الأسدية نقيض الدولة -1 : في تعريف الحال السوري منذ عام 1967

الأسدية نقيض الدولة -1 : في تعريف الحال السوري منذ عام 1967
 يواجه الجميع معضلة معرفية، قلما يواجه مثلها في بلد آخر. لماذا 1967؟ لأنها اللحظة التتويجية، والبداية الملكية لحلول الأسدية مكان الدولة السورية. بلد احتلت ارضه، يخرج نظام عام 1967 ليقول بما معناه " لم تكن احتلال الأرض مشكلة، بل كان النصر حليفنا، لأن الغاية من الاعتداء الإسرائيلي هو إسقاط النظام التقدمي" هذه التوليفة لم يشهدها نظام من قبل ولم تشهدها دولة أخرى من قبل. حتى نظام عبد الناصر الشريك في الهزيمة أعلن عنها كهزيمة، واستقال وتحمل كامل المسؤولية عنها. حتى لو كانت بنظر بعض الآراء بروبغاندا ناصرية؛ لكنها تركت أثرها على الشارع المصري بكل أطيافه، وفي تناوله لمسألة النكسة. 

أما نظام البعث - الأسد / جديْد فقد اعتبر النكسة انتصارا. لأن غاية إسرائيل هي اسقاط النظام التقدمي. على هذه المقولة كرس الأسد نفسه ليس بوصفه وزيرا للدفاع، بل بوصفه الرجل الأوحد في هذا النظام التقدمي. نحن لم نعد إذاً أمام دولة احتلت أرضها. بل بتنا أمام نظام سياسي لشخص واحد.. ولو كان هناك ظل لشخص آخر مازال موجودا في الساحة هو صلاح جديد..  منذ تلك اللحظة بدأت تتشكل السلطة الأسدية العميقة والسطحية. لم يكن الأسد يحتاج لدولة عميقة. خاصة بعد أن صاغ الدستور السوري 1972 على مقاسه. 

الأسد كان واضحا جدا، في العمل من أجل" سورية الأسد" نموذج لا يوجد له مثيل في العالم. كل مشاكل الدولة تحل باتصال تلفوني. بغض النظر عن القانون والدستور وما يسمى حتى لحظتها أجهزة الدولة. كل الاجتماعات والمؤتمرات التي كانت تعقد، إنما من أجل ترسيخ سوريا الأسد، وليس سوريا الدولة.

حاجة الأسد للدولة تتلخص في أنها أداة للنهب والسيطرة فقط. هكذا بشكل عارٍ وصريح. لا يحتاج الدولة ككيان قانوني، لا يحتاجها ككيان سيادي، لأن سيادتها من سيادته، وسيادته برانية. الدولة ليست من أجل أفرادها، بل حتى زيادة المرتبات للعاملين في الدولة هي منحة من الأسد، ولايزال هذا التقليد ساري المفعول منذ خمسين عاما. كل ما يحصل عليه الفرد لتأمين احتياجاته المادية، هي من عطاءات الأسد. حتى أنه لا يقيم وزنا لما يمكننا أن نسميه هيمنة. لكوننا نتحدث عن عبد الناصر، عبد الناصر كان حريصا على الكاريزما الشخصية والخطابية، وتبني محاولة هيمنة أيديولوجية، من خلال هذه الكاريزما الخطابية ومن خلال أنه بقي نظيف الكف أمام إغراء المال العام في سلطة أحادية، ربما لم يسعف القدر عبد الناصر بعدما بدأت مرحلة أفول هذه الهيمنة بعد نكسة 67 وانكشفت دولته، لم يسعفه القدر ربما كما قلت لكي يتحول إلى نموذج أسدي. الدولة المخابرات هي الدولة التي بناها الأسد في سوريا. دولة- سلطة تراكم انتشارها أسديا لتتوزع في كل ركن بسوريا، وفي كل فرد سوري.

 إنها خمسون عاما. إنها دولة المخابرات. لا يريد للمواطن الفرد الانتماء للدولة، بل الانتماء للأسدية بفعل رجل المخابرات وليس بفعل الخدمات التي تقدمها الدولة له. دولة الأسد لم تسمح للمجتمع أن يؤسس لهيمنة مدنية. اختصرت الدولة في شخصه ومصالحه. أتته طبعا قصة الحزب القائد والعقائدي لكي تكون المعبر لهذا التأسيس الشاذ للدولة الأسدية.

لقد اختصرها الراحل أنطوان مقدسي في رسالة وجهها لبشار الأسد، بعد توليه السلطة خلفا لأبيه، من خارج أي عرف أو تقاليد بما فيها البعثية أو اليسارية!! إنها تجسيد حقيقي لما بناه الأسد. يقول الراحل في رسالته الشهيرة إلى بشار الأسد عام ٢٠٠٠: 

"الوضع العام، وباختصار: انهيار عام، سياسي واقتصادي وأيضاً ثقافي وإنساني.. كفانا يا سيدي من الكلام الفضفاض: مكاسب الشعب، انجازات الشعب، إرادة الشعب. الشعب غائب يا سيدي منذ زمن طويل، إرادته مشلولة تقوم اليوم على تحقيق هدفين: الأول على الصعيد الخاص، أن يعمل ليلاً ونهاراً كي يضمن قوت أولاده. والثانية على الصعيد العام، أن يقول ما يُطلب منه قوله، وأن يتبنى السلوك الذي يُطلب منه (مسيرات، هتافات…). إن الذي يعصم هذا الشعب من الدمار، هو أنه يتعايش مع هذا الوضع المتردي تعايش المريض مع مرض مزمن".

إن الدولة الأسدية هي المرض المزمن الذي أصاب سوريا. هذه الدولة مزقت المجتمع السوري طائفيا ودينيا وإثنيا. أسست لكل هذا الخراب. ثلاثة عوامل لعبت دورا في تأسيس هذا الخراب الأسدي الذي هو نقيض لأي تأسيس دولتي. الأول: انشداد الأسد لصورة الزعيم الديكتاتور التي كانت سائدة في المعسكر الشرقي، هذه حالة كحال كثير من الديكتاتوريات. العامل الثاني: طائفية الرجل. أو لنقل رؤيته للطائفية في الوضعية السورية وتداخلها مع العامل الأول. العامل الثالث: العامل الإسرائيلي والإقليمي، أو ما يمكننا تسميته الصراع العربي- الإسرائيلي، وتوظيفه بما يخدم العاملين الأول والثاني. هذه العوامل الثلاثة ربما تصنيفها على هذه الشاكلة من باب التوضيح، لكن في الواقع كان من الصعب الفصل، بينها. هذه العوامل الثلاثة، كانت تقتضي بناء سلطة قوية تحتاج لدولة المخابرات. أو الدولة الشرطي بدون إضافات. سأحاول في مواد لاحقة مناقشة كل عامل على حدة في مادة مستقلة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات