعد أن تقطعت بها السبل وأنفقت كل مدخراتها وباعت كل ما كانت تملكه لإنفاقه إما على أطفالها الأربعة وإما لدفع أجور المحامين الذين وعدوها بالعمل للإفراج عن زوجها المعتقل منذ أكثر من ست سنوات لتكتشف مؤخراً أنها تعرضت للاستغلال والنصب والاحتيال بعد أن دفعت تلك الأموال دون نتيجة وغدت على حافة الإفلاس تصارع الحياة مع أبنائها.

تتالت السنوات العجاف على النجار بانتظار الإفراج عن زوجها أو طمأنتها عنه دون جدوى، ونظراً لفقدانها الأمل بخروج الزوج المفقود بعد كل تلك السنوات ونظرا لحياتها الصعبة بمفردها وعدم قدرتها على الإنفاق على نفسها وأبنائها عاشت صراعاً بين رغبتها بالزواج من رجل آخر وبين خوفها من مذمة المجتمع لها واتهامها بالأنانية والخيانة وهو ما جعل مصيرها عالقا يتأرجح بين المزيد من الانتظار وبين تحمل الأعباء الكبيرة الواقعة على عاتقها .

تقول النجار " أعيش معاناة كبيرة ومأساة ولوم لا ينتهي من المجتمع ،وبت أعيش على المساعدات والمعونات الشهرية بعد أن عجزت عن تأمين عمل كريم يؤمن قوت أطفالي ،وما زاد الطين بلة تعرضي للكثير من الأقاويل والإشاعات ورصد تحركاتي من قبل المجتمع الذي لا يرحم المرأة حين تكون بمفردها ".

الشرع رحيم ولكن!

الأخصائية القانونية ريم عبيدو تقول إن  الشرع يعطي الحق لأي امرأة انقطعت أخبار زوجها لأكثر من سنة أن تطلب الطلاق من القاضي، وأن تعتدّ بعدها ومن ثم تصبح حرة في حال أحبّت الارتباط.

وتضيف أن المجتمع يلعب دورا كبيرا في تقييد حرية المرأة في الاختيار ويجبرها على انتظار زوجها مهما طال الزمن كنوع من وفائها له وهو ما يؤدي لحرمانها من حقها الشرعي في الزواج مرة أخرى وبقائها أسيرة الخوف من الانتقادات التي تضر بسمعتها.

 

وتشدد على أهمية الالتفات لعوائل المعتقلين والمغيبين قسرياً، وخاصة الزوجات اللواتي بتن يعشن ضمن سجن كبير تفرضه عليهن مجتمعاتهن المحلية، وتمكين هذه الفئة من خلال ضمان حقوقهن ورفع قدراتهن ليصبحن قادرات على حماية أنفسهن وأولادهن.

وبحسب ٱخر إحصائية لفريق منسقو إستجابة سوريا بلغ عدد النساء الفاقدات لأزواجهن في المناطق المحررة بإدلب والشمال السوري نحو ٤٥ ألفاً و١٧٢ امرأة ، فيما أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن  ١٣ ألفًا  ٩٣٨شخصاً قُتِلوا جراء التَّعذيب في سجون نظام أسد منذ انطلاق الثورة السورية في آذار ٢٠١١، مشيرةً إلى أن نحو ١٢٨ ألفًا لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي في سجونه التي تفتقر لأدنى المقومات الإنسانية بالإضافة إلى أساليب التعذيب التي تصنف الأسوأ عالمياً.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات