موائد العيد في اللاذقية تحكي مآسي السوريين وصور المقارنة تسيطر على مخيلة الأهالي (صور)

موائد العيد في اللاذقية تحكي مآسي السوريين وصور المقارنة تسيطر على مخيلة الأهالي (صور)
"كان الحزن مظلّة موائدنا خلال السنوات الماضية لاستشهاد ابننا الكبير في السجن على يد جلّاديه، أما اليوم فقد صار القهر شريكا إضافيا، لم نعد نملك ثمن الطعام، بالكاد نشتري الخبز" إنها الحسرة التي عبّرت عنها مدرّسة في حيّ الصليبة في اللاذقية، وليس جديدا أننا لن نذكر اسمها أو حتى اختصاصها لأنه قد يحمل دليلا يقود إليها فتذهب ضحية فشّة قهرها لأورينت نت.

تضيف السيدة المقهورة: لم نعد نفكّر بما يمكن تحضيره لعيد الفطر الموصوف بالسعيد، إنها رفاهية لا نطلبها، كلّ ما نفكر فيه الآن هو كيفية توفير ثمن حذاء لابنتنا لكي تذهب لامتحانات الجامعة. 

السيدة المذكورة وزوجها موظفان في دوائر النظام الرسمية، ومجموع راتبيهما بعد اقتطاع أقساط القروض أقلّ من مائة ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ لا يزيد عن حاجة الأسرة من الخبز إلا قليلا تشتري فيه بعض الحبوب والخضار، وفي حديثها الهاتفي معنا بكت وأبكتنا قهرا على حال أهلنا في الداخل المحتل من أسد وعصاباته.

شمولية القهر

حال هذه السيدة كحال غالبية الأسر في المناطق التي يحكمها الأسد بالسّوط وسلاح التجويع، عجزٌ عن الحصول على أساسيات الحياة، دفعنا لعدم سؤالها عمّا تحضّره للعيد وكذلك بقية العائلات، لكن أحد أنصار الأسد وهو سائق سيارة عمومية امتلك جرأة بثّ الشكوى بتفاصيل أدق.

قال السائق أبو جعفر بعد أن طلب منّا عدم ذكر اسمه أن كثيرين من سكان الساحل ينامون جوعى، والبعض من شبيحة ومسؤولين وضباط يسهرون في الكازينوهات والمرابع الليلية يدفعون الملايين "أعمل 16 ساعة يوميا، ولا أستطيع شراء لعبة لابنتي الصغيرة تدخل الفرحة لقلبها مع قدوم العيد، تبّا لنا، ماذا فعلنا بأنفسنا، ومن أجل من، ومن أجل وماذا؟"

سأصارحكم أنا الساكن بعيدا، كاتب هذه المادة، كاد الحزن يمنعني عن كتابتها، لا سيما بعد حديثي مع بائع عطور على بسطة في ساحة الشيخ ضاهر في اللاذقية، لكن مهنيّتي ترغمني على نقل معاناة أهلنا، رغم ثقتي بأن كلماتي مهما كانت عميقة لن تستطيع رسم كل الوجع في المشهد الذي ارتسم أمامي.

مشاهد لا تصدّق

أخبرني مصطفى بائع العطور بأنه يستمر في عمله لساعة متأخرة من الليل على بسطته، ويشاهد كل ليلة مآسي كبيرة، في إحداها اقتتال سيدتين على نبش حاوية للقمامة بعد منتصف الليل، كل واحدة ادّعت أنها وصلت إليها أولا، وماذا تريدان؟ بقايا طعام، أو ربما بعض كرتون أو نايلون يجمعنه ليبعنه في اليوم التالي لتأمين ثمن طعام، ربما هنّ أرملتان، أو زوجتان لمعاقَين، "لم أمنح نفسي وقتا للفرجة عليهن، هرعت وأعطيت كلا منهن بعض النقود، رفضتا، ولكن إصراري دفعهن للقبول، وقفتا، وتعانقتا، وبكتا، أخفيتُ دموعي وغادرت".

أخبرني مصطفى الكثير، أعجز عن كتابته ونقله، فقط هذه أنقلها إضافة لتلك، "طفل لم يتجاوز العاشرة، يجلس عل الرصيف مستندا لعمود الكهرباء، لا يشحذ، فقط ينظر إلى السماء، اقتربتُ منه وسألته لماذا تجلس هكذا، منذ عودتي من الإفطار أراقبك، لم يشأ الكلام، تناولت نقودا ومددتها له، رفض وانهمرت دموعه وصرخ "والله ماني شحّاد، بس أبوي ميّت وأمي مريضة، وما عندنا أكل نفطر فيه، شربت مي بس، بترجّاك ما بدّي مصاري، اشتريلي سندويشة آخدلا ياها". 

لا عيد

"لا تسألني عن العيد وماذا سأجهّز له" وكنتُ قد أخبرته عن نيّتي كتابة مادة عن تحضيرات أهلنا في اللاذقية لعيد الفطر السعيد، هكذا بادرني المحامي (...) وأضاف: لديّ النقود ولكن كيف أشتري حلويات وجيراني لا يجدون خبزا، لست شبّيحا أو فاقد ضمير أمثال حرامية البلد لأشتري ما لذّ وطاب، إنني بشر أتألم على جياع ومقهوري المدينة، لا عيد ولا فرح حتى يجد الناس طعامهم.

عشرات القصص سمعتها وآلاف لم أسمعها، لكني لن أكتب المزيد، وأعتذر منك قارئ هذه المادة على كمية القهر فيها، لا بأس، فلنتألم معهم بعض الشيء، علّ ذلك يدفعنا لمساعدتهم لا للشماتة بهم، أدرك أن مادتي غير متوازنة وليست حرفية أكاديمية، إنها مضطربة كما أنا الآن، بعدما سمعت ما سمعت.  

التعليقات (1)

    KHALED EL AJLANI

    ·منذ سنتين 11 شهر
    محزن . سابقا كانوا يقولون : " زرعوا وحصدنا " . منذ 63 عاما وبفعل دكتاتوريات ناصروالبعث وحافظ وبشار وياسر وو ... انقلبت المعادلة واصبح المثل : " دمروا ونبشنا في القمامات " . هذا عدا القتل والتدمير والتهجير...
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات