الديموغرافيا الورقة الرابحة بصراع العشائر العربية مع ميلشيا قنديل

الديموغرافيا الورقة الرابحة بصراع العشائر العربية مع ميلشيا قنديل
تتميز منطقة شرق الفرات بغالبية عربية سنية ذات طابع عشائري وقبلي، في حين تتجاوز نسبة العرب السنة 80% من مجمل السكان، إضافة إلى وجود الأكراد السنة وأقليات أرمنية وأيزيدية وآشورية، فنظرا لطبيعة الثروات الباطنية والزراعية التي تحتويها المنطقة، شكلت عقدة صراع بين قوى الاحتلال المختلفة لسوريا من الروس والإيرانيين والأمريكان، وخاصة لما تمتلكه المنطقة من حدود استراتيجية طويلة مع العراق وتركيا.

أمريكا وإضعاف قسد.. مسألة وقت

الأمر الذي جعل المنطقة مساحة تمدد ونفوذ لتنظيم (داعش) القادم من العراق، والذي تحاربه وتستثمر فيه جميع القوى المتصارعة على الأرض السورية وعلى رأسها إيران والنظام السوري، فكان توجه الأمريكان أشبه بخطأ استراتيجي كبير في محاربة تنظيم الدولة من خلال رعاية أمريكا لحزب العمال الكردستاني الماركسي ومشتقاته من الميليشيات الكردية للقضاء على تنظيم الدولة، مقابل تهميش دور العشائر العربية وإضعافها على مدى السنوات الأربع الماضية، فكان إعلان أمريكا عن هزيمة تنظيم الدولة في سوريا أشبه بفقاعة ما لبثت أن تكشف زيفها مع عودة نشاطات التنظيم العسكرية إلى الواجهة مجددا بتكتيكات عسكرية يصعب على ميليشيات (قسد) مواجهتها من دون دعم جوي وعسكري مفتوح لهذه الميليشيات، بينما تفضل أمريكا الحفاظ على نفس استراتيجية المواجهة مع تنظيم الدولة ولكن بوجود أمريكي أقل وبتكلفة أدنى، وهذا ما يفسر تصريحات المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا (جيمس جفري) أن بلاده لم تعط ميليشيات (قسد) وعودا بإقامة كيان كردي في شرق الفرات، الأمر الذي ترجم على أرض الواقع باجتماعات للمسؤولين الأمريكيين مع زعماء العشائر العربية في دير الزور والحسكة والرقة.

هل ينجح الروس باستمالة العشائر العربية؟!

بدأ الروس توغلهم في شرق الفرات مع تنفيذ تركيا لتهديداتهم العسكرية بضرب ميليشيات حزب العمال الكردستاني، والذي ما لبث أن هدأت العمليات التركية لتهدأ معها حدة التناغم الروسي – القسدي، الأمر الذي دفع الروس إلى طرق باب العشائر العربية السنية في محاولة يراها البعض صعبة النجاح سواء في الحسكة أو شمال سوريا، لإيجاد مناطق احتكاك مع الأمريكان والسيطرة على شيء من الثروات التي تعين نظام أسد، وهذا ما قد يثير شهية الأمريكان في إيجاد آليات عمل مستقلة مع العشائر العربية بعيدا عن قسد، الأمر نفسه ترافق مع تزايد النفوذ الإيراني في أجزاء غرب الفرات في دير الزور، في عملية تنافس حميمي وحساس على منطقة تشكل ثقل سوريا الاقتصادي والاستراتيجي.. ويبدو نسيجها العشائر والمجتمعي اليوم منهكاً بفعل التسلط الطارئ للميليشيات الكردية المدعومة أمريكيا لدور وظيفي سرعان ما سيزول قبل أن ترسخ قسد سياسة أمر واقع لن تستطيع تثبيتها إلى ما لا نهاية

ولعل هذه الانعطافة الأمريكية والروسية تعتبر بداية انتصار الديموغرافيا العربية السنية على الميليشيات الدخيلة من جبال قنديل وإيران وتركيا، إذ تؤدي الديموغرافيا العشائرية دورا كبيرا في تحديد هوية المسيطر الدولي على المنطقة بفعل الكثافة العربية، مقابل مصالح كبرى لا يمكن أن تؤديها ميليشيات أقلوية منبوذة اجتماعيا على الصعيد الكردي الإسلامي السوري المختطف من قبل قسد، أو الصعيد العربي الإسلامي الذي اختطف بعيداً عن المجريات بحجة محاربة تنظيم الدولة وتنفيذا لرغبة الميليشيات الطائفية الشيعية.

مهما بدا اليوم أن العشائر التي اغتالت ميليشيا قسد بعض زعمائها وحاولت استمالة البعض الآخر بشروط أقل من مقياس زعاماتها، مهما بدت هذه العشائر غائبة عن الفعل والتأثير الحقيقي على الأرض اليوم، فإن  الكلمة الفصل تبقى لها.. وتبقى مرهونة بتحرك عشائري سياسي لتغليب مصلحة السوريين وإنقاذ شرق الفرات من جحيم الميليشيات العنصرية، وبالتالي تحريك المياه السياسية الراكدة نحو مزيد من الحيوية التي تفرضها الديموغرافيا على المدى البعيد. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات