فلسطين.. و"الضرورات التي تبيح المحظورات"

فلسطين.. و"الضرورات التي تبيح المحظورات"
شاءت الأقدار أن توجه لي دعوة من الدكتور المحامي طارق شندب لأتحدث بندوة مع بعض المختصين من عرب وأتراك حول ما يحصل بالقدس الشريف والصراع الدامي الذي تقوده آلة الحرب الإسرائيلية ضد شعب فلسطين الأعزل, والدكتور شندب هو أحد الأصدقاء اللبنانيين الذين يمتازون بحس وطني وقومي شأنه شأن كل عربي مخلص لقضايا وطنه الكبير, والصغير لبنان.

بحديث أحد المتداخلين السوريين والذي يصنف نفسه على أنه ثوري وشرعي سابق لإحدى الفصائل, وأحد رجال الدين, ويحمل شهادة الدكتوراة قال بما معناه: علينا ألا نقف أمام ما فعلته حماس والجهاد الإسلامي بتحالفهم مع إيران وبتعليق صور قاسم سليماني في شوارع غزة والتعزية به ونعته بشهيد القدس, وعلينا أن نبرر لهم ما فعلوه من مبدأ فقهي إسلامي يقول: (الضرورات تبيح المحظورات), وتابع مستطرداً بالبحث عن تبريرات لتصرفات وتصريحات ومواقف حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي اللتين تنتهجان الخط الإيراني وتتحالفان معه.

وقبل أن اقف عند ما قاله هذا الدكتور الشيخ, دعني أبين موقفنا مما يحصل في غزة وفي القدس وفي سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة التي ترزح تحت نير احتلال إسرائيلي أدمى وأحرق قلوب الفلسطينيين على مدار أكثر من سبعين عاماً, وما زال معظم شعبنا الفلسطيني وقدسنا الشريف يرزح تحت احتلاله.

بالتأكيد قضية فلسطين التي شكلت نقطة ارتكاز وعيني الوطني, ونقطة إجماع عربي, كانت وما تزال قضية العرب الأولى التي لا يختلف فيها أحد رغم اختلاف طرق التعاطي معها من قبل بعض الأنظمة العربية.

وانتفاضة الشعب الفلسطيني اليوم ليست بجديدة, بل تأتي في إطار مسيرة تراكمية لنضال الشعب الفلسطيني المدعوم من كافة الشعوب العربية والإسلامية, وتأتي تلك الانتفاضة اليوم لتتابع سلسلة متكاملة من الهبات والانتفاضات التي لم تتوقف منذ عام 1948, وموقف العرب وكل مواطن عربي كان وما يزال مناصراً ومؤيداً وداعماً لنضال هذا الشعب الجبار ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى تحقيق وترسيخ الدولة الفلسطينية على كامل ترابها وفق المرجعيات والقوانين الدولية ذات الصلة.

لكن موقفنا هذا لا يعني بالتأكيد دعم حركة حماس أو الجهاد الإسلامي اللتين تحالفتا مع مجرمي إيران ضد الشعوب العربية وضد قضايا العرب وتسعى لتفتيت وحدتهم وضرب استقرارهم واللعب بقضية فلسطين معنوياً لغسل أدمغة من لا دماغ لهم بأن إيران تسعى لتحرير القدس ومن أجل ذلك أنشأت فيلق القدس.

فيلق القدس الذي دعم الحوثيين ودمر اليمن.

فيلق القدس الذي يرسل يومياً عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة لضرب المدنيين في المملكة العربية السعودية.

فيلق القدس الذي يحيك المؤامرات وينشئ الخلايا الإرهابية في الكويت والبحرين لضرب وحدتها وأمنها واستقرارها.

فيلق القدس الداعم الأكبر لحزب الله في لبنان الذي يرهن 6 ملايين لبناني ويتاجر بقوت يومهم وأرزاقهم خدمة لولاية الفقيه.

فيلق القدس الذي أنشأ عشرات الميليشيات في العراق وما يسمى (الحشد الشعبي) ليسيطر على أغنى دولة عربية ويضع مقدراتها بخدمة ولاية الفقيه ويسلخ عراقنا عن جذوره العربية.

فيلق القدس الذي قال قائده المقتول قاسم سليماني: لقد شكلنا 82 لواء من الميليشيات 60 منها في سوريا لدعم الأسد والباقي في العراق.

فيلق القدس الذي أدمى قلوب السوريين على مدار عشر سنوات وقتل عشرات آلاف السوريين دعماً لبقاء الطاغية بشار الأسد الذي فتح سوريا وحدود سوريا من بابها لمحرابها لولاية الفقيه, فشيعت عشائر دير الزور وأهالي داريا والغوطة والسيدة زينب وحمص وحماه والساحل السوري وحلب.

فيلق القدس الذي عرف كل الطرق المؤدية لضرب العرب, وسلك كل الدروب المؤدية لقتل العرب, وخاض كل الطرق التي تدمر استقرار العرب ... وفقط تاه عن طريق القدس في فلسطين.

حقيقة كان موقف هذا الشيخ مؤلماً وكارثياً بوقت واحد

مؤلماً أن نجد رجل دين يتلاعب بمبادئ الدين الإسلامي تحت شعار "الضرورات تبيح المحظورات", وهنا أسأل ولست برجل دين: هل مبادئ الدين الإسلامي تبيح لمسلم أن يحل دماء إخوته السوريين كي يجد مبرراً يتحالف فيه مع الإيرانيين وهم قتلة السوريين؟؟

ولكي يزداد الموقف سوءاً تداخل أحد الإخوة العرب (من بلد عربي أفريقي) ليقول متفلسفاً:

هناك فرق بين السياسي المنظر والسياسي الممارس والناجح من يجمع بينهما, ويقصد أن مراقبتنا للمشهد الفلسطيني من بعيد وعدم معرفتنا بظروف حماس تتطلب منا أن نقتنع بممارسي السياسة الحمساوية وأن نبرر لهم تحالفهم مع إيران مستشهداً بالثورة الجزائرية التي تحالفت مع الاتحاد السوفييتي الشيوعي الذي كان يحتل في الوقت نفسه دولاً إسلامية لكنه كان مناصراً للثورة الجزائرية.

للأخ العربي أقول:

لست سياسياً منظراً ولست من ممارسيها بل أتحدث كمواطن عربي مراقب لأهوال ما يحصل لشعوبنا, وقد أتغاضى عن سياسي متلون ويعيد تموضعاته ويبدلها وفقاً لمصالحه السياسية, لكن بنفس الوقت لا يمكن لي أن أغفر لمن يرفع راية إسلامية على غرار حركتي حماس والجهاد الإسلامي, وأن نسامحهم كشعوب عربية على تلونهم واصطفافاتهم, فالدين الإسلامي لا يمكن وتحت أي ذريعة أن يقبل بتموضعات تحلل للإيراني سفك دماء إخوانهم المسلمين والعرب خدمة لأهدافهم السياسية مهما علت.

في قضايا الشعوب لا تلاعب بالمبادئ ولا رمادية بالمواقف ويبقى مفهومنا لقضايانا ينبع من مبادئ ديننا الحنيف, ومن حنايا عروبتنا ومن قوميتنا, فالإيراني الذي تدعمه حماس هو وإسرائيل الداعمان الأساسيان لنظام بشار الأسد الاستبدادي القاتل, فكيف تقبلونها على أنفسكم وتدعون المقاومة؟؟

في مقاييسنا للإجرام الأسدي والإيراني والإسرائيلي

ما يحصل في غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي هو متطابق تماماً مع ما حصل في الغوطة الشرقية والغربية على أطلال دمشق على يد عصابات الأسد وإيران وحزب الله.

وما يحصل في خان يونس هو مطابق تماماً لما حصل في بابا عمرو وداريا ودرعا

وما يحصل في حي الجراح من سلب بيوت الفلسطينيين خدمة لقطعان المستوطنيين الإسرائيليين هو ما حصل في مخيم اليرموك ومحيط الجامع الأموي والسيدة زينب بتهجير السوريين من بيوتهم وتسليمها لقطعان المستوطنيين الإيرانيين.

وما يحصل في فلسطين على يد إسرائيل ... يحصل تماماً في سوريا على يد إيران والأسد

المبدأ الوطني والعروبي يقول: إن كان حقي الفلسطيني أو السوري سيأتيني على ظهر الباطل بتحالفي مع مجرم لقتل أخي العربي في اليمن, والعراق, والسعودية, والكويت, ولبنان ... فلا بارك الله بهذا الحق, ولا بارك الله بتلك المقاومات.

فلسطين منتصرة

والشعب السوري سينتصر

التعليقات (7)

    مم

    ·منذ سنتين 11 شهر
    ونحنا كمان ضروري نعادي حماس حتى لاتاتي بالمحظور ايران

    سوري حر

    ·منذ سنتين 11 شهر
    مقال أكثر من رائع. حماس وحزب الشيطان والمليشيات الطائفية الإيرانية والنظام السوري جميعها إرهابية بإمتياز وهي العدو الأول وربما الأخير للشعوب العربية الحرة.

    سوري حر

    ·منذ سنتين 11 شهر
    لو النظام السوري والمليشيات الإيرانية وحزب الشيطان محل إسرائيل لكانوا قصفوا المسجد الأقصى وهجروا أهل غزة كلهم. كما فعلوا في سوريا . الأسرائلي على علاته بس بالمقارنة مع النظام السوري والمليشيات الإيرانية الطائفية عندوا شوي رحمة.

    آشور

    ·منذ سنتين 11 شهر
    بصراحة اللي ما بعمري استوعبتو: إيران تحتل الاهواز .. تركيا تحتل الاسكندرون .. الصهاينة يحتلون فلسطين والجولان وجزء من لبنان: كيف لأيّ مواطن سوري لبناني فلسطيني عربي أن يتماهى مع قوى احتلال ضد أبناء جلدته؟!

    Amro

    ·منذ سنتين 11 شهر
    والله حماس والجهاد ما تدخلو ولا بدولة عريية زي ما بتدعي بالمقال، هم التزموا بارضهم وعرضهم وقضيتهم وبدل ما تهاجمهم تعلم منهم كيف الواحد بصمد بارضو وما بتركها للغريب وبروح يقاتل بغير دولة زي ثواركو

    عبد الله

    ·منذ سنتين 11 شهر
    اترك التحليل وقف عند الحقائق، لولا حماس والجهاد لما توقفت اسرائيل عن مهاجمة المصلين بالقدس. القصف أفسد مسيرة اليهود التي كانت ستحدث برمضان، الحقائق تقول لم تقصف اي دولة عربية او مسلمة اسرائيل كما يتم قصفها اليوم، ناقش اليس من الصحيح الوقوف مع من يدافع عن الاقصى

    Salam Kaso

    ·منذ سنتين 11 شهر
    عندما يخذلهم العلاب , حماس واهل غزة عموما الفلسطينيين لهم الحق ان يطلبوا المساعدة من الجن والعفاريت وشياطين الارض فقط لكي يتخلصوا من احتلال الصهاينة لهم
7

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات