ماذا قصفت إسرائيل في الساحل السوري.. وفي اللاذقية بالتحديد؟؟

ماذا قصفت إسرائيل في الساحل السوري.. وفي اللاذقية بالتحديد؟؟
أن يصل القصف الإسرائيلي إلى أهداف في عمق الوجود الروسي في اللاذقية هو أمر كبير, وأن تٌقصف مواقع ساحلية ظن البعض أنها محمية روسياً ومعصومة أيضاً هو أمر كبير أيضاً.

عندما قال "مجلس العلاقات الخارجية" الأمريكي وهي منظمة بحثية مقرها نيويورك منذ أقل من أسبوع أن السفن الإيرانية المحملة بالنفط والقادمة من إيران عبر قناة السويس وتعهدت موسكو بحمايتها, لم تكن تنقل نفطاً خالصاً, وأنها تحمل أسلحة وصواريخ دقيقة تٌفرغ قسماً منها في موانئ لبنان وتٌفرغ البقية بموانئ الأسد, لم يكن تسريباً ولم يكن تمرير هذا التقرير تم عن غباء أو عن غير قصد, بل تقصد إيصال رسالة أمريكية_إسرائيلية لموسكو ومن خلالها للأسد وطهران أنكم تحت المجهر, وأن هذا العبث بأمن المنطقة والعبث بالأمن القومي الإسرائيلي وتأجيج النيران المشتعلة أصلاً بالمنطقة, لن يمر مرور الكرام وسيكون له تبعات وستكون له إجراءات, ولم تتأخر تلك الإجراءات عبر القصف الإسرائيلي الذي تم بليلة الخامس من أيار/مايو الفائتة.

لكن ماذا قصفت إسرائيل وماذا استهدفت وكيف؟؟

الاستهداف الإسرائيلي لمناطق بالساحل السوري ليس كسابقاته من عمليات القصف الجوي الذي عادة ما يستهدف مخازن صواريخ ومعدات طائرات مسيرة إيرانية مخبأة في مواقع متعددة من الجغرافية السورية بعيداً عن الساحل, وبالتالي لا يمكن أن تتم قراءته ببساطة, فالأهداف التي قُصفت مؤخراً تقع في عقر حاضنة بشار الأسد في اللاذقية وجبلة وطرطوس, تلك المناطق التي حاول بشار الأسد قدر الإمكان جعلها نائية عن أي عمل عسكري, والمنطقة أيضاً (وهو الأهم) تقع في عقر مناطق الوجود الروسي إن كان في قاعدة "حمميم" ومهبط "سطامو" أو في قاعدة "جول جمال" البحرية في طرطوس.

في مفردات الهجوم أنه استهدف عدة مواقع أهمها مستودعات تقع على يمين طريق الحفة صعوداً وبالتحديد بعد محطة وقود وإستراحة العلبي, وهذه المستودعات تعود ملكيتها لمهربين من عائلة الأسد وتستخدم أحياناً في تعبئة وتخزين المخدرات وحبوب الكبتاغون, ويبدو أنها باتت تحت الرعاية الإيرانية من أجل تخزين صواريخهم المهربة إلى الساحل, وهذه المنطقة تبعد عن قاعدة حميميم الروسية مسافة 15كم فقط.

الموقع الثاني هو كتف قرية "السيامية" (يبعد 16 كم عن قاعدة حميميم), وهذه المنطقة يعلم الجميع أنها منطقة عسكرية تحتوي على مستودعات الوقود الاحتياطية للمنطقة الساحلية (مستودعات دبا), إضافة لمستودعات صواريخ بحرية ضخمة كانت تخزن فيها صواريخ "ياخونت" الروسية الإستراتيجية التي قصفت قسماً منها إسرائيل في عام 2015, ويبدو أنه أٌعيد ترميمها ويستخدمها الإيرانيون اليوم لتخزين صواريخهم الدقيقة والخطرة, لكن القصف الأخير طالها ودمر قسماً كبيراً منها.

الموقع الثالث الذي أكدت لنا عدة جهات تدميره هي مستودعات بعد بلدة الحفة عبر الطريق الذي يصلها ببلدة الصلنفة, وبالتحديد في مقر حماية الأحراش بعد مشفى الحفة تماماً (ويبعد 25كم عن مركز قاعدة حميميم), وتم تدمير مستودعاته بالكامل.

ويضاف لتلك الأهداف استهداف القصف لمواقع في رأس الشمرا (شمال اللاذقية) التي ادعى النظام أنها "معمل بلاستيك", بينما هي بالأساس عبارة عن مستودعات صواريخ بحرية قديمة (يبدو أن إيران بدأت تستخدمها لتخزين صواريخها بمنطقة الساحل), وتقع تلك المستودعات داخل حرم ميناء البيضاء البحري الحربي, الذي ترسو فيه أيضاً أسراب من الزوارق الصاروخية "إيرانية الصنع", وتتمركز فيه إضافة لذلك بعض زوارق الكسح وزوارق الدورية التي تتبع للواء الحراسة المائية 56, ومقره الأساسي في قاعدة "جول جمال" في طرطوس, والقصف استهدف أيضاً مواقع من بينها مركز للبحوث العلمية في مصياف, بمعنى أن القصف طال ثلاث محافظات هي اللاذقية وطرطوس وحماه.

ما هي إمكانيات وسائط الدفاع الجوي الأسدية للرد؟؟

عملياً ووفق المعطيات الفنية والتسليحية لوسائط الدفاع الجوي التي يمتلكها نظام الأسد يمكن أن نميز بين ثلاثة صنوف من وسائط الدفاع الجوي يمتلكها ويمكنها العمل وإن بفعالية شبه معدومة.

منظومات فولغا وبتشورا ودفينا وبوك2

هي منظومات دفاع جوي متهالكة وقديمة وعمر معظمها يزيد عن 50 عاماً تم استيرادها في حقبة الاتحاد السوفييتي باستثناء منظومة بوك, وتلك المنظومات غير صالحة للعمل, وأمديتها تتراوح بين 20 و50كم ولا تملك القدرة على تفادي التشويش الإلكتروني الذي تمتاز به الطائرات ومحطات التشويش والحرب الإلكترونية الأرضية الإسرائيلية التي تنشط قبل وأثناء أي قصف جوي إسرائيلي في سوريا.

منظومات بانتسر وكفادرات 

وهي منظومات مخصصة للدفاع القريب عن الأهداف الحيوية, وعن منظومات الصواريخ بعيدة المدى, وتلك المنظومات (بانتسر,كفادرات) لا قدرة لها على التعامل مع الطيران الإسرائيلي الذي ينفذ أعماله القتالية إما من أمدية بعيدة أو من ارتفاعات تفوق قدرة تلك المنظومات على الكشف والملاحقة والتتبع, وأيضاً هي غير فعالة لاستخدامها ضد الصواريخ الإسرائيلية المطلقة بسبب الحرب الإلكترونية التي تمارسها إسرائيل أثناء القصف والتي تستطيع إعماء شاشات رادار منظومات الدفاع الجوية السورية وحرف صواريخها عن مسارها الطبيعي باتجاهات أخرى إذا ما أٌطلقت كما حصل في هجوم جبلة عام 2018 عندما تم حرف الصواريخ السورية المطلقة باتجاه طائرات إسرائيلية نحو طائرة سطع ومراقبة روسية كانت موجودة فوق البحر المتوسط وأدى لإسقاطها.

منظومات إس_200 وإس_300

وتستخدم تلك المنظومات الصواريخ (سام_5 وسام_10) على التوالي لكنها شبه ممنوعة من الاستخدام القتالي كون الأولى لا يمكن تشغيلها دون كود خاص يوجد مع الخبراء الروس حصراً, وهو ممنوع عن الكوادر السورية العاملة على تلك المنظومات, لأن الأمر القتالي بتشغيلها يرتبط بموافقة حتمية من الضباط الروس في غرفة عمليات قاعدة "حميميم", أما منظومة إس_300 التي سلمتها موسكو لدمشق مؤخراً, فهي عديمة الجدوى كونها أيضاً عبارة عن كتل حديدية لا فائدة منها بعد أن رفض الروس تزويد نظام الأسد بمدخرات تشغيل تلك المنظومة بناءً على تفاهمات روسية_إسرائيلية.

وأمام هذا الواقع المزري وغير الفعال لمنظومات الدفاع الجوي السورية, يصر نظام الأسد على إطلاق صواريخ منظوماته المتهالكة من نوع بتشورا وفولغا ودفينا, وهو يدرك تماماً أنها لن تؤثر على الطائرات الإسرائيلية ولن تحد من إطلاقها لصواريخها, وأن تلك الصواريخ التي يطلقها جيش الأسد إما ستتوجه باتجاهات مجهولة كما حصل بصواريخ أطلقتها سابقاً وسقطت بالأردن ولبنان وقرب قبرص, أو أنها ستسقط على بيوت المدنيين السوريين الذين باتوا يناشدون نظام الأسد بعدم التصدي للهجمات الإسرائيلية بعد الخسائر البشرية والمادية الفادحة الناجمة عن إطلاق صواريخه الفاشلة.

لكن يبقى سؤال:

إن كانت منظومات الأسد عاجزة وغير قادرة على التدخل, فما بال منظومات الدفاع الجوي الروسية من إس_400 وغيرها والتي نشرها الروس على معظم جغرافية الساحل السوري؟؟

وما بال كل وسائط الاستطلاع والكشف والرادارات الروسية التي تكشف من الخليج حتى جبل طارق؟؟

وما بال وسائط كشف ومراقبة ووسائط دفاع جوي لاكثر من 16 سفينة صاروخية ومدمرة روسية توجد أمام وداخل قاعدة "جول جمال" في طرطوس؟؟

علماً أن الصواريخ الإسرائيلية عبرت فوقها بكل أمان وبكل طمأنينة ولم تكلف تلك المنظومات الصاروخية أو منظومات الكشف نفسها بالتصدي لها وحتى أنها لم تقم بتشغيلها أصلاً؟؟

هذا الصمت الإعلامي والعسكري والفني للروس مرده أحد احتمالين:

إما عجز قدرات الروس العسكرية عن كشف الهجوم والتعامل معه, وهذا أمر مرفوض قطعاً نظراً لقدرات الروس العسكرية المتطورة والقادرة على كشف تحرك الطائرات الإسرائيلية بمجرد ارتفاعها عن أرض المطار بمقدار 15م فقط, وأيضاً من خلال قدرة وسائط الكشف والتتبع والملاحقة على كشف الصواريخ لحظة إطلاقها.

والاحتمال الثاني (وهو المرجح), أن الهجوم الإسرائيلي تم بمعرفة وإخبار مسبق من قبل إسرائيل لموسكو, وسابقاً كان هناك نقاش ومطالبات روسية بأن يتم إخبارهم بالهجوم قبل 15 دقيقة لكن إسرائيل أصرت أن التبليغ سيسبق الهجوم بخمس دقائق كحد أقصى, وهذا جواب منطقي لهذا الصمت الروسي أثناء الاستهداف.

لكن بكل الأحوال, يعتبر القصف مساساً كبيراً بهيبة الروس أمام قواتهم وأمام حلفائهم, لأن الضربات الإسرائيلية أوصلت رسائل متعددة.

رسالة للأسد ولكل العاملين في جيشه أن تعاملهم مع الإيراني وبقاؤه بينهم سيجعلهم أهدافاً مشروعة للهجمات الإسرائيلية.

رسالة للروس أن مناطقكم ووجودكم لن يعطي العصمة لأحد في حال سمحتم للإيرانيين بتخزين صواريخهم في مناطقكم.

والرسالة الأهم لإيران: لا ملاذ آمناً لكم في سوريا سواءً احتميتم بقواعد ومخازن للجيش السوري, ولا حتى لو جلستم بحضن الروس في قاعدتي حميميم وطرطوس.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات