رمضانيات أورينت نت: الشمال السوري يضج بمبادرات الخير

رمضانيات أورينت نت: الشمال السوري يضج بمبادرات الخير
لطالما كان لشهر رمضان المبارك رونق خاص وروحانية متميزة تتجلى في استعداد الصائمين للإحساس بجوع غيرهم، وسعيهم للانخراط في فعل الخير، إذ يُلاحظ حسن المعاملة بين الناس أكثر من أي وقت آخر، إيمانا  بالأجر والثواب من الله عز وجل.

وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي السيئ لدى الغالبية من سكان الشمال السوري وخاصة بعد حركات النزوح الكثيرة وصعوبة تأمين متطلبات الحياة ولاسيما في المخيمات.. فإن مظاهر عمل الخير والسعي لإطعام الجائع تبدو عنوانا لمجتمع مازال يؤمن بالتكافل رغم كل ما مر على رأسه من مصائب ومظالم.  

أرقام وإحصاءات 

تصادف المخيمات الكثيرة أينما توجهت على هوامش الطرقات وأطراف المدن حيث بلغ عدد المخيمات في  الشمال السوري 1304مخيمات يسكنها 1,048,389 شخصاً ومنها 393 مخيماً عشوائياً يسكنها 187,764 وأيضاً وبلغ عدد ذوي الاحتياجات الخاصة 19,297 وأعداد الأرامل بدون معيل 10,809 بحسب منسقو الاستجابة. وجميع هؤلاء يعانون من أوضاع اقتصادية ومعيشية وخدمات متردية للغاية وبحاجة تدخل سريع من المنظمات والهيئات المعنية لتقديم المساعدة قدر المستطاع للتخفيف عن أهلنا المهجرين والنازحين بعد أن هجرتهم آلة القتل والتدمير لميليشيات أسد الطائفية.

تكافل اجتماعي.. وحركات تطوعية

مع حركة النزوح الكبيرة وتجمع الناس بكثرة في منطقة جغرافية صغيرة نسبياً واكتظاظها بالمخيمات المنظمة والعشوائية، ظهرت الأعمال التطوعية لمساعدتهم وخاصة في شهر رمضان المبارك (خطيب الإدلبي)  مدير شبكة تلمنس يحدثنا عن تجربتهم في العمل التطوعي قائلاً:

 "أسسنا شبكة تلمنس نيوز في عام 2016 لنعمل على نقل الأخبار العامة المتخصصة بريف مدينة معرة النعمان الشرقي وبلدة تلمنس بشكل خاص وبعد النزوح والوضع الصعب لجميع المهجرين والنازحين وبداية العام 2021 تحولنا للعمل الإنساني المتمثل بالدرجة الأولى بتقديم وجبات الإفطار لأهالي بلدة تلمنس النازحين، حيث يتم توزيع أكثر من 100 وجبة للعائلات الفقيرة يومياً وأضاف (الأدلبي) "نحصل على الدعم المادي من قبل فاعلي الخير وتجار بلدة تلمنس بشكل خاص للمساعدة باستمرارية العمل من أجل دعم المحتاجين وإيصال رسالة لهم أننا معكم وهناك من يسعى دائماً لخدمة الناس والتخفيف عنهم قدر المستطاع" 

من جهة ثانية حدثنا قائد فريق كلنا واحد التطوعي (حسين مشكل)  قائلاً:

 "شكلنا الفريق منذ عام تقريباً بهدف رئيسي وهو مساعدة الفقراء والمحتاجين ولا سيما في شهر رمضان وخاصة في ظل الظروف المعيشية السيئة التي يمر بها الناس خلال فترة الحرب، حيث يستمر العمل طيلة شهر رمضان المبارك بمعدل 100 وجبة يومياً توزع على بعض مخيمات الشمال السوري"

 وعن آلية العمل والتوزيع يضيف قائلا:

" نقوم مساء كل يوم بتجهيز الوجبات بعد التنسيق مع أحد المطاعم لطبخ وتجهيز الوجيات المتضمنة أرز وفريكة نصف فروج مع باقي ملحقاتها من مخللات وعيران لنوصلها إلى الأهالي المحتاجين".

مواقف.. وعبر

"اجيتوا والله جابكم" عبارة رددها (خطيب الإدلبي) لامرأة  عجوز يبلغ عمرها 65 ضمن أحد المخيمات المستهدفة وهي تبكي وتقول "والله ماطبخت اليوم وناطرة ولاد الحلال" وبعدها ترسم ابتسامة على وجهها وترد عبارت المحبة، التي تجعلنا نبذل قصار جهدنا لتقديم المساعدة والتخفيف عنهم"

وعن أكثر المواقف تأثيرا في نفوس العاملين في هذا المشروع حدثنا (حسين مشكل) قائلاً:

 "غالباً ما يصادف وقت توزيع الوجبات قبل أذان المغرب بأقل من نصف ساعة، فنجد الوجوه البرئية والأيادي المرتعشة تنتظرنا بفارغ الصبر ونلاحظ أن كثيراً من أهالي الخيام لا يصنعون أي طعام وغالبتها لا تفوح منها رائحة تحضير الإفطار، بسبب الفقر أو عدم وجود معيل "وحسبنا الله ونعم الوكيل"

السكبة لكل الجيران

(الحاج عمر القدور) نازح من جبل الزاوية يحدثنا عن عادات وتقاليد شهر رمضان منذ عشرات السنين قائلاً "كنا ننتظر الشيخ سمير ليلوح لنا  بأغصان الزيتون وسراج الزيت من مكان مرتفع قبل أن يبدأ بالأذان لنتجهز للإفطار الذي يسبقه توزيع وجبات الطعام على الأقارب والجيران فلا تجد أي بيت إلا ولديه أكثر من صنف طعام على المائدة الواحدة "ياابني كان الخير كتير" 

حملنا معنا العادات وتقاليد رمضان الجميلة من مدينة حمص إلى مكان نزوحنا بهذه العبارت بدأ (علي الشيخ)  كلامه معنا والذي أضاف "بالرغم من الضائقة المعيشية الصعبة إلا أننا نطبقها يومياً كغيرنا من الناس في الشمال السوري، حيث نعطي الطعام "السكبة" لكل الجيران ممن نعرفهم أو لا نعرفهم فالله يقول {وتعاونوا على البر والتقوى} والنبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا "من فطّر صائماً كان له مثل أجره لا ينقص من أجره شيئا" كل الناس توزع الطعام في رمضان بحسب استطاعتهم من الطعام الموجود أو حبات التمر كما هو أغلب الناس باعتبار أن الوضع المادي ضعيف ولكن هذا لا يمنعهم من عمل الخير ابتغاء الأجر والثواب.

الإيمان بالعمل الجماعي

لا تزال الجهود الإغاثية الخيرة تتضافر بين السوريين في الشمال للتخفيف قدر المستطاع عن المهجرين والنازحين الذين أرهقهم الوضع الإنساني والمعيشي الصعب، وموجات الغلاء التي تعصف بحياة مئات الآلاف اليوم...  ولتطبيق مبدأ التكافل الاجتماعي في أبهى صورة على الرغم من الضائقة المعيشية العامة التي لا تخفى على أحد، يبقى الإيمان بقدرة العمل الجماعي على تحقيق تأثير في واقع صعب أحد أهم الوسائل فاعلية وقدرة..  ويبقى الطمع بالثواب وتطبيق روح العمل التطوعي غاية إنسانية أقوى من كل الظروف التي تواجه السوريين اليوم.. وكما قال الإمام الشافعي:

الناس للناس مادام الوفاء بهم 

والعسر واليسر أوقاتٌ وساعات

وأكرم الناس مابين الورى رجلٌ

تُقضى على يده للناس حاجات

لا تقطعّن يد المعروف عن أحد ٍ

ما دمت تقدر.. والأيام تارات

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات