السياسة الإيرانية: بين التقية العقائدية والتقية السياسية!

السياسة الإيرانية: بين التقية العقائدية والتقية السياسية!
لم تختلف سياسات الدولة الإيرانية المعاصرة في زمن الشاه عن زمن خميني وزمرته، أو عن زمن الإمبراطورية الفارسية التي وأدتها ثورة الإسلام قبل 1400 عام، إنها أعباء التاريخ التي ما يزال يحملها ساسة إيران رغم كل التحولات التي أوجدها الإسلام في أراضي الدولة الفارسية، التاريخ المشوه الذي لن يصل إلى استقامة معقولة أبدا، ذات الثقل الأيديولوجي البغيض الذي تدين به كثير من أقليات المنطقة في مواجهة الإسلام الذي حفظهم وما زال.

التقية العقائدية وحلم الإمبراطورية

 أوجد الصفويون متنفسا لتاريخهم الإمبراطوري الذي مررته دولة الصفويين بقتل مئات آلاف المسلمين، وتقنين ذلك تحت ستار التشيع الذي ما كان مذهبا إلى أن جعلوه مذهبا حيا متجددا وفق ما تمليه الرؤية الصفوية، فكان القتل لأجل الإمبراطورية لا لأجل الإسلام، وهي استراتيجية اتبعها المغول في حربهم ضد الإسلام الإمبراطوري، وليس من الدهاء الذي تميز فيه الفرس، إلا اختراقهم لقلب العالم الإسلامي (المنطقة العربية) وتجنيد الفرق تحت شعاراتهم الإسلامية، فيما يعتبرونه حق الحكم والولاية في الإسلام لعربي أو لغير عربي، فكانت التقية عنوانا عريضا لكل الدول التي حكمت إيران، هذه التقية التي تتجدد وتتغير بحسب ما تقضيه الحاجة، فانهيار الدولة العثمانية وظهور الدول القومية يعقد قدرة الفرس على التمدد في المنطقة العربية الإسلامية، لأنها ستواجه القومية والدين معا، وهذا ما أدركه خميني وداعموه الفرنسيون والغربيون جيدا، لنشهد خمينيا جديدا بعمامة سوداء تشير إلى أصله العربي الهاشمي، ليجمع في شكله أقدس ما في الإسلام (آل بيت النبوة – رؤية الثورة ومن ثم الدولة الإسلامية)، ويجمع في مضمونه أقبح نماذج التقية والعداء (الإمبراطورية القومية الفارسية – اللغة الفارسية – وضرورة السيطرة على غرب آسيا والجزيرة العربية) باعتبارهما جناحي الإمبراطورية الصاعدة! هذه السياسة التي أفضت إلى عقود من الصراع مع المسلمين العرب، الصراع الذي لم تستطع إيران حسمه إلى الآن وكلفها فاتورة كبيرة جدا وخاصة في سوريا التي تمثل شبح انهيار المشروع الفارسي، بالرغم من أن إيران استطاعت حشد جميع الأقليات إلى صفها، إلا أن معركتها مع العرب المسلمين لا تقدر الأقليات والدعم الغربي على حسمها، فالديمغرافيا العربية السنية وتشعباتها أعقد مما كان يتصور المحافظون والإصلاحيون الفرس، والصليبيون الجدد.

التقية السياسية حقيقة ذات وجهين

مثلت الثورات العربية الفانوس السحري للتوغل الإيراني في المنطقة العربية الإسلامية، ولاية الفقيه هذه التي شكلت ومضة النور والحقد لدى كثير من الأقليات الباطنية التي تتذمر أو تعاني من النفوذ الديمغرافي السني، إضافة للأقلية الشيعية العربية المسكونة بالتخلف السياسي والتراث غير المعقول، لتستثمر إيران في كل هؤلاء للسيطرة على المنطقة وذلك بقتل المسلمين (السنة) وتهجيرهم والتنكيل المنظم بهم، وهو ما يسر كثيرا من القادة الغربيين المثقلين بأيديولوجيا العصور الوسطى والحملات الصليبية، وسنوات الحرب الطويلة هذه لم تحسم ولن تحسم بقتل المسلمين لاصطدامها بواقعية سياسية تفرضها عدد من دول الإقليم كتركيا والسعودية، وهكذا دواليك تتراكم خسائر المحور الإيراني وتزداد خيبة إسرائيل والغرب به، هذه الواقعية التي انفجرت في تسريبات جواد ظريف قبل أيام، لتكشف عن مواجع المحور الذي أرهقته الحرب في سوريا والعراق واليمن، في ظل مخاوف من تخلي الغرب عن إيران وتركها لقمة سائغة بفم الثورات ودول الإقليم، فتسريب جواد ظريف تقية بكل معنى الكلمة، فهو يتقي شر الغرب الذي دعمه ولم يستطع تحليل المنطقة من الرابطة الإسلامية بالرغم من كثرة القتل على يد إيران وميليشياتها، ويتقي أيضا شر البيئة العربية المسلمة بإيهامهم بأن سياسة إيران التدميرية في المنطقة هي محض رؤية المحافظين أتباع المرشد خامنئي، وليست محض رؤية الإصلاحيين أتباع الرئيس حسن روحاني، ولكن الحقائق والوقائع تشير إلى تفاهمات استراتيجية بين المحافظين والإصلاحين (بين ولاية الفقيه الصفوية الشيعية وبين رؤية الدولة القومية الفارسية)، وهذه السياسة أشبه بالنظام الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة لكثرة التعقيدات، إنهم يفتشون عن الاستمرارية الفارسية والمخرج معا، وهذه الثنائية ستطيل في عمر إيران في المنطقة وإن لم يطل كثيرا. 

فهل تسريبات ظريف سياسة أم تذمر؟! بالتأكيد سياسة الرقص على وترين وإنعاش الجسد الفارسي الشيعي المنهك، فهي تذمر فرضته المعادلة السياسية في المنطقة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات