من بانياس إلى ديمونة... رسائل حرب تجاوزت الخطوط

من بانياس إلى ديمونة... رسائل حرب تجاوزت الخطوط
أن يصل صاروخ إلى منطقة أبو قرينات في صحراء النقب في فلسطين قرب ديمونة، وأن تشتعل سفينة نفط إيرانية في مصب بانياس السوري على شواطئ المتوسط، وأن تحترق أجزاء مهمة في مفاعل "نطنز"، لا شك أنها مغامرات تشكل تطوراً وحدثاً تجاوز قدرة الأطراف المتورطة على التحمل، أو اكتفائها بعبارات الاحتفاظ بحق الرد أو الصبر الاستراتيجي.

الهجمات السيبرانية وعمليات تخريب المنشآت الحيوية الإيرانية خلال العام الماضي والمستمرة حتى الآن، صحيح أنها كانت ضربات موجعة لكن قيادة ملالي طهران استطاعت احتواءها وترويض الحاضنة الشعبية على أنها ضربات لعدو مأزوم وقلق، رغم أن خسائر إيران كانت فادحة من الناحية المادية ومن الناحية الزمنية وهي الهدف الأهم لأعداء إيران الراغبين بإطالة زمن وصولها للنادي النووي ومنع حصول ذلك كهدف استراتيجي معلن، لكن ما حصل مؤخراً في مفاعل "نطنز" وتدمير قطاع الطاقة بالمفاعل، ومعلومات عن تأخير العمل فيه لمدة تصل لـ تسعة أشهر بأفضل الحالات، شكل ضربة قاصمة لمشروع إيران النووي، وضربة مؤلمة لأهداف إيران التفاوضية التي كانت تتأمل الحصول عليها في مفاوضات "فيينا".

هناك من قال: إن ضرب مفاعل "نطنز" اعتبرته طهران تجاوزاً للخطوط الحمراء، ولإيصال رسالة رد لتل أبيب استغلت إيران هجوم جوي إسرائيلي على منطقة "الضمير" قرب دمشق وأطلقت صاروخاً يرجح أنه من نوع "فاتح" أو صاروخ "سام_"5 معدل استطاع خرق الأجواء الفلسطينية والوصول إلى حدود مفاعل ديمونة (على بعد 30 كم) في منطقة أبو قرينات، عابراً لا أقل من 400كم في الأجواء وسط منظومات لطالما تفاخرت بها وزارة الدفاع الإسرائيلية، من منظومة "القبة الصاروخية" إلى منظومة صواريخ "السهم" إلى منظومة "باتريوت" الأمريكية، وسقط الصاروخ بعد أن استنفد كامل وقوده أو فجره مطلقه، دونما أي إزعاج إسرائيلي للضيف الخطر والمدمر، لكن تفجير بدن الصاروخ (السوري، الإيراني، الروسي) فجر معه نقاشات وسجالات مطولة في أروقة الاستخبارات الإسرائيلية وفي مقرات القرار السياسي، وبات البحث منخرطاً عن جواب لسؤال يقول: كيف عبر الصاروخ وأين وسائطكم وماذا أنتم فاعلون؟

الإعلام الحربي الإسرائيلي حاول احتواء الموقف بخلق تبريرات، وتقديم روايات لم تكن مقنعة حتى للإسرائيليين، وبنفس الوقت (انفلشت) أبواق إيران وحزب الله والأسد لتتحدث عن إنجاز عظيم هز كيان عدوهم في قلب داره، عدوهم (إسرائيل) التي حاولت امتصاص الصدمة وابتلاع طعم الهزيمة عبر تصريحات وعبر لجان تحقيق وهي تدرك أن ما حصل في محيط "ديمونة" لا يمكن تمريره بكلام فضفاض، بقدر ما يحتاج إلى إجراءات عسكرية وقرارات استراتيجية ومراجعة شاملة لكل خطط وإجراءات الدفاع والحماية ليس عن "مفاعل ديمونة" فحسب بل على كامل أراضي إسرائيل.

خبر اشتعال سفينة نفط إيرانية بقذائف من طائرة مسيرة في مرسى مصب مدينة بانياس السورية على سواحل المتوسط، لم يكن خبراً عادياً يمكن المرور عليه دونما تعليق، الخبر الذي أعلنته وزارة نفط الأسد، وسارعت موسكو لتكذيبه، بينما ترددت طهران تارة بتأكيد وقوعه وتارة بالنكران.

مصب بانياس الذي يتم عبره استقبال وتصدير معظم النفط السوري، والذي يقع تحت أنظار قاعدة "حميميم" الجوية الروسية بما تحويه من طائرات قتالية وحوامات ومنظومات سطع وإنذار وبحث ومراقبة مع منظومة دفاع جوي حديثة (إس_400)، ومصب بانياس أيضاً يقع على مرمى حجر من قاعدة طرطوس البحرية، التي تسيطر عليها القوات الروسية مع أكثر من 16 سفينة وطراد ومدمرة تتفاخر بها روسيا، وتنشرها على أرصفتها أو أمام مينائها والمزودة بأحدث الصواريخ الروسية ومنظومات الاستطلاع والمراقبة، وتدعمها منظومات دفاع جوي ومنظومات استطلاع ومراقبة برية تم نشرها على كامل الساحل السوري، لتأمين الحيطة والأمان والإنذار المبكر لكامل العتاد وأماكن التواجد الروسي على السواحل والأراضي السورية.

تكذيب الروس لرواية الأسد لم يكن ناجماً عن معلومة بل حفاظاً على هيبة روسية الضائعة، على مدار السنوات الخمس الماضية اهتزت صورة السلاح الروسي بشكل خطير وبأكثر من حادثة وموقع، فـ تركيا أسقطت للروس إحدى أهم طائراتها الحربية على الحدود الشمالية الغربية لسورية بصاروخ من طائرة أمريكية الصنع، وصاروخ دفاع جوي سوري أسقط إحدى أهم طائرات المراقبة لقاعدة "حميميم" في فوضى هجوم جوي إسرائيلي قريب من مدينة جبلة السورية، والطراد الروسي "موسكوفا" احتاج لثلاث عمليات إنقاذ وسحب وقطر لتأمين وصوله لسواحل اللاذقية، ومن ثم تحطمت عليه طائرتان حربيتان خلال أقل من شهر من عمله، مما اضطر الروس لسحبه قطراً إلى روسيا، واليوم تخترق طائرة مسيرة (يرجح أنها إسرائيلية) وتضرب سفينة النفط الإيرانية في منطقة أقل ما يقال عنها إنها تحت الحماية الروسية، وكانت روسيا وقبل أسبوعين وباجتماع ثلاثي (روسي، إيراني، سوري) تعهدت بمرافقة وحماية سفن النفط الإيراني من نقطة عبورها قناة السويس مقابل ميناء بورسعيد حتى وصولها للسواحل السورية، من أجل فك الحصار المفروض على نظام الأسد وتخفيف ضائقة الوقود التي يعاني منها النظام، وبالتالي وللحفاظ على الهيبة العسكرية المهدورة لدولة تقدم نفسها على أنها تنافس أمريكا بقدراتها العسكرية، وبأنها شريك لا يمكن تجاهله في تشكيل عالم ثنائي القطب، كان لا بد من نكران رواية الأسد والادعاء أن ما حصل على السفينة هو اشتعال نيران ناجم عن أعمال (لحام حديد) حصلت على ظهر السفينة، رغم أن المرصد السوري ووكالة فرانس برس أكدا مقتل ثلاثة بحارة على الأقل من طاقم السفينة.

التكذيب الإيراني لما حصل في مفاعل "نطنز"، والرواية الإسرائيلية لحادثة الصاروخ العابر لأجوائها في منطقة "ديمونة"، والتكذيب الروسي لقصف سفينة نفط إيرانية في "مصب بانياس"، كلها عمليات لتخفيف الاحتقان، وهي مسكنات تؤخر الانفجار وتمنع الصدام المباشر لكنها لا تعطي الطمأنينة لأي منهم.

ما حصل في "نطنز"، "ديمونة"، "بانياس"، هي رسائل تم تبادلها بين تل أبيب وطهران وموسكو، لكنها بالتأكيد تجاوزت خطوطاً حمراء ولامست المحظور، والقادم القريب يقول إن مفاوضات الغرف المظلمة ستعيد ترتيب المنطقة وتعيد ضبط التحركات والامتيازات والسلطات، فلا مصلحة لأحد باندلاع حرب تلتهم الجميع.

لكن ماذا إن فشلت تلك المحاولات؟

هل نحن أمام حرب خارجية مفتوحة في منطقة أقل ما يقال عنها إنها تعيش على بركان قابل في أي لحظة على للانفجار؟

وهل قدر الشعب السوري وبعد عشر سنوات من قتال ودمار ونزوح وتشرد، أن يتحمل وزر حروب الآخرين على أرضه؟

بالتأكيد هي أسئلة تحتاج لإجابات عاجلة .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات