موجة هجرة جديدة للشباب تستنزف المحرر والأسباب تنذر بأزمات اجتماعية

سجلت مناطق الشمال السوري ارتفاعاً واضحاً في وتيرة هجرة الشبان في ظل ندرة فرص العمل واكتظاظ السكان وكثرة عدد النازحين وتجمعهم في منطقة جغرافية ضيقة، إضافة إلى قلة المشاريع الاستثمارية والتنموية، واعتماد شريحة من السكان على المساعدات المعيشية.

وخلال شهر واحد، رصدت أورينت هجرة نحو 30 شاباً و10 عائلات إلى النمسا والسويد وألمانيا من قرية واحدة فقط، حيث باع بعضهم ممتلكاته أو استدان ليخوض غمار رحلة برّية محفوفة بالمخاطر ابتداء من تركيا.

ومع تنامي هذه الظاهرة، بدأت تطفو على السطح بعض المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ومنها استنزاف اليد العاملة والكوادر العلمية المؤهلة، وكذلك اختلال التوازن بين فئة الشبان لصالح الإناث ودوره في انتشار العنوسة.

الفقر والبطالة أبرز العوامل

الباحث في الشؤون الاجتماعية "فيصل سليم" قال لأورينت نت إن "الفقر هو السبب الرئيسي للهجرة، وخصوصاً أن يومية العامل لا تتجاوز 25 ليرة تركية، وهي لا تكفي لسد احتياجات الشباب وليس العائلة، لذلك يسعى الشاب للهجرة من أجل العمل  لتأمين حياة كريمة له ولعائلته، وربما يستطيع نقلهم إلى البلد الذي هاجر إليه للتخلص من الفوضى الأمنية".

وأضاف الباحث أن الأنشطة الصناعية والتجارية بالكاد تستوعب 15 بالمئة من الشبان في المناطق المحررة، وتساهم المنظمات الإنسانية وقطاع البناء بتشغيل أعداد محدودة من الحشد البشري، غير أن نسبة البطالة تتجاوز في الواقع 60 بالمئة.

قسد تستقطب

وحذر من أن عمليات تفريغ المنطقة من الشبان مستمرة وعلى سبيل المثال، حاولت فصائل تتبع ميليشيا قسد خلال العامين الماضيين استقطاب العديد من شبان المنطقة من خلال رواتب تصل حتى 300 دولار فضلاً عن مزايا أخرى .

وأوضح الباحث "فيصل سليم" أن نسبة الإناث أكثر من الذكور في معظم العائلات المقيمة بالمنطقة، إذ لا يوجد عائلة إلا وفيها شاب أو اثنين في البلدان المجاورة أو في أوروبا، وفي بعض الحالات هاجر جميع شبان تلك العوائل، وهو يقود حتماً إلى ارتفاع نسب العنوسة في صفوف النساء.

وبالمجمل، يقاسي شبان المنطقة الأمرّين جراء انعدام فرص العمل، ولاسيما خريجي الجامعات والمعاهد الذين بات تفكيرهم منصبا على الهجرة إلى تركيا وأوروبا بعد أن فاقمت موجات التهجير التي شهدتها مناطق أرياف إدلب الجنوبي وحماة الشمالي وحلب الغربي العام الماضي من الوضع الاقتصادي المأساوي.

البطالة تسهل التجنيد

وأفاد الباحث في مركز جسور للدراسات "وائل علوان" أن "الهجرة من سوريا تصاعدت واتسمت بالاستمرار بعد أن أصبحت البلاد بيئة حرب وفوضى ترتبط بالمخاطر والكوارث وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، وفي هذه الظروف يغدو من الطبيعي هروب العائلات مع أطفالها نحو مكان أكثر أمناً.

وأشار في حديث لأورينت نت أن "الفقر وعدم توفر العمل أسباب رئيسية لظاهرة هجرة الشباب إلى جانب المخاطر الأمنية وخشية التجنيد الإجباري، وكذلك الطمع في الوصول إلى أوروبا من أجل الحصول على حياة أفضل.

ولفت "علوان" إلى أن البطالة وانعدام فرص العمل يسهل مهمة التنظيمات الراديكالية وميليشيا "قسد" في تجنيد الشبان، وبالمقابل أدى تدفق عناصر أجنبية إلى مناطق النظام وقسد وداعش إلى هجرة شباب سوريين باتجاه البلدان الأخرى.

الهجرة بالدين والسداد بالحولات

وتعتمد الكثير من العائلات في الداخل السوري على الحوالات من قبل أبنائها في توفير متطلبات المعيشة، ولاسيما بعد بيع الكثير من الأهالي ممتلكاتهم لمساعدة أبنائهم على الهجرة إلى تركيا وأوروبا.

"محمد العبد الله" شاب سوري وصل إلى مدينة فيينا عاصمة النمسا قبل 5 أشهر بعد استدانته مبلغ 5000 آلاف دولار، من أحد أصدقائه ويعمل على تسديدها حالياً بعد وصوله وحصوله على راتب من قبل الدولة.

وقال "محمد العبد الله" إن "الكثير من الشبان يفكرون بالهجرة، ولكن ما يمنعهم هو العائق المادي، حيث إن الهجرة باتجاه أوروبا تكلف ما بين 7 آلاف دولار حتى 10 آلاف دولار، وتحتاج ما بين 3 إلى 5 أشهر للوصول إلى الدولة الأوروبية التي يرغب المهاجر بالسفر إليها".

وأضاف في حديثه أن "وضع الشبان المتزوجين يعد صعبا للغاية، لأنهم لا يستطيعون لم شمل أسرهم قبل عدة سنوات، وهو ما يساهم بالتفكك الأسري وطلب الزوجات الطلاق من أزواجهم، وخصوصاً في ظل عدم وجود أفق للحاق العائلة بالزوج في بلاد الغربة".

ومؤخراً أعلنت تحرير الشام عن تأسيس إدارة للتجنيد العسكري، والتي يتبع لها ثماني شُعب تجنيد تتوزع ضمن مناطق سيطرتها على المدن الرئيسية ما قد يفاقم من ظاهرة هجرة الشبان.