تصدير البلطجة في الدراما المصرية: مبررة أم تشويه بهدف الربح؟

تصدير البلطجة في الدراما المصرية: مبررة أم تشويه بهدف الربح؟
 مع نهاية كل موسم رمضاني في مصر خلال السنوات الماضية، تثار فكرة تصدير العنف والبلطجة عبر الأعمال الدرامية السنوية التي تعرض خلال رمضان، حيث أصبحت ثيمة العنف والقتل، أحد أبرز الظواهر السلبية التي تشكل عصب الكثير من الأعمال المعروضة. 

في هذا العام، تصدرت أعمال ( إلي ملوش كبير – وملوك الجدعنة ) أرقام المشاهدة رغم احتوائها على الكثير من مشاهد العنف والقتال والمخدرات والاغتصاب وغيرها، ورغم سلبية هذه الأفكار، إلا أن هذه الأعمال تصدر ما عرض جماهيريا، بحسب إحصائيات رسمية، لتكون الأكثر حصدا للأرباح، مكملة مسيرة أعمال سابقة حملت نفس الأفكار خلال السنوات الماضية. 

ولعل أكثر ما يثير في هذه الأعمال أنها تحمل المشاهد إلى التعاطف مع شخصية القاتل والبلطجي، ليصبح من خلال سيناريو المسلسل المكتوب، ضحية مجتمع وحياة قاسية، مظهرة جانبا إنسانياً في داخل تلك الشخصيات، ربما لن تجده على أرض الواقع فيما يشابهها حقيقة. 

بين الضرر النفسي والمجتمعي على جيل المتابعين، وحاجة السوق لمثل هذه الأعمال المثيرة، ورغبة الشركات المنتجة في الربح ولا شيء غيره، تختلف نظرة النقاد والمتابعين لمثل هذه الأعمال، حيث يبرر البعض العنف الموجود بأنه واقع حقيقي، وأن الدراما لا يمكن أن تكون واعظا بل هي مرآة للمجتمع ووسيلة ترفيه، في حين يرى آخرون أن من أهم أدوار الدراما التوعية، وأنها بما تنقله اليوم ليست سوى سم قاتل للمجتمع والجيل الحالي.

 

الدراما ليست مدرسة أخلاقية

لا تجد الناقدة والكاتبة الصحفية فاطمة فتحي، مؤسسة محتوى " راكو  " النقدي على وسائل التواصل الاجتماعي، أن الدراما يمكن أن تصبح مكانا لبث المثل الأخلاقية وموقعا مناسبا لبحث الناس عن التوعية والتربية من خلالها، حيث تعتبر أن الدراما ليس من واجبها أن تقوم بدور المصلح للمجتمع، بل هي تنقل صورة للواقع، ربما يبالغ صناعها به في بعض الأحيان بهدف جذب المشاهدين، لكن في النهاية ما يكتب وينقل عبر الكاميرا، موجود في المجتمع وبكثرة، فمثلا شخصيات كالتي رأيناها في مسلسل " ملوك الجدعنة " موجودة فعليا في الأحياء الشعبية وبين الطبقات البسيطة في المجتمع، مؤكدة أنه ليس من النطقي أن نحمل انحراف المجتمع للدراما، حيث إن بذور هذا الانحراف موجودة أصلا في البعض ولن ينتظروا عملا دراميا ليصبحوا منحرفين، مشيرة أن التعاطف مع شخصية البلطجي أو القاتل وليست مع سلوكه وهذا طبيعي، فالإنسان ليس شرا مطلقا في طبيعة الحال.

وتعتقد "فتحي" أن شركات الإنتاج في النهاية تلجأ لهذه الأعمال لأنها الأكثر مشاهدة في كل عام سواء دراميا أو سينمائيا، ما يجعل العائد المادي منها أكبر كثيرا من أعمال أخرى أقل عنفا، مؤكدة أن العمل الدرامي القائم على العنف أو البلجطة، لا يمكن منعه لأن الوصاية على الفن ليست شيئا جيدا، معتبرة أن التنويه عن كون المسلسل يحتوي على عنف أو مشاهد لا تصلح للمراهقين أو الأطفال - وهم الفئات الأكثر تأثرا – ربما يكون كافيا. 

 

وباء عنفي يُعرض سنويا 

من جانبه يرى الدكتور هشام ذو الفقار أخصائي الطب النفسي، أن معظم الأبحاث والدراسات التي ترصد تأثير دراما العنف والبلطجة على المجتمع تقول إن هذا النوع من الأعمال يزيد معدلات العنف في المجتمع، وتحدث الكثير من الأزمات والتشوهات النفسية لدى المراهقين والأطفال، ما يسفر عن إصابتهم بأزمات واضطرابات سلوكية، فضلا عن كونها تزيد من الاتجاهات العنيفة في السلوك لدى الشباب والمراهقين، بسبب ميل الإنسان في هذا السن إلى التقليد والمحاكاة، ما يؤدي إلى الكثير من الحوادث المؤسفة التي ربما يكون سببها مشهد فني قد لا يعي مقدموه خطورته على جيل أصبح متاحا أمامه مشاهدة أي شيء سواء عن طريق التلفزيون أو عبر الانترنت، مؤكدا أنه من الخطأ تقديم البلطجة كحل درامي بديل عن القانون وتعزيز فكرة " أخذ الحق باليد " بدلا من اللجوء للقنوات الرسمية لتحصيل الحقوق، لأن الأمر سيؤثر بكل تأكيد على طريقة تفكير المشاهدين لاسيما الأطفال والمراهقين، مشيرا إلى أن إظهار البلطجي أو القاتل بصورة الشخص الطيب في بعض الأوقات أمر خطير جدا لأنه يزيد من التعاطف مع تلك الفئة التي تدمر المجتمع في مصر، وتثير الأزمات وتنشر الجريمة والمخدرات في الكثير من المناطق المصرية، ودائما ما تكون نهايتها بيد العدالة سواء بالسجن أو العقوبة الأقسى لأنها فئة شذّت عن الطريق المستقيم في الحياة والمجتمع. 

 

العنف موجود فلماذا ندعمه؟ 

يتساءل - محمد الرافعي/ رب أسرة مصري - عن جدوى عرض مثل هذه المسلسلات على الشاشة، معتبرا أن العنف موجود في المجتمع المصري، ويمكن أن نلاحظه في الشارع والمنزل والمدرسة وغيرها، مؤكدا أن ما يعرض على الشاشات لا يشكل إلا دعما لمثل هذه الظواهر المؤسفة في المجتمع مشيرا إلى أن البلطجي الذي يعرض على الشاشة، ربما أصبح أخطر بكثير من الذي في الشارع، فالأول يشاهده الأبناء وربما يتمثلون به ويحبونه ويقلدونه، أما الذي في الشارع، فهو في بيئته، ينبذه الناس ويرفضونه، ويحاولون تحاشيه خشية من شره، الأمر الذي يجعل منه أقل خطورة من ممثل يظهر على الشاشة " يفرد عضله " ويتباهى بشرٍ يعتقد أنه يقدم فيه تسلية للمشاهدين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات