مفاعل "نطنز" والثورة السورية

مفاعل "نطنز" والثورة السورية
على مدار سنوات الثورة العشر ونحن ننادي بضرورة تلازم المسار العسكري مع المسار السياسي, وضرورة جعل التحركات العسكرية أداة ووسيلة ضاغطة يستطيع من خلالها المفاوض السياسي الاستفادة من قدرات جناحه العسكري وتوظيفها لخدمة الأهداف السياسية على طاولة أي مفاوضات مع الطرف الآخر.

لكن, عوضاً عن ذلك قام الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وفور تشكيله وخلال أسبوعين ومن خلال مؤتمر أنطاليا (4_8/12/2012) بفك العرى بين جناحي الثورة السياسي والعسكري, عندما تنازل للقوى الدولية والإقليمية بالاستفراد بالجناح العسكري للفصائل من خلال غرفتي الموك والموم, وانصرف الائتلاف بعيداً ليتفرغ للتأمل والتفكر وتوزيع المناصب الوهمية القادمة على أعضائه ومرتزقته.

ما دفعنا لهذا الحديث هو ما يحصل اليوم على الساحة الدولية وفي أهم عواصم الشرق الأوسط في تل أبيب وفي طهران.

طهران التي عملت وتعمل منذ عشرات السنوات على دخول النادي النووي الدولي وامتلاك القنبلة النووية, وهي رصدت لهذا الهدف كل ما تملك من أرصدة مالية وبشرية, ووصلت لأشواط متقدمة قرّبتها من الوصول لهدفها المنشود, مما دفع الرئيس الأمريكي "ترامب" إلى الانسحاب من الاتفاق, وتطبيق عقوبات صارمة على إيران وأذرعها في المنطقة, لكن مع دخول إدارة الرئيس بايدن عادت الحياة لأروقة مفاعلات إيران النووية, ولتأمين الضغط العسكري (وهنا لب الحديث) اللازم كعنصر استفادة إيرانية من أدواتها, قامت بتحريك كل أذرعها الإرهابية في المنطقة, فحركت الحوثيين في اليمن لقصف عدة مواقع مدنية ومطارات ومواقع إنتاج وتكرير النفط داخل المملكة العربية السعودية وفتحت جبهات أخرى داخل اليمن, وحركت أيضاً أذرعها في لبنان بتعطيل أي حكومة قادمة, وحركت أذرعها في العراق بضرب القواعد الأمريكية وضرب الاستقرار في إقليم كردستان, وكل غاياتها خلق موقف إيراني ضاغط من خلال الأدوات العسكرية التي تمتلكها في المنطقة على الأمريكان والأوربيين قبل ومع بدء محادثات "فيينا", وفرض ورقة رابحة على طاولة المفاوضات تستطيع من خلالها إيران الوصول لأهدافها السياسية بالاستفادة من أوراقها العسكرية.

على الضفة الأخرى, إسرائيل كانت وما تزال معارضة لأي اتفاق نووي مع إيران يسمح لها باستمرار برنامجها النووي وامتلاك القنبلة النووية, ولذلك مارست الضغوط اللازمة على الإدارات الأمريكية المتعاقبة لمنع حصول ذلك, وعندما كانت تفشل في وقف تلك الاتفاقيات كما حصل مع إدارة الرئيس "أوباما", كانت تفعل ما هو طبيعي ومعتاد من خلال تحريك أدواتها العسكرية والاستخباراتية بضرب أو محاولة تعطيل مشروع إيران النووي, وخلال الأشهر الماضية حصلت عشرات العمليات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية داخل إيران وفي البحار المحيطة بها, منها على شكل هجمات "سيبرانية" معقدة أربكت إيران, ومنها على شكل اغتيالات (أحدها تمثل باغتيال الأب الروحي للمشروع النووي الإيراني الدكتور محسن فخري زادة), أو عبر عشرات التفجيرات التي طالت مشاريع حيوية في العمق الإيراني, لكن الهجوم الأخير على مفاعل "نطنز" كان هجوماً حاسماً وفاعلاً ومغايراً لكل الهجمات السابقة بسبب حجمه وعمقه وخطورته والنتائج التي نجمت عنه.

فـإيران التي دخلت أجواء مفاوضات "فيينا" مع ما تملكه من فائض القوة التي فرضتها بفضل أذرعها الإرهابية من حوثيين وحشد شعبي عراقي وحزب الله اللبناني مع تصعيد بالخطاب السياسي لدبلوماسييها وقادتها, استطاعت رفع سقف أهدافها السياسية المطالبة بمنع أي مفاوضات وجاهية مع الولايات المتحدة الأمريكية, ورفض أي تنازلات عن أهدافها المعلنة قبل رفع كامل العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية بعد انسحابها من الاتفاق.

لكن مع وصول نتائج الهجوم (المنسوب لإسرائيل) على مفاعل "نطنز" النووي إلى أروقة اجتماعات "فيينا", والتي تحدثت عنه الخبرات النووية الدولية بما فيها الإيرانية من أن الهجوم استطاع تأخير العمل بالمنشأة النووية تسعة أشهر على الأقل, دفعت بالجانب الإيراني إلى التنازل والتراجع عن طلباته ذات السقف المرتفع والقبول بما يقدمه الأوروبيون من شروط.

هذا التناغم, وهذا التوافق ما بين الأدوات العسكرية والأدوات السياسية هو الأسلوب الناجع والناجح للتعامل مع القوى المنفلتة والدول التي لا تفهم إلا بلغة القوة كنظام ملالي طهران ونظام أسد, وهذا الأسلوب اليوم كما أجبر إيران وسيجبرها لاحقاً على تجرع السم وهي راضية, كان يُفترض أن نمتلكه كسوريين لنجبر الأسد على تجرع السم هو الآخر أيضاً والقبول بشروط المفاوض السياسي للثورة السورية.

لكن بالواقع الحالي وبانفصام كامل للجناج العسكري (النائم بالعسل) عن الجناح السياسي (التائه بزواريب المنافع واسترضاء الداعم), كيف وما هي الوسائل الضاغطة التي تجبر بشار الجعفري أو أحمد الكزبري ومن خلفهما سيدهما بشار الأسد على تقديم التنازلات أو الرضوخ لمطالب الثورة أو لمطالب القرارات الأممية الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة؟؟

بالواقع العسكري الفعلي الحالي وبتلك القيادات العسكرية عبر أمراء الحرب التي أدارت فوهات بنادقها بعيداً عن الأسد وكل مرتزقته, وبقيادات سياسية أضاعت بوصلة أهدافها, ما الضغوط التي تمارس على الأسد ورعاته ليقبل بالتنازل؟؟

ما يدفعنا لهذا الكلام هو العبرة والاستفادة على الأقل من تجارب الآخرين, وإدراكنا أن تقليع أشواكنا يجب أن يكون بأيدينا, وإدراكنا أن الظروف الحالية هي أكبر فرصة لبقاء الأسد, وأن استمرار الوضع الذي نعيشه ولو امتد لعشرات السنوات لن يؤدي إلى تحقيق عُشر الأهداف التي نطالب فيها, وأن جل ما يمكن أن يقدم لنا بظل الترهل الذي نعيشه هو حكومة وطنية تشاركية يتكرم فيها بشار الأسد علينا بمنح بعض المتخاذلين عددا من الوزارات الهامشية, مع استمرار القيادة الأسدية بحكم سوريا وإجهاض أعظم ثورة لأعظم شعب.

الواقع اليوم يطالبنا وبإلحاح بانتفاضة مدروسة على الواقع المزري الذي نعيشه سياسياً وعسكرياً, والعمل كفصائل وثوريين على نفض التراب عن جبهاتنا بعد أن خلدنا لنوم أبدي مذل أعادنا لما قاله إبراهيم اليازجي (فَقَـدْ شَكَاكُمُ  المَهْدُ وَاشْتَاقَتْـكُمُ التُّـرَبُ), انتفاضة تعيد ترتيب أوراقنا السياسية والعسكرية لخلق واقع جديد يجبر الأمم ومعهم الأسد بالرضوخ لمطالب شعب طالب بالحرية والكرامة.

ما غاب عنا كفصائل ثورة وسياسيين بتلازم المسارين العسكري والسياسي فعلته إيران, وما غاب عنا قد فعلته إسرائيل أيضاً, متى نفعلها نحن؟؟

ملايين السوريين ينتظرون تلك اللحظة ... فهل نلبي النداء؟؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات